Site icon IMLebanon

قانون الإيجارات الجديد… وجهة نظر اجتماعية – اقتصادية

بيروت

ناهلة سلامة

من ترجح كفة قانون الإيجارات الجديدة؟ بين مؤيد و طاعن للقانون، أين تقع مصلحة المواطن؟ إذا استطلعنا مواقف الدولة ابتداءً من “رئاسة” الجمهورية وصولا الى النواب، الجواب: لا توافق، والقانون ما زال معلقاً. 40 ألف ليرة شهرياً هي المعدل العام للإيجارات القديمة أي قبل العام 1992، هذا المعدل المنخفض مقارنة بالإيجارات الجديدة كان مسموحاً به قانوناً من دون إعتراض ومازال مستمراً.
القانون الجديد … ماذا قدم؟
معاناة مالكي الأبنية المؤجرة في لبنان طالت، بعد أن قضوا عقوداً بانتظار قانون إيجارات منصف، وبعد أن وقفوا طويلاً على جوانب منازل يملكونها، لا يحق لهم أن يسكنوها أو حتى إعادة تأجيرها بالتعرفة الحالية. كان عليهم انتظار كل هذه المدة وعليهم انتظار اجتماعات لجنة الإدارة والعدل التي بلغت 39 إجتماعاً، ليصدر بعدها مشروع قانون الإيجارات الجديد، أقرته الهيئة العامة لمجلس النواب وحولته الى قانون ينتظر توقيع رئيس الجمهورية كي ينشر في الجريدة الرسمية ويصبح نافذاً.
من دون الغوص في تفاصيله القانونية، فإنّ أبرز ما يمكن الإضاءة عليه بالنسبة للقانون الجديد للإيجارات فيما خصّ الأماكن السكنية هو منحه فترة سماح أو تمديد لعقود الايجار لمدة تصل الى تسع سنوات على أنّ تبدأ بموازاة ذلك زيادة على الإيجارات نسبتها 15% من القيمة الحقيقية للإيجار المتوجب دفعه، سترتفع تباعاً حتى السنة التاسعة حين يحق للمالك استرداد الشقة. وعملياً، مدّد القانون الجديد للمستأجر القديم ست سنوات، لأنه بعد ذلك عليه أن يدفع بدل الإيجار الفعلي، بما يعني انه لا يملك امتياز البقاء إذ في مقدوره تركها لاستئجار ايّ شقة اخرى بالسعر نفسه.
لكن من الواجب الإعتراف بأنّ القانون منح المستأجر، الذي لا يتجاوز دخله العائلي ثلاثة اضعاف الحدّ الأدنى الرسمي للأجور اي مليونين وستمئة ألف ليرة لأنّ الحدّ الأدنى هو 868 ألف ليرة، من فترة سماح إضافية تصل الى ثلاث سنوات اضافية بعد السنوات التسع الممددة، أي ما مجموعه 12 سنة. وكذلك الأمر، سيُنشأ صندوق تمويلي على نفقة خزينة الدولة لمساعدة المستأجرين من ذوي الدخل المحدود، بحيث يغطي كامل الزيادة المترتبة عن المستأجر الذي لا يتجاوز دخله العائلي الشهري ضعفَي الحد الادنى الرسمي للاجور أو ما يقارب ذلك.
ولكن ربما من أهمّ ما قدمه القانون الجديد ولم يراعيه الإعلام هو ما يتعلق بالأبنية غير السكنية والتي تشمل بالدرجة الأولى المحال التجارية والمكاتب وما شاكل والتي أشار القانون أن تُزاد بدلات ايجارها السنوية بحسب زيادة التضخم السنوي وفقاً للمؤشر الرسمي.

