أما وقد انتهت المعركة الحكومية إلى ما انتهت إليه بعودة المساكنة القسرية مع “حزب الله”، وهي خطيئة بهذا المعنى، يجب استكمال المواجهة من هذا السقف الجديد-القديم في ظل غياب أو عدم توافر أيّ إطار أو خطة بديلة.
لا حاجة للتوسع بالأسباب المعلومة التي كان يفترض أن ترجح كفة رفض المشاركة مع “حزب الله” في أيّ إطار مؤسساتي والتي تبدأ من الشكوك الجدية حول دوره في الاغتيالات السياسية ولا تنتهي بوجود قناعة راسخة بأنّ لا مشترك أو جامع مع الحزب تحت سقف السماء اللبنانية، ولكن وبعد التسرع والتفرد في اتخاذ قرار المشاركة، وبعد أن رست الأمور على ما رست عليه، يجب إعادة رص صفوف 14 آذار وتنظيم المواجهة بين مكوناتها بالشكل الذي لا تترك فيه أي ثغرة يستفيد منها “حزب الله”، وجعل وجودها في الحكومة منطلقا للمواجهة لا التطبيع مع الحزب.
فالأولوية في هذا المجال هي للموقف الداخلي لا المواقف الخارجية المرحبة بتجاوز قطوع البيان الوزاري، لأن هذه المواقف نفسها هللت للحكومة الميقاتية على رغم إسقاط الحكومة الحريرية وما رافقها من انقلاب على “اتفاق الدوحة” والشراكة في الداخل وإمساك “حزب الله” بالقرار الحكومي، وبالتالي المجتمع الدولي لا يعتد عليه ولا يجب أخذ موقفه في الاعتبار والأفضل وضعه أمام الأمر الواقع.
وطالما أن مكونا أساسيا من 14 آذار قرر العودة إلى أسلوب المواجهة من داخل المؤسسات والإطاحة بورقة مقاطعة “حزب الله” التي كانت أفضل وسيلة لمواجهته، يفترض الذهاب في هذه المواجهة إلى حد الأقصها على مستويين:
المستوى الأول حكومي، الانجاز الأبرز في البيان الوزاري هو الفصل في فقرة واحدة بين مطلب 14 آذار الوزارية حصر الدفاع عن السيادة واستعادة الأراضي بالدولة اللبنانية، وتأكيد “حزب الله” على “الحق للمواطنين اللبنانيين في المقاومة ورد الاعتداءات”، وأهمية هذا الفصل تكمن في عدم إقرار الفريق الأول بأي شكل من الأشكال بالمقاومة، لأن ربطها بالدولة أو وضعها تحت مرجعيتها يعني وكأن ثمة موافقة ضمنية على المقاومة التي كانت وما زالت تدميرية للبنان.
فهذه الفقرة جاءت لتثبت أن “حزب الله” و14 آذار جسمين منفصلين تماما، وبانتظار الفصل التام مع الحزب أو الوصل بشروط الدولة وقواعدها، التماهي معه خطيئة، لأن واهم من يعتقد في قدرته على ضبط الحزب ببيان، كون الأخير لا يقيم أي اعتبار للبعد المحلي ويتحرك تبعا للاعتبارات الإقليمية، فضلا عن أن المعركة معه لا حلول وسط فيها من أجل البحث عن صيغة دمج وربط، وبالتالي إما تستعيد الدولة حضورها ودورها وسيادتها، وإما يجعل الحزب الدولة على صورته ومثاله.
وفي مطلق الأحوال الأمور مرهونة بمدى استعداد 14 الوزارية على المواجهة بدءا من مصطلح “المشروعة” في البيان الوزاري، أي “التحرير بشتى الوسائل المشروعة”، وذلك من خلال اعتبار سلاح “حزب الله” وسيلة غير مشروعة للمقاومة استنادا إلى القرارين 1559 و1701، وصولا إلى تعطيل إمكانية استخدامه الدولة لمصالحه ومآربه.
وفي هذا السياق حان الوقت لتعلن 14 آذار الحكومية تمسكها بالقرارات الدولية، وإصرارها على تطبيقها لجهة ما ورد في القرارين المذكورين من “نزع سلاح كل الجماعات المسلحة، حتى لا تكون هناك أي أسلحة أو سلطة في لبنان عدا ما يخص الدولة اللبنانية”، إلى “بسط سيطرة حكومة لبنان على جميع الأراضي اللبنانية وان تمارس كامل سيادتها”.
وفي موازاة هذه النقطة لا يفترض التقليل من رمزية تحويل المقاومة من حق خاص مكتسب لـ”حزب الله” إلى حق عام يشمل كل المواطنين اللبنانيين، أي انتزاع الشرعية عنه التي كان يسعى إليها في البيانات الوزارية وتعميمها على كل اللبنانيين. وإذا كان الوجه الإيجابي لهذه النقطة فك الارتباط بين المقاومة والحزب ولو نظريا، إلا أن الوجه السلبي يكمن في تبني فقرة تؤدي إلى الفوضى وتذكر باتفاق القاهرة.
المستوى الثاني رئاسي، إذا صحت مقولة أن 14 آذار الوزارية أرادت المشاركة في الحكومة لتحسين شروط المواجهة مع “حزب الله”، فهذه القاعدة كل لا يتجزأ، أي لا تنطبق فقط على الحكومة بل تنسحب على كل المؤسسات وأوجه الحياة وفي طليعتها رئاسة الجمهورية.
ومن هنا يجب توحيد المعايير على قاعدة أن ما يصح حكوميا يصح رئاسيا، وبالتالي خوض الاستحقاق الرئاسي من منطلق إيصال الشخصية القادرة على الدفع قدما بمشروع الدولة في مواجهة مشروع الدويلة، وأي مساومة لا يمكن تفسيرها إلا كونها تنم عن رغبة إسلامية عامة ولدوافع مختلفة ومتناقضة بإبقاء موقع الرئاسة ودورها ثانويا.
استنادا إلى ما تقدم، دخل لبنان مع البيان الوزاري مرحلة سياسية جديدة عنوانها ربط نزاع مع “حزب الله” من داخل المؤسسات، وشرطها عدم المساومة في أي قضية أو استحقاق والتهيؤ للمعركة الرئاسية التي يجب أن تستكمل المعركة الحكومية وتتوجها.