يبدو أن القرار الدولي باعادة الاستقرار الى لبنان ووضع حد للتدهور الامني الناتج من الخلاف السياسي الداخلي والأزمة السورية لم يُتخذ محبة باللبنانيين ورأفة بالمصاعب والازمات التي تواجههم، وانما لهذا القرار الجيوسياسي والاستراتيجي أبعاد اقتصادية ومصالح تتصل بصفقات حول اعادة اعمار سوريا وبدأت تُكتب بنودها منذ أشهر.
اليوم عادت الى الواجهة أهمية جعل لبنان ساحة مستقرة لتُشكل منصة أساسية للشركات العربية والاجنبية لادارة اعادة اعمار سوريا بعد انتهاء الحرب. فلبنان الذي مر منذ العام 2005 وحتى مطلع السنة الجارية بخضات أمنية كبيرة وعديدة يبدو وكأنه بسحر ساحر تحول البلد الاكثر أماناً في منطقة تشهد اضطرابات من دون توقف. القرار الدولي قد اتخذ…” اعادة الاستقرار الى لبنان وجعله مركز كبرى الشركات لاعادة اعمار سوريا”، بهذه العبارات تختصر مصادر ديبلوماسية لـ”النهار” أهم أسباب اعادة الاستقرار الى لبنان، فصفقات كبرى الشركات لاعادة اعمار سوريا بدأت تٌبرم في الكواليس ومقر ادارة هذه العملية سيتم من لبنان. وفي هذا السياق، تضيف المصادر، ان الشركات اختارت لبنان لموقعه الجغرافي المتميز عن بلدان الجوار السوري وقربه من البحر ومرافئه العديدة والقريبة من الحدود السورية (لمرفأ طرابلس دور مهم في استقبال البواخر بفضل عمقه وطاقة استيعابه بالاضافة الى مرفأ بيروت الذي لطالما كان مركز الانطلاق من المتوسط الى الدول العربية وتحديداً سوريا) تسهل عملية نقل مواد البناء والمعدات واليد العاملة بالاضافة الى طرقه التي تربط الساحل اللبناني بالداخل السوري . ويضاف الى ذلك، تمتّع لبنان بكل المؤهلات والخبرات الخاصة باعادة اعمار ما تُدمره الحروب، فهو شهد خلال أعوام عملية اعمار شاملة بعد الحرب التي عصفت به لسنوات ومن هنا سيكون من المهم لدمشق أن تستفيد من خبرة البلد الجار في كيفية ادارة مرحلة اعادة الاعمار.
تؤكد المعلومات أن الشركات الخليجية والاجنبية أعدت العدّة وتنتظر كلمة السر لبدء عملية اعادة اعمار بعض مناطق سوريا على رغم استمرار الاشتباكات. وبالفعل، وبحسب مصادر متابعة للملف، بدأ العديد من شركات المقاولات العربية والاجنبية وضع الدراسات والاقتراحات للدخول في أولى المناقصات التي سيتم الاعلان عنها في الأشهر المقبلة لاعادة اعمار بعض المناطق، في وقت تؤكد هذه المصادر أن هذه الشركات باتت تبحث عن مقر لها في لبنان، وتحديداً بين بيروت والبقاع، لادارة هذه العملية مما يبرر بعض من جوانب القرار الدولي الخاص باعادة الاستقرار الى لبنان.
وأيضاً، للدول الاوروبية مصلحة في أن يكون لبنان في الفترة المقبلة مستقراً أمنياً وسياسياً. فالشركات الاوروبية العاملة بمجال الانشاء والمقاولات يهمها جداً الانخراط في عملية اعادة اعمار سوريا والفوز بالعدد الأكبر من الصفقات. فهذه الشركات دفعت ثمن أزمة الديون السيادية في الاعوام الماضية وعانت ما عانته من تدهور في حجم أعمالها وأرباحها وهي اليوم تبحث عن أي مشروع قد يعوّض لها ما خسرته، فكيف لو تحول هذا المشروع الى مشاريع في دولة أنهكتها الحرب واعادة اعمارها ستكلفها المليارات وسنوات من العمل؟ بالطبع لهذه الشركات مصالح كبيرة في سوريا ما بعد الحرب. واختيار هذه الشركات للبنان كمركز لاطلاق أعمالها ونشاطها في سوريا تعتبره هذه المصادر مهم جداً لكون هذا البلد المتوسطي خصائص تميزه عن الاردن وتركيا والعراق (هي الدول التي لديها حدود مشتركة مع سوريا). فالوضع الامني المتدهور في العراق والتدهور العلاقات السياسية بين أنقرة ودمشق وافتقار الاردن الى البنية التحتية اللازمة لادارة مرحلة اعادة الاعمار كلها عوامل تصبح في مصلحة لبنان لاستقطاب هذه الشركات.
وأيضاً الشركات العربية وتحديدا الخليجية منها بدأت باعداد ماكينة العمل للدخول في عملية اعادة اعمار سوريا ومنها الشركات السعودية والقطرية والاماراتية والكويتية ، ومن هنا بدأت بعض هذه الشركات ارسال موفدين الى لبنان في الأشهر الماضية بحسب المعلومات لوضع دراسات معمقة حول كيفية اعادة الاعمار ومستلزمات العملية. وتشير المعلومات الى ان لبنان سيشهد في الاشهر القليلة المقبلة مؤتمراً خاصاً حول اعادة اعمار سوريا يجمع رجال الاعمال الخليجيين والاجانب وكبرى شركات المقاولات، المصارف، شركات التأمين، وعدد من الخبراء، لوضع تصور لكيفية اشراك كل القطاعات اللبنانية والعربية والاجنبية بعملية اعادة الاعمار. وأيضاً، من المتوقع ان يُعلن منتصف الربع الرابع من السنة الجارية بحسب ما علمته “النهار” عن انشاء عدد من الشركات اللبنانية – الخليجية وتحديداً شركات لبنانية – سعودية تتشارك في عملية الاعمار.
تكاليف اعادة الاعمار
بحسب البنك الدولي، تصل كلفة اعادة اعمار سوريا الى 200 مليار دولار اي نحو 3 اضعاف عما تم انفاقه خلال عملية اعادة اعمار لبنان بعد الحرب، والجدير ذكره ان هذا المبلغ هو فقط لعملية اعادة البناء من دون الدخول في عملية تطوير وتوسيع البنية التحتية في وقت تشير بعض الدراسات الى ان هذا الرقم قد يصل الى ما بين 700 و 800 مليار دولار عند الكشف على المناطق التي لا يمكن الدخول اليها حالياً نتيجة استمