لم تعد صورهم مجرّد ذكرى ولا أصواتهم مُحفّزاً للتلاقي فقط بل أصبحوا هم الأصل والقضيّة والأمل في الاستمرار على النهج الذي مشوا عليه فتحوّلوا يوم أمس الى شعلة أنارت الدرب مجدداً بعدما راهن البعض على انطفائها، كانوا حاضرين بكل هاماتهم يجلسون بيننا يناقشون بكل التفاصيل ويضعون النقاط على حروف ذهبية حاول ذاك البعض استبدالها بخشبية إلا أنه لم يفلح.
عبارات مُختصرة لكنها مُعبّرة جاءت لتؤكد أنه وعلى الرغم من مرور سنوات تسع على انطلاق “ثورة الأرز” إلا أنها مكملة حتى تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها، الحداثة، العيش المشترك، الدولة وغيرها من الكلمات التي أُفرد لها مكان خاص على جانب جدران القاعة جميعها تؤكد أهميّة التلاقي بين اللبنانيين بكل تنوّعهم السياسي والمذهبي على أساس الولاء لوطن حُكم عليه وعلى أبنائه بالشقاء منذ أن أصبح مطية لأنظمة وجمهوريات تُصنّف ضمن خانة الديكتاتوريات.
قبل موعد البدء بالاحتفال بساعات كانت قاعة “البيال” قد غصّت بجماهير وفيّة لم يمنعها صقيع “آذار” من الحضور، من الشمال والبقاع زحفوا ومن الجنوب والجبل توافدوا وقبلهم كان أبناء العاصمة يحجزون أماكنهم على وقع الأناشيد الحماسية، مشهد أكد للمرّة التاسعة أن البذور التي طرحتها ثورة “الأرز” والتي روتها دماء أصحاب الصور المعلّقة، قد بدأت تؤتي ثمارها وأولى بشائرها المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي بدأت بمحاكمة القتلة فعلاً وواقعاً لا قولاً وحلماً.
وحدها الآمال كانت مُعلقة عليهم وعلى وحدتهم فكان لهم ما أرادوا، تهامس بعض الحضور في الاحتفال حول التباينات في وجهات النظر الواقعة بين القوى الرئيسية وما إذا كان سيرتد ذلك سلباً على زخم الاحتفال، بالأرقام كانت المفاجأة وبالصوت الواحد والهادر انقطع الشك باليقين بأن القضيّة التي حملتها الدماء لن تُسقطها يد الخصوم والأعداء مهما اشتدت الأزمات، فالوطن وطنهم والقضيّة قضيتهم والرجال تُعرف عند الشدائد ومن داخل الاحتفال كانت المواقف.
من داخل قاعة “البيال” خرجت بالأمس كلمات كانت كحد السيف فلم تقع برداً وسلاماً على المتربصين بأولياء الذكرى، ألسِنة لم تخف في الله لومة لائم ولم تتكتم على الحقائق فسردتها كما هي من دون زيادة أو نقصان، وحده العلم اللبناني ظلّلهم ووحدها الدعوات شكلت لهم الحماية، “الله يحميكن” جملة تخرج من إحدى الحاضرات ومن ثم تستعيد لزميلتها ذكرى اليوم الذي انطلقت فيه الثورة، “نزلنا نحن النساء في ذلك اليوم قبل الرجال الى الساحات حملنا الورود وأهديناها للجيش اللبناني فكانت ثورة الأرز”.
يعلو التصفيق لحظة دخول رئيس كتلة “المستقبل” فؤاد السنيورة ومثلها مع دخول الأمين العام لـ”تيار المستقبل” أحمد الحريري، البعض يسأل عما إذا كان سيحضر رئيس الهيئة التنفيذية في “القوات اللبنانية” سمير جعجع شخصيّاً، والبعض الآخر يتمنى لو أن الرئيس سعد الحريري كان موجوداً. الوضع السوري كان أيضاً حاضراً بقوّة بين الجماهير وخصوصاً ما يجري في يبرود، يسأل أحدهم صديقه: “شو قولك بتسقط؟”، فيجيبه “لا، بعتقد القصّة طويلة وصعبة”.
وما حُكي عن خلاف بين أقطاب قوى 14 آذار حول النظرة الى موضوع تشكيل الحكومة كسرته الكلمات التي أكدت وحدة المسار والمصير لتُعيد الى الأذهان كلمة الحريري الذي أكد ذات يوم “أن الموت وحده يمكن أن يُفرّق هذه القوى” والكلام الذي بدأ به الرئيس السنيورة حول وحدة موقف “14 آذار” ومنعتها، ختم به “الحكيم” ليأتي التفسير واضحاً للقريب والبعيد بأن “الثورة” مكملة في طريقها حتى تحقيق أهدافها التي هي تطلعات الشعب وآماله.