كلام أشبه بناقوس خطر دقّه السفير البريطاني طوم فلتشر في مقابلته مع “السفير”. يؤكّد أن “خطر توطين النازحين السوريين قائم وليس وهماً”، داعيا الحكومة اللبنانية “الى التفكير مليّا في هذه اللحظة الرمزية بالخطط الضرورية لاستيعاب خطر الأزمة السورية وتداعياتها“.
خطر آخر يتمثل بالإمكانية التصاعدية لانتقال الأزمة السورية الى لبنان، من هنا تجهد الدّول، وبريطانيا في مقدّمتها، لتدعيم الجيش اللبناني والقوى الأمنية بشتى الوسائل حماية لهذا الاستقرار. وثمة استحقاقان مهمان يصبان في هذه الغاية: مؤتمر واشنطن برعاية البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في نيسان المقبل، واجتماع روما (في 10 نيسان المقبل بشقه التقني) الذي سيستكمل على مستوى وزراء الخارجية في حزيران المقبل.
بالنسبة الى الاستحقاق الرئاسي، لا يزال المظروف البريطاني خاليا من أي اسم محدّد وهو سيبقى كذلك، كما يؤكد فلتشر الذي يقول: “ثمة عادة لبنانية بالإتكال على الخارج، وعادة خارجية بالتدخّل بالشؤون اللبنانية. أتمنّى أن تقتنع معظم البلدان بعدم جدوى التدخل في هذا الاستحقاق. وبرأيي أن الناخب الأكبر يجب أن يكون الشعب اللبناني، لأنّه سيكون من العار للبنان اختيار رئيسه في غرفة مظلمة من قبل بعض مدخّني السيكار“.
يشعر فلتشر “بالقلق من الوضع الراهن. منح تشكيل الحكومة لحظة زخم سياسية حقيقية، وأعطى فرصة قصيرة وفتح نافذة صغيرة لدفع الأمور صوب التقدّم ولتحقيق مكاسب سريعة، والسؤال المطروح اليوم على الوزراء الجدد: ما هي المكاسب السريعة التي ينبغي أن يحققوها للبنان في شهرين فحسب؟“.
مردّ القلق عند فلتشر يعود “الى الوضع الأمني ومنه في طرابلس، ومن خطر انتقال الصراع السوري الى لبنان، ومن الوضع الإنساني، حيث سيصل عدد النازحين السوريين المسجلين رسميا في لبنان بعد قرابة الأسبوع الى مليون نازح، ستكون هذه لحظة رمزية للتفكير مليّا في ما يجب فعله. وأعتقد أن تزايد عدد النازحين هو عامل ضاغط على المجتمعات اللبنانية المضيفة. لا يوجد بلد في العالم يتعامل مع مشكلة في هذا الحجم“.
وعندما يسأل فلتشر عن المفارقة بأنه يدّق ناقوس الخطر اليوم بينما المجتمع الدولي شجع لبنان على استضافة النازحين، يجيب: “أعتقد أنها إدارة لمسألة إنسانية. برأيي أنّ البلدان التي تقبل دفع هذه الضريبة الإنسانية قليلة، وثمة دول غربية عدة تحاول أن تتمثّل بالكرم الذي اتصف به لبنان، لكن هذا العبء لا ينبغي أن يبقى مقتصرا على اللبنانيين، وبما أننا شجعنا لبنان على استقبال كل هؤلاء النازحين، فعلينا أن نتجاوب مع احتياجاته. وخصوصا أنها من أكبر أزمات النزوح في التاريخ. قدّمت بريطانيا مليار دولار لغاية اليوم تلبية لاحتياجات النازحين في المنطقة، ويعتبر لبنان أحد أبرز المستفيدين بمجتمعاته المضيفة وبمدارسه وفي قطاعات عدّة، وهذه المبالغ في تزايد تدريجي، ونحن نتطلع الى اجتماع البنك الدولي وصندوق النقد الدّولي في واشنطن في نيسان المقبل لنيل تمويل إضافي يخصص للتعليم“.
دعم الجيش أولوية بريطانية
وعن تحوّل مشكلة النازحين من إنسانية الى مسألة ذات بعد أمني فضلا عن المخاوف من توطينهم في لبنان، يقول فلتشر: “أنا أوافق تماما على هذا، لذا نحن ندعم إيلاء الحكومة اهتمامها للوضع الأمني، ونوثّق تعاوننا مع الجيش اللبناني وقوى الأمن الدّاخلي. هذا التعاون تضاعف أكثر من 10 مرات منذ مجيئي الى لبنان قبل عامين ونصف العام. ساهمت بريطانيا مثلا في ترميم محطة رأس بيروت في قوى الأمن الداخلي، كذلك قّدمت دعما لمدوّنة السلوك، ويوم الثلاثاء الماضي جلت في الشمال للإطلاع على أنشطة التدريب مع ضباط بريطانيين كبار للقوى الأمنية اللبنانية ومنها عناصر مولجة بحفظ الأمن في طرابلس وعرسال، كذلك بنينا عددا من أبراج المراقبة على طول الحدود الشمالية الشرقية. جولتي في الشمال كانت لمراقبة التجهيزات والتقديمات والإطلاع على حاجات الجيش اللبناني بعد أن طلب مني قائد الجيش العماد جان قهوجي الإطلاع ميدانيا على الاحتياجات الخاصة بالجيش، ومنها دروع ووسائل اتصال وسواها من الأمور التي نحاول توفيرها“.
