طوني رزق
كشفت دراسة علمية اقتصادية تناولت تطوّر الاستيراد مقابل الرسوم الجمركية خلال السنوات الثلاث الاخيرة تضخيماً للأرقام والاتهامات من دون أن تبرّئ ذمة المسؤولين بالكامل. إنها مطالعة ودراسة قام بها إختصاصيّون في احد اكبر المصارف اللبنانية.
يفترض المنطق الاقتصادي والحسابي إرتفاعاً منسجماً على جبهتين مرتبطتين عضوياً وهما قيمة الاستيراد من جهة اولى وقيمة الرسوم الجمركية من جهة ثانية.
إلّا انّ دراسةً أعدها القسم الاقتصادي في بنك بلوم اللبناني أظهرت تراجعاً حاداً للرسوم الجمركية المحصلة سنوياً نسبة الى قيمة الاستيراد خلال السنوات الثلاثة الاخيرة، اي بين عامَي 2011 و2013. ويأتي هذا التراجع مخالفاً لأبسط القواعد الحسابية والاقتصادية مما يطرح تساؤلاتٍ كبيرة تضجّ بها الساحات السياسية والاقتصادية في لبنان.
وما زالت قيمة الاستيراد السنوي في لبنان تشكل نحو نصف حجم الاقتصاد الوطني. وهو اتجاه إعتاد عليه اللبنانيون منذ السنوات العشر الماضية رغم ارتفاعه من 43 في المئة الى 50 في المئة.
وكانت قيمة الاستيراد الى لبنان ارتفعت بنسبة 130 في المئة خلال السنوات العشر الماضية لتبلغ 21 مليار دولار في العام 2013. ولكن في المقابل لم ترتفع قيمة الرسوم الجمركية خلال هذه الفترة سوى بنسبة 33 في المئة اي الى 1,4 مليار دولار في العام 2013.
وعلى رغم التسليم بأنّ الرسوم الجمركية ليست في وارد الارتفاع بالنسبة نفسها لقيمة الاستيراد الاجمالية إلّا انّ الارقام اللبنانية تبقى بعيدة جداً عن المتوقع وتترك فسحات واسعة جداً للشكوك والتساؤلات والاتهامات…
وكانت نسبة الرسوم الجمركية المحصّلة على قيمة الاستيراد الاجمالي تراجعت من 11,41 في المئة في العام 2004 الى أدنى مستوى لها عند 6,53 في المئة في العام 2008.
علماً أنّ نسبة الرسوم على الاستيراد تراجعت الى ما دون السبعة في المئة في العام 2013 الفائت. أما انواع الاستيراد الرئيسة في لبنان فهي النفط ثم السيارات ثم الذهب وصولاً الى المواد الاساسية الاخرى.
أما استيراد النفط فزاد بنسبة 60 في المئة بين العامين 2010 و2012 وبنسبة 36 في المئة بين 2012 و2013. ويعود ذلك الى اعادة التصدير الى سوريا من ناحية، والى الارتفاع المتواصل لاسعار النفط من معدل وسطي عند 70 دولاراً للبرميل في 2010 الى 90 دولاراً للبرميل في العام 2013. غير أنّ العامل الطارئ الذي تمثل بإلغاء الضريبة المضافة على استيراد النفط في العام 2012 كان وراء تراجع قيمة الرسوم الجمركية المحصّلة، وذلك بعد تخفيض بنسبة 50 في المئة في شباط 2011.
وكان ذلك وراء تراجع الرسوم على استيراد النفط من 690 مليون دولار في العام 2010 الى 360 مليون دولار في الـ 2011 لتستقر بعد ذلك على 330 مليون دولار سنوياً. وهذا هو الجواب الاول على التساؤلات والاتهامات المذكورة سابقاً.
أما العامل الثاني فهو استيراد السيارات وقد تراجع بنسبة 23 في المئة في العام 2011 الامر الذي نتج عنه تراجع الرسوم الجمركية المتعلقة باستيراد السيارات بنسبة 25 في المئة من 400 مليون دولار في العام 2010 الى 300 مليون دولار في العام 2011. وعلماً انّ الرسم الجمركي على استيراد السيارات يصل احياناً الى 45 في المئة من قيمة السيارة وشكل ذلك سبباً رئيساً في تراجع الاستيراد على هذا المستوى.
وادّى بالتالي الى تحوّل الإقبال على السيارات الصغيرة مع أنّ الضريبة على استيراد السيارات دون 22 مليون ليرة تبلغ 22,5 في المئة. ويؤدي ذلك الى تراجع عام في قيمة الرسوم الجمركية المحصّلة.
أمّا العامل الثالث فهو استيراد الذهب على رغم انّ اسعار الذهب تحرّكت بقوة من 400 دولار للأونصة في 2004 الى 1400 دولار في 2010 ثم الى 1800 دولار في 2011 و2012. ورفع ذلك فاتورة استيراد الذهب من 1.16 مليار دولار في 2010 الى 2,14 مليار دولار في 2011 غير أنّ الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة شبه معدومة ولا توفر أيّ ايرادات للخزينة.
ولن ننسى قيمة استيراد الحاجات الاخرى الاساسية مثل الغذاء والمطبوعات والآلات الزراعية والادوات والبضائع المرتبطة بالطباعة والمجوهرات وغير ذلك. ويُسجّل على هذا الصعيد الارتفاع الكبير لاستيراد المواد الغذائية والتي أُعيد تصديرها الى سوريا علماً انّ قسماً كبيراً منها تمّ استيراده من منظمات الامم المتحدة مع إعفاء كامل من الرسوم الجمركية. وذلك لملاقاة تداعيات الازمة السورية والنازحين السوريين الى لبنان.
ومع تعديل النسب بين قيمة الرسوم الجمركية وقيمة الاستيراد بعد لحظ الوقائع المذكورة سابقاً فإنّ الرسوم البيانية للاعوام بين 2010 و2013 تظهر تحسناً للرسوم الجمركية المحصّلة في 2012، والتي عادت للتراجع في العام 2013 وعليه فإنّ التعديلات المذكورة وهي علمية اقتصادية حسابية دقيقة تبدّد الكثير من المغالطات من دون أن تغطي او تعطي الاجوبة الكافية حول التطوّر السليم للرسوم الجمركية المحصّلة في السنوات الاخيرة. ولكنها تؤكد وجود بعض المبالغات في توصيفٍ أفضل للنشاط الجمركي أقلّه الذي تعكسه الارقام الرسمية المتوفرة.