في الاشهر القليلة الماضية، طرحت سلسلة مصارف عربية وأجنبية، فروعها في لبنان للبيع والبعض منها أنجز هذه العملية، مما يطرح سلسلة تساؤلات عن أسباب مغادرة هذه المصارف السوق المصرفية اللبنانية .
“البنك الاهلي الدولي”
من أبرز عمليات الاستحواذ التي تمت في الأسابيع القليلة الماضية ، إستحواذ مصرف فرنسبنك على البنك الاهلي الدولي في صفقة بينهما، تضمنت تفرّغ الثاني لمصلحة الأول عن كامل مساهمته في “البنك الأهلي الدولي”، وأدت الى إستحواذ فرنسبنك على 98% من أسهم المصرف الاردني بقيمة إجمالية قُدرت بحسب معلومات ” النهار” بـ 100 مليون دولار. وهذه الصفقة تساهم في رفع إجمالي موجودات فرنسبنك إلى أكثر من 18 مليار دولار، وودائعه الى نحو 15 مليار دولار وذلك عند إتمام عملية الدمج خلال أشهر، و إلغاء ترخيص المصرف الاردني في لبنان مع إنجاز دمج الحسابات.
“ستاندر تشارترد”
يضاف الى عملية الاستحواذ هذه، توقيع مصرف “سيدرز انفست بنك” منذ نحو اسبوعين، البروتوكول النهائي للإستحواذ على مصرف “ستاندر تشارترد”، وتم إرساله الى مصرف لبنان للموافقة عليه. ويتجه المركزي، بحسب المعلومات، الى الموافقة على هذا الاستحواذ الذي لا يتعارض مع قوانينه الهادفة الى الابقاء على حجم المصارف اللبنانية ضمن الحدود المقبولة لتكون تحت مراقبته وسيطرته ولتوفير المزيد من الامان والاستقرار للقطاع المصرفي اللبناني على المدى الطويل. وهذه السياسة كانت استبعدت مصارف كبرى مثل “بنك بيبلوس وبنك بيروت وبنك عوده وبنك لبنان والمهجر من لائحة المصارف التي كانت ربما تهدف الى الاستحواذ على “ستاندر تشارترد”. والجدير ذكره، ان “ستاندر تشارترد” البريطاني والذي دخل السوق اللبنانية منذ 14 عاماً ليست لديه ممتلكات في لبنان ويشغل فروعه الثلاثة ضمن عقود ايجار.
وعن حجم التعويضات التي سيحصل عليها موظفوه في لبنان وعددهم 110، علمت “النهار” انه تم الاتفاق مع المشتري أي “سيدرز انفست بنك” على دفع تعويضات بلغت قيمتها ما يعادل الـ 24 شهرا بغض النظر عن اقدمية الموظف، بالاضافة الى شهرين مقابل كلّ سنة خدمة، واشهر الانذار. في وقت وافق المصرف اللبناني على دفع 12 شهراً، وشهر مقابل كل سنة خدمة، وعقد لمدة 3 سنوات للموظفين الذين أبدوا رغبتهم في الانتقال الى العمل ضمن “سيدرز انفست بنك” بعد إتمام عملية الإستحواذ نهائياً. ( إشارة الى ان أكثر من 90 موظفا قبل عرض الانتقال الى “”سيدرز انفست بنك” )
“بنك الإمارات ولبنان”
وأيضا من المصارف الأجنبية العاملة في لبنان والتي تبحث عن من يستحوذ عليها، بنك الإمارات ولبنان بعدما أطلق مالكو المصرف الاماراتي مفاوضات مع أكثر من جهة لبيعه. وما زالت حتى اليوم المفاوضات مستمرة في هذا الشأن، علماً بأن مصادر مصرفية تؤكد لـ”النهار” إهتمام بنك الاعتماد اللبناني وسلسلة من المستثمرين العرب بالاستحواذ على هذا المصرف لكنها تعتبر ان المفاوضات لا تزال في بدايتها.
وتشير بعض الارقام ان محفظة بنك الإمارات ولبنان تتضمن ودائع تصل قيمتها الى مليار دولار مع تسليفات تُقدر بحوالى 650 مليون دولار في وقت لدى هذا المصرف 5 فروع يعمل فيها 198 موظفا يبقى مصيرهم معلقا ببنود صفقة عملية الاستحواذ التي سيوقعها المصرف الدامج مع المصرف الاماراتي والتي قد تتضمن إلغاء رخصة العمل في لبنان والانضمام الى المصرف اللبناني. وللتذكير، كان “بنك الإمارات ولبنان” يملكه بالكامل مصرف BNPI، لكن في العام 2008 قرر الاخير بيع حصة 79% من اسهم “بنك الإمارات ولبنان” لتتحول 51% من ملكية المصرف الى “بنك الشارقة” الإماراتي، و30% لشركة EL Capital الإماراتية، لتبقى حصة BNPI عند 19% . ونهاية العام 2013، عاد وإستحوذ “بنك الشارقة” على 80% من المصرف وإرتفعت حصة EL Capital الى 20%.
ويضاف الى هذه المصارف القرار الذي كان إتخذه “بنك قطر الاسلامي” قبل أشهر بإغلاق عدد من فروع “بيت التمويل العربي” في لبنان والذي يمتلكه، بالاضافة الى الاستغناء عن عدد من الموظفين بحجة خفض التكاليف ومحدودية الارباح.
واللافت في هذه المصارف، انها مصارف أجنبية وغير لبنانية وبالتالي مغادرتها السوق اللبنانية أو نية المغادرة لها دلائل كبيرة. فعمل هذه المصارف تأثر بالتأكيد بالوضع السياسي والامني في لبنان خلال الاعوام القليلة الماضية مما إنعكس سلباً على أرباح محافظها وإستثماراتها. وتضاف الى ذلك، محدودية السوق اللبنانية وبنيتها غير التنافسية في ظل وجود مصارف كبيرة تسيطر على حوالى 80% من السوق. وهذا الامر ينعكس حكما على عمل وأرباح المصارف الاجنبية العاملة في لبنان والتي لم يشهد حجمها أي تغيير خلال سنوات عملها في لبنان.
من هنا، تؤكد مراجع مصرفية ان هذه المصارف وجدت ان الكلفة التي تتحملها في بعض الدول كبيرة ولا يمكن تحملها ولا نية لديها لضخ المزيد من الاموال في سوق لم تؤمن لها الارباح المرجوة، من هنا تفضل مغادرة السوق وعدم اهدار الوقت بإدارة فروع في بلدان مداخيلها محدودة وضعيفة.
ولكن في هذا السياق، تؤكد هذه الاوساط ان مغادرة هذه المصارف لبنان لا علاقة له بضعف ما في القطاع المصرفي اللبنانية بل العكس، هذه المصارف تغادر في معظم الاحيان الاسواق التي تكون مصارفها كبيرة ومحصنة ولا يمكن منافستها، مما ينعكس سلباُ على أدائها وأرباحها فتعدل إستراتيجيتها التوسعية لإيجاد أسواق أخرى تناسب عملها.
وفي النهاية، تبقى أعين كبار أركان سوق المصارف على ملفات الاستحواذ والاندماج التي تؤدي بالطبع عند إتمامها الى تغيير بعض التوازنات المصرفية في سوق ضيقة كالسوق اللبنانية.