“مشردون لبنانيون في لبنان” وارتفاع في الدين العام وأسعار العقارات
ولكن للقصة وجه آخر، بعيد عن القانون وحق التملك والإستفادة من الأملاك الخاصة، لأنّه سيبرز قريباً كدراما بل كمأساة واقعية إذا ما طبق القانون الجديد. فالإحصاءات المتداولة تؤكد أنّ ما يقارب من 80 ألف عائلة أي ما يوازي 180 ألف شخص، يشغلون حالياً مساكن في لبنان وفق عقود إيجارات قديمة (قبل 1992)، غالبيتهم ممن لا يستطيعون ولو بعد مرور السنوات التسع (وربما قبل ذلك) أن يتحملوا تبعات قانون الإيجارات الجديد؛ فمن ناحية المداخيل، يصنف هؤلاء ضمن خانة ذوي الدخل المحدود، الذي تستهلك الحاجات اليومية المعيشية والحياتية غالبيته وتنعدم لديهم القدرة على الشروع حتى بدفع نسبة 15% التي أقرها القانون في السنة الأولى وبالتأكيد للسنوات القادمة كذلك. ومن ناحية أخرى، فإنّ عدداً كبيراً بينهم سيتعرض للطرد قبل مرور السنوات التسع لعدم مقدرته على سداد قيمة الإيجار الجديد خصوصاً أنّ القانون منح المالك هذا الحق بعد 6 سنوات في حال عدم قدرة المستأجر على السداد…أي أنّ عنوان المأساة القادمة تحمل اسم “مشردون لبنانيون في لبنان”!
الفخ المخيف الذي لم يتنبّه إليه اللبنانيون، وأعني هنا اللبنانيين جميعاً، يتمثّل بقضية الصندوق التمويلي الذي سيقدم الدعم الى المستأجرين غير القادرين على السداد. هذا الصندوق قد يتحول الى كارثة مالية أخرى شبيهة بصناديق عديدة انشأت في لبنان كصندوق المهجرين وصندوق الجنوب وغيرها الكثير وربما أسوأ. إن تمويل هذا الصندوق ستقع أعباؤه على أكتاف المواطن العادي خصوصاً في ظل عجز متنامي للموازنة يرفده دين عام متراكم. صندوقاً تمويلياً كالمزمع انشاؤه لدعم المستأجرين من شأنه أن يستهلك ما يقارب 10 مليار ليرة لبنانية شهرياً إذا ما احتسبنا أن ربع العائلات المستأجرة (أي 20 ألف عائلة) ستتلقى ما معدلّه نصف مليون ليرة لبنانية كمساعدة لدفع الإيجار والبدلات. وبذلك يصبح الرقم السنوي الذي سينفقه الصندوق هو 120 مليار ليرة لبنانية كرقم تقريبي ولكنّه قد لا يبتعد عن الواقع نظراً لمعدلات الفساد والهدر المعروفة في القطاع العام اللبناني.
ومن ناحية أخرى، يتنبأ البعض بأنّ تنفيذ قانون الإيجارات سيؤدي في العقد القادم الى ارتفاع في أسعار الشقق المنزلية بعد أن تحرر أصحابها من العقود القديمة؛ فبالرغم من زيادة العرض المتوقع، لا يمكن أن يطبق هذا القانون الاقتصادي على كثير من المناطق وبالتحديد العاصمة حيث يزداد الطلب بشكل متواصل. ثم أنّ المستفيد الأكبر سيكون متمثلاً بالشركات العقارية الكبرى التي ستستملك المنازل القديمة وترفع أسعار الشقق. لكن قراءة مغايرة لهذا الواقع يرى في الأمر فرصة لاستقطاب رساميل تنعش الإقتصاد وتزيد من فرص العمل على أن يواكب ذلك سياسة حكومية ملائمة قادرة على منح قروض الإسكان الميسرة لذوي الدخل المحدود.

ما العمل؟ من يتحمل المسؤولية؟
لسان حال المستأجرين يقول أنّ الدستور اللبناني مازال هو المرجع الأساسي بل القانون الأسمى للجمهورية اللبنانية الذي يعلو ولا يُعلى عليه، ولذا فنحن بمعرض التذكير بفحوى مقدمته التي لم تغفل قضية حق السكن والذي جاء النص الدستوري واضحاً بشأنها حين قال في الفقرة “ج” أنّ لبنان جمهورية ديمقراطية تقوم على احترام العدالة الاجتماعية وكذلك في الفقرة ط التي تنص على أنّ لكل لبناني الحق في الإقامة على أي جزء من الأراضي اللبنانية والتمتع بها في ظل سيادة القانون. من جهتهم، يذكر المالكون بالفقرة (و) من نفس المقدمة والتي أوضحت صراحة أن “النظام الاقتصادي حر يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة” معتبرين أن بقاء المستأجرين في هذه المنازل هو انتهاك لهذه الملكية.
من غير الجائز القول أنّ القانون كان مجحفاً بحق المستأجرين الفقراء لأنّ أغلبية الملاك باتوا من ضمن الفئة الفقيرة كذلك الأمر برغم ملكيتهم للعقارات. وكذلك لا يجوز أن ترمى طبقة المستأجرين في الشارع بل وأن ترمى من طبقة اجتماعية إلى ما هو أدنى منها في حراك اجتماعي نحو أسفل الهرم. فحتى آدم سميث أشار قبل مئتي عام أنّ الهدف من تراكم الرساميل وزيادة الانتاج هو صيانة الكرامة الإنسانية لا العكس.
المعضلة الإنسانية الإجتماعية التي يقف لبنان في مواجهتها حقيقية بامتياز ولكن المعضلة الأكبر والأكثر جدية هي الخيارات الاقتصادية الإجتماعية بل النظام الذي على الجمهورية اللبنانية أن تلتزم به لأنّ ملف المستأجرين قد يبدو قضية مستقلة بحدّ ذاتها ولكنّه مفترق طرق جدير بالتوقف عنده قبل اختيار وجهة المسير. هل من حلّ يرضي الطرفين يا ترى؟ قد يبدو سؤالاً بديهياً ولكنّه ليس الأولى لأنّ السؤال الأجدى هو من يتحمل مسؤولية هذا الوضع؟ والجواب واضح وجليّ وبحاجة للجرأة اللازمة للنطق به. من يتحمل المسؤولية هي الطبقة السياسية التي أوغلت في التسويف والتأجيل والمماطلة والهروب إلى الأمام بحثاً عن مكاسب ضيقة الحجم ومحدودة الأفق.