اعتاد لبنان أن يربح معاركه في الخارج ويخسرها في الداخل بسبب انقسام أبنائه وتناحرهم سياسياً وحزبياً وشخصياً.
في الماضي ربح لبنان مساعدات مالية ضخمة في مؤتمرات باريس 1 و2 و3 وخسر الافادة منها في الداخل لأنّ الانقسامات السياسية والخلافات الشخصية حالت دون إقرار المشاريع الاصلاحية المطلوبة للحصول على هذه المساعدات كاملة.
وفي الماضي أيضاً ربح لبنان قرارات دولية لتحرير أرضه من الاحتلال الاسرائيلي، لكنها ظلت حبراً على ورق. وكان آخرها القرار 1701 الذي استفادت اسرائيل من تنفيذ جزء منه، إذ توقفت العمليات العسكرية في الجنوب بينها وبين “حزب الله” وإن من دون التوصل إلى وقف إطلاق النار، ولا منع مرور الاسلحة عبر الحدود اللبنانية – السورية إلى الحزب وإلى غيره من التنظيمات.
وها إنّ لبنان يربح اليوم في مؤتمر باريس لمجموعة الدعم الدولية قرارات مهمة دعت إلى الاستمرار في تقديم الدعم السياسي والمالي للبنان لمساعدته على مواجهة المشكلات التي تهدّد أمنه واستقراره.
وحضت هذه القرارات الاطراف في لبنان على احترام “اعلان بعبدا” وسياسة النأي بالنفس عن الأزمة السورية، وطالبت بحل شامل لخطر الارهاب وبتعزيز الدعم للاجهزة الأمنية اللبنانية وعدم تمكين الارهابيين من الافلات من المساءلة والعقاب، كما طالبت بزيادة الدعم للجيش اللبناني وتوفير الوسائل الضرورية لمساعدته على مواجهة التحديات الأمنية الكبرى، والاشادة بالمساعدة التي وفّرتها السعودية (ثلاثة مليارات دولار) والمساعدات الدولية الأخرى التي تصب في مصلحة الخطة الخمسية للحكومة اللبنانية والتعويل على اجتماع روما الموعود لما يشكله من فرصة للمساهمة في دعم الجيش والتعجيل في تنفيذ خريطة الطريق التي وضعتها المجموعة بالاتفاق مع البنك الدولي والحكومة اللبنانية على ادارة موضوع اللاجئين السوريين ومواجهة التبعات التي يرتّبها على الاقتصاد وقطاعات التعليم والصحة والبنى التحتية والطاقة، وإسراع الحكومة اللبنانية في إقرار التدابير القانونية لتلقّي المساعدات التي تمت الموافقة عليها للبنان.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: “هل يستطيع لبنان بوضعه الحالي تنفيذ هذه القرارات المهمة وهو يعاني من انقسامات حتى حول أبسط الأمور”؟ بحيث جعلته لا يستطيع تشكيل حكومة إلّا بعد مرور أكثر من عشرة أشهر، ولا الاتفاق على مضمون بيانها الوزاري بعد عقد جلسات عدة، ولا ضمان اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها ما جعله غير قادر على أن يحكم نفسه بنفسه، وأن يظل في حاجة، ويا للأسف، إلى وصاية…؟
وما دام أصدقاء لبنان يعرفون أنه على هذا الوضع السيّئ، فلماذا يتركونه يتحمل النتائج من دون مساعدته على معالجة الأسباب؟ فعوض وضعه أمام مشكلة السلاح خارج الدولة لإعطاء حامليه ذريعة تحرير الاراضي اللبنانية التي تحتلها اسرائيل، لماذا لا يضغط هؤلاء الاصدقاء على اسرائيل كي تنسحب من بقية الاراضي التي تحتلها تنفيذاً للقرارات الدولية ليصير في الامكان تطبيق اتفاق الهدنة المعقود بينها وبين لبنان ريثما يتم التوصل الى اتفاق سلام شامل في المنطقة، وعندها لا يبقى مبرر لوجود سلاح خارج الدولة يضعف سلطتها ويقلّص سيادتها بما في ذلك سلاح المقاومة، ولا يبقى أيضاً مبرر لتسليح الجيش اللبناني بأسلحة متطورة مكلفة قد تعترض اسرائيل على بعضها، مع العلم انه مهما بلغ حجم تسليحه، فلن يتوصل إلى تحقيق تكافؤ مع سلاح الجيش الاسرائيلي. وعوض منح لبنان المساعدات كي يستطيع تحمل عبء اللاجئين السوريين الذين يزداد عددهم كلما ازدادت الحرب في سوريا شدّة وعنفاً، بحيث يشكلون قنبلة موقوتة تهز كيان لبنان ووجوده، لماذا لا يعمد اصدقاء لبنان إلى حل الأزمة السورية بسرعة أو اتخاذ الاجراءات الكفيلة بضبط حدوده فيرتاح سياسياً وأمنياً واقتصادياً؟ ولماذا يفعل اصدقاء لبنان ما فعله حاكم في الماضي عندما طلب بناء مستشفى عند منعطف تكثر فيه حوادث السير بدل أن يوسع المنعطف؟!
إنّ مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان مشكورة على القرارات التي اتخذتها في مؤتمر باريس، ومشكورة الدول العربية لاهتمامها بمساعدته بدءاً بمؤتمر الكويت، وإن ظلّت حتى الآن دون ما هو مطلوب، ودون الحصول عليها كاملة. لكن على هذه المجموعة، وهي تعرف أن لبنان هو لبنانان وأكثر سياسياً، ان تعرف أيضاً أنه في حاجة إلى من يساعده على معالجة الأسباب كي لا تحمل معه همّ النتائج، أو تحاول انقاذه، رغماً عن اللبنانيين أنفسهم… عسى أن تكون مقررات مؤتمر باريس لمجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان قابلة للتنفيذ أكثر من مقررات مؤتمر باريس (1 و2 و3) التي لم يعرف لبنان الافادة من المساعدات التي تقرّرت له بسبب انقساماته السياسية والحزبية والشخصية والتي أضاعت وتضيع عليه كل الفرص.