كم تبلغ الاستحقاقات المالية على الحكومة اللبنانية في عام 2014؟ ومن يستفيد فعلياً من الاموال التي تدفعها الدولة من جيب الشباب والعائلات من دون أي اعتبارات للعدالة ولتقسيم الدخل؟ لا شكّ في أن تساؤلات كهذه لم تعد تعني الكثير للمواطن الذي سئم السياسة العامّة بفسادها وزبائنيتها وفراغها، لكن الإجابات الدقيقة توضح الرؤية لتحديد خيارات في مستقبل أفضل لأجيال تترقب، بأضعف الإيمان، إقرار سلسلة الرتب والرواتب للتمكن من الانتقال إلى سنة دراسة جديدة أو مرحلة أكاديمية أرفع.
بالاعتماد على آخر بيانات المصرف الاستثماري الأميركي، «ميريل لينش»، حول لبنان فإنّ الاحتياجات التمويلية للدولة اللبنانية لعام 2014 – أي الأموال التي لن تتمكن من تغطيتها بإيراداتها الطبيعية ــــ تبلغ 14 مليار دولار خلال العام الجاري.
إذاً، مع مرور كل ساعة من هذا العام، يستحق 1.6 مليون دولار على هذا البلد الصغير المرهق من الحروب، التناتش الاقتصادي والسياسي على المستويات المحلية والدولية.
استحقاقاتٌ تجعل لبنان من بين أكثر البلدان مديونية في العالم، والمشكلة الأكبر هي أنّه لا فوائد مقابل هذه المديونة التي تذهب بنسبتها الأكبر هدراً وسرقة وحسابات مخفية.
كيف تنقسم إذاً تلك الاستحقاقات؟ وكيف تتعامل السلطة التي تبقي البلاد حتّى أجل غير مسمّى من دون رئيس ومن دون مخطط واضح لمعالجة ملفاتها الطارئة، مع هذه الاستحقاقات؟
هيكلية الدين
العام وملكيته يخففان من مخاطر تجديده
بداية، ينقسم المبلغ المذكور بين 9.8 مليارات دولار عبارة عن قروض مستحقّة، أي سندات خزينة بالليرة وبالعملات الأجنبية حلّ أجلها؛ 3.2 مليارات دولار لخدمة الدين العام، طبعاً لا يتضمّن هذا المبلغ أي جزء من أصل هذا الدين؛ إضافة إلى 0.3 مليار دولار لتمويل العجز الأولي الذي ستسجّله المالية العامّة، وهو العجز الذي يُحتسب قبل خدمة الدين ما يعني أنّ العجز الإجمالي استناداً إلى حساب الشركة الأميركية، سيبلغ 3.5 مليارات دولار.
هذه المستحقات على الدولة اللبنانية هي بالدرجة الأولى لمصلحة المصارف التي تحمل 52% من الدين بالليرة، ثانياً هناك المصرف المركزي الذي يحمل 30% من الدين بالليرة، وذلك بالنيابة عن المصارف التجارية التي ترفض إقراض الدولة بفائدة «منخفضة» وتعمد إلى ذلك عبر وساطة مصرف لبنان، إذ تودع أموالها لديه وتحصل على فائaدة أعلى مقارنة بالاكتتاب مباشرة بالسندات الحكومية.
ثالثاً، هناك الدائنون المختلفون، وهم مؤسسات وشركات تحمل بعض السندات بالليرة وبالعملات الأجنبية (يوروبوندز).
وفقاً لهذا التقسيم، يُفيد تقرير المصرف الأميركي بأنّ 2% فقط من الدين العام المحرر بالليرة هو لمصلحة مؤسسات أجنبية، أما الدين بالعملات الأجنبية، فـ84% منه عبارة عن سندات يوروبوندز، و80% من تلك السندات محمولة محلياً.
انطلاقاً من التحليل الذي يقدمه يرى المصرف الأميركي، فإنّ وضعية لبنان على مستوى المالية العامة وتأمين استحقاقتها هي دون المعدّل السائد في السوق (Under Weight) غير أنّه يُطمئن إلى أنّ «هيكلية الدين العام وملكيته (أي من يحمل سنداته) عاملان يخففان من مخاطر تجديده» وتأجيل استحقاقاته، يتابع تحليل المصرف الأميركي. هذا يعني أنّ وجود الدين العام في قبضة الجهاز المصرفي هو عامل مطمئن، وإن كان يمتص بدلات هائلة، عبارة عن فوائد وتسهيلات من المالية العامة ومن المصرف المركزي، من جراء «خدماته المكلفة».
يُشير التحليل نفسه إلى أنّ معدّل فترة استحقاق السندات بالليرة ارتفع من 1.6 عام إلى 3.5 أعوام، كذلك فإنّ آجال سندات اليوروبوند مستقرة بين 5.6 أعوام و5.9 أعوام.
تأتي هذه «التطمينات» في مرحلة شبه فراغ سياسي، تتمثل في عدم التمكن من انتخاب رئيس جمهورية، وفي محاولات تأجيل أهم ملف اقتصادي واجتماعي طُرح منذ سنوات طويلة على طاولة السياسة العام: سلسلة الرتب والرواتب وما تفترضه من تعديلات ضريبية وسياسية تفيد الفئات المسحوقة، وتُكلّف، وإن بخجل، «حيتان المال» عبر تطبيق القانون.
وللمناسبة فإن «ميريل لينش» يبني تقديراته وتحليله من دون التطرق إلى سلسلة الرتب وكيفية معالجتها.
لكن إلى جانب تحليله، هناك تقديرات أخرى تفيد بأنّ مخاطر تمويل احتياجات المالية العامّة تبقى مرتفعة. منها التقويم الذي نشرته وكالة «كابيتال إنتيليجانس» أخيراً، الذي يُفيد بأنّ الاحتياجات التمويلية السنوية للدولة اللبنانية تعادل 34% من الناتج، وأنّ الحكومة تبدو معرّضة لصدمة سياسية أو اقتصادية قد تؤثر سلباً في شهية المصارف التجارية للاكتتاب في دينها، و/أو في شهية المودعين في الجهاز المصرفي.
لكن، تعود الوكالة لتطمئن إلى أنه بغياب هذه الصدمة، أو لنقل الأزمة، فإنّه لا مشكلة في تأمين التمويل.
هذا التمويل في نهاية المطاف سيذهب إلى جيوب قلّة، فيما ينتظر المواطن صدمة إيجابية فعلية تُحقق مصلحته، لا مصلحة الدائنين، من شركات ومصارف وسياسيين.
المصدر: الأخبار – حسن شقراني