المصدر: أسعد بشارة ـ الجمهورية
شيء من الاطمنئان، وضوح في الأفكار والأهداف، قلق على البلد من الآتي، وجرعة لا يمكن إخفاؤها من الرضى عن النفس، تتحوَّل بين الفينة والفينة فخراً ذاتياً لا يمكن إخفاؤه.
يستقبل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ضيوفه في جناحه الخاص، بعيداً عن المكتب الرئاسي. يتكلم ويتكلم، يؤرّخ تاريخه، قبل انتخابه رئيساً، وبعده، يعتَبر أنَّ عشر سنوات من تسلّمه قيادة الجيش، كانت جزءاً لا يمكن إسقاطه من جردة الحساب.
يتعاطى مع الأسابيع المتبقّية من عمر الرئاسة، كأنّها بداية ولاية وليست نهاية. هنا يظهر الفخر بما قام به جليّاً. الحفاظ على وحدة البلد، التماسك في الأوقات الصعبة، مواجهة العنف والجنوح، بسلوك رجل الدولة الذي حافظ على المؤسسات، وإن بمقدار ما أتاحت له الظروف.
كلّ ذلك جزء من هذا الشعور لدى رئيس الجمهورية، بأنّ الساعة الثانية عشرة ليلاً من نهاية الولاية، ستكون لحظة سعادة شخصية، بغَضّ النظر عمّا سيحصل، بعد تسليم المسؤولية.
يقول سليمان لـ«الجمهورية» جازماً: «سأسلّم الأمانة للرئيس المنتخب، باحتفاليّة هي تعبير عن مفهوم حُسن سير المؤسسات، والتزام المواعيد الدستورية».
ويهدّئ سليمان من حماسة المحبّين الذين يتمنّون التمديد، ويقول: «سأسلّم الأمانة وأعود إلى منزلي، فقد قمت بما يمليه عليّ واجبي الوطني وضميري».
عن احتمال الفراغ الدستوري، يقول سليمان: «أخشى من حصول الفراغ، لكنّ تأليف الحكومة، والاتفاق على البيان الوزاري، وتحديد جلسة للحوار الوطني، كلّ ذلك يساهم في خلق دينامية إيجابية، لحصول الاستحقاق الرئاسي في موعده، بحيث يتمّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية».
ويستعيد سليمان ما قام به في قيادة الجيش، وفي رئاسة الجمهورية. الحملات التي تعرّض لها، بعد خطاب الكسليك، زادته اقتناعاً بمضمون ما قاله، ويردّ ساخراً على من قال إنّ ما ورد في خطابه «غلطة مستشار» كأنه يقول: لا يعرفون من هو ميشال سليمان.
كان الاختيار في انتقاء التعابير في وصف «الثلاثية» بين كلمة «خشبية» أو «جامدة»، فاختار الأولى، ومن ثمّ أتى النقاش في البيان الوزاري، وتخلّى أصحاب «الثلاثية» عنها، وهذا ما أثبتَ أنّها بالفعل باتت معادلة خشبية، وأنّ الحملات التي شُنّت من أجل معادلة تخلّى أصحابها عنها، سقطت.
يُذكّر مَن يذكّرونه بـ«خطاب القسم» ويقول لهم: «تقولون إنني خرقت خطاب القسم بالنسبة إلى المقاومة، لكن هل نسيتم، أنكم تجاوزتم حدود الوكالة التي أعطِيت لكم في موضوع المقاومة، وذهبتم إلى سوريا للقتال هناك؟». ويضيف: «أنا قلت ما قلته لأنني ملتزم خطاب القسم، ولكنّ تجاوز حدود الوكالة المعطاة للمقاومة، حتّم عليّ أن أصارح الرأي العام وأن أقول ما تفترضه مسؤوليّاتي، من موقعي الدستوري».
يتوجّه سليمان إلى من يقفون خلف الحملات: «وافقتم على «إعلان بعبدا» ثمّ تراجعتم، وهذا الإعلان الذي اتُفق عليه في جلسة الحوار في بعبدا، وُضع لحماية لبنان من الأخطار، فهل بالقتال في سوريا نحمي لبنان؟»
يستعيد سليمان حقبة العام 2000، وفي ذاكرته نداءٌ تاريخيّ أطلقته الكنيسة، وكلام للبطريرك مار نصرالله بطرس صفير قال فيه لسوريا: «يا جاري أنت في دارك وأنا في داري». في حسابات سليمان أنّ إنجاز «إعلان بعبدا» هو في السياق التاريخي نفسه لنداء بكركي.
يكرّر رئيس الجمهورية إسم البطريرك صفير مرّات ومرّات، يشيد بدور الكنيسة وبالبطريرك ما بشارة بطرس الراعي، يعيد التشديد على خلاصة عهده: «الأهم بالنسبة إليّ حماية لبنان من خلال «إعلان بعبدا»، وأدعو حزب الله إلى الانسحاب من سوريا، لأنّ المشاركة في الحرب السورية، انعكست ضرَراً كبيراً على حزب الله ولبنان، وسأبقى حتى اليوم الأخير أعمل للاتّفاق على الاستراتيجية الدفاعية، وعلى تأمين حصول انتخاب رئيس جديد للجمهورية».
ينظر الرئيس المغادر بأملٍ إلى جلسة الحوار المقبلة، من دون مبالغة في التوقّعات. يعتبر أنّ مساراً بدأ بتأليف الحكومة، سيفتح ثغرة إيجابية للمساعدة على تأمين انتخاب رئيس الجمهورية.