هل تحمي هذه التجهيزات فعليا الحدود وهل جمّدت تدفق المقاتلين؟ يجيب السفير البريطاني: “أعتقد أن النتيجة الفورية هي تحسين قدرة التفتيش للسيارات عند الحواجز، والجيش اللبناني يقود هذه المهمات، وخصوصا في الشمال. لكن للأمر شقّا سياسيا أيضا، وهو إبراز وقوف بريطانيا في الصف ذاته الى جانب لبنان لإبعاد شبح الحرب عنه. وثمة رسالة ثانية الى النظام السوري والى من يقاتلون في سوريا بأن هذه الحرب لن تنتقل الى لبنان وأننا سنزوّد الدولة اللبنانية بكلّ ما تحتاج اليه من دعم لصدّ أيّ حرب على أراضيها“.
عن مؤتمر روما المقرر في حزيران المقبل، يقول فلتشر: “سنكون مشاركين من ضمن مجموعة الدعم الدولية عبر وزير خارجيتنا، لدينا قبلا اجتماع واشنطن، وبعدها سنركز كل جهودنا على كيفية إضافة الدعم للجيش ودفع المانحين الى زيادة دعمهم للجيش وسنأخذ خطة الجيش اللبناني وما يطلبه. وستعلن بريطانيا وقت المؤتمر زيادة في دعمها للجيش، وخصوصا لزيادة قدراته عند الحدود الشمالية الشرقية“.
ويرى فلتشر “أن دور الجيش حاسم ومصيري حاليا، ومن المهم أن تعترف كل الفئات بذلك. ثمة توافق حول الجيش ودوره، من المهم أن يستمر وخصوصا أن الجيش مستهدف. حين حصل تفجير أمام حاجز للجيش منذ شهر سارعنا الى تقديم معدات للحماية ومنها دروع واقية“.
وعما إذا كان هناك استعداد غربي لتقديم صواريخ ودبابات وأسلحة متطورة للجيش يقول فلتشر: “أعتقد أنه يجب تلبية كل المتطلبات التي حددها الجيش اللبناني في خطته الخماسية، بالنسبة إلينا يكتسب التدريب أهمية قصوى“.
شبح توطين السوريين
يوافق فلتشر القلق الذي بدأ يشعر به النازحون من توطينهم في لبنان “نحن قلقون ما دام الصراع مستمرا في سوريا ويمنع عودة النازحين الى ديارهم بسبب عدم الأمان، لكن ينبغي أن نبقى موضوعيين في شأن توطين النازحين على المدى الطويل، لأن هؤلاء لا يريدون البقاء في لبنان ويرغبون بالعودة اليوم قبل الغد“.
وعند المقارنة مع اللاجئين الفلسطينيين الذين يرغبون بالعودة لكنهم بقوا في لبنان، يقول “هذا صحيح، وأعتقد أنه من الضروري جدّا إيجاد حلّ سياسي لإنهاء الحرب في سوريا، وإلا سيكون الأمر مقلقا جدّا في هذا الخصوص“.
وعما إذا كان ذلك يعني وجود مخاوف من توطين السوريين في لبنان، يجيب السفير البريطاني: “نعم، هذا صحيح“.
الحياد اللبناني غير مفضّل في أزمة أوكرانيا
عن تأثير الأزمة الأوكرانية في اهتمامات الغرب بالوضع في سوريا، يقول فلتشر: “أنا أوافق بأنّ الأزمة الأوكرانية حظيت بالتركيز الدولي الكبير في الأسابيع الأخيرة، وهذا مفهوم كونها أزمة دولية كبرى هي أيضا، لكن لا أعتقد بأنها ستشتت انتباهنا عما يجري في سوريا. أعتقد أنه من المبكر التكهن بتداعيات الأزمة الأوكرانية، وثمة حاجة كبرى لكي تتعاون القوى الكبرى في ما بينها مثل الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والسعودية وإيران للوصول الى وجهات نظر متقاربة حول سوريا لإنهاء الحرب، لكن من دون شك فإنّ الاختلافات حول أوكرانيا ستصعّب الأمور. ومن وجهة نظري الشخصية أعتقد أنه بالنظر الى مصالح الرئيس فلاديمير بوتين نجد أنه أكثر اهتماما بما يحصل بالقرم من اهتمامه ببقاء الرئيس بشار الأسد في الحكم“.
وعن انعكاس ذلك على لبنان، يقول: “سيتظهر بمزيد من انتقال عدم الإستقرار الى هنا، لذا نولي أهمية للدور الذي يلعبه الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في ضبط الأوضاع، بالإضافة الى مساعدة النازحين الفقراء والعمل في الشق السياسي من حيث إتمام الاستحقاق الرئاسي في موعده. وأعتقد أنه يجب أن يحصل ميثاق مع المجتمع الدولي حول ما نريده، وبعد حديثي مع عدة سفراء ممثلين للدول تبين لي أن الجميع لا يرغب بالتدخل في الاستحقاق الرئاسي الذي ينبغي أن يتحكم به اللبنانيون أنفسهم، واتمنى أن يحصل توافق دولي أوسع حول ذلك، وخصوصا من الدول الإقليمية“.
وعن موقف لبنان الحيادي من أزمة أوكرانيا يقول: “شخصيا لا أحبذ ذلك. فأنا أؤيد تماما سياسة النأي بالنفس التي اعتمدها لبنان حيال الأزمة السوريّة، أما بالنسبة الى الأزمة الأوكرانية فللبنان تاريخ طويل بدعم قرارات الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، وأتمنى ألا ينأى لبنان بنفسه عن هذه الأزمة. ونحن تحدثنا الى الحكومة اللبنانية لشرح مقاربتنا للموضوع، لكن الأمر يتعلق بقرار الوزراء اللبنانيين، غير أني أعتقد أن لبنان لا يجب أن يكون محايدا تجاه الأزمة الأوكرانية“.
اجتمعت مع السفير الإيراني في “مكان محايد“
عن التقارب البريطاني مع إيران ودوره في حصول تقارب بين طهران والرياض، يقول فلتشر: “أتمنى أن يحصل توافق وتقارب بين الدولتين في ما يخص المنطقة، كانت لدينا اختلافات مع إيران في الأعوام السابقة، وفي الشهر الماضي عقدت اجتماعا مع السفير الإيراني في بيروت غضنفر ركن أبادي، وهو كان أول اجتماع بيننا، وقد اجتمعنا في مكان محايد في لبنان“.
وعن تفسيره للمكان المحايد في لبنان يقول: “لنقل إنه مكان آمن، لأسباب أمنية خاصة بنا كلينا، أردنا معاودة الحديث عن العلاقة بيننا وبين إيران، ولكن أعتقد أن كلينا كانت لديه مصلحة في التركيز على ما يحدث في لبنان، ومحاولة فهم الخلافات في وجهات النظر حول استقرار لبنان في المرحلة المقبلة، وكان حرص على مواصلة الحوار، وأعتقد أن إيران لها مصلحة كبرى في لبنان، ولديها علاقة وطيدة بـحزب الله الذي هو جزء رئيسي من العملية السياسية. أمور عدّة نحن مختلفون حولها مع الإيرانيين، وليس سرّا إن قلت أننا كنا نفضل ألا ترسل إيران شبانا لبنانيين لكي يموتوا من أجل الأسد، لكنني أؤمن بالديبلوماسية والحوار المستمر“.
علاقتنا بـ”حزب الله” مرتبطة بسلوكه في سوريا
وعما إذا كان هذا الحوار سينعكس على العلاقة البريطانية مع “حزب الله” وإمكانية شطب جناحه العسكري عن لائحة الإرهاب البريطانيّة، يجيب: “الواضح أننا ندرج الجناح العسكري فحسب، ونحن نتعامل مع الحكومة التي تضمّ أعضاءً في حزب الله، شخصيا لا اتصال بيني وبين أحد من حزب الله“.
ويشير فلتشر إلى أن “كل شيء يتعلق بـحزب الله وبسلوكه في المرحلة القادمة ولا نعتقد أن مقاربتهم للموضوع السوري تساعد لبنان، ولا نريد أن يحدث أي خرق من قبل حزب الله أو إسرائيل للقرار 1701، وخصوصا بعد الحوادث الأخيرة العديدة التي حصلت. نحن على اتصال دائم مع اليونيفيل والسيد ديريك بلامبلي وحصلت الإحاطة الدورية حول القرار 1701 هذا الأسبوع في نيويورك وليس جيدا التسبب بحوادث في الجنوب، وعلى الطرفين إسرائيل وحزب الله التفكير مليا وعدم التسبب بأي توتر في هذه البقعة لأنها ليست المكان المناسب لذلك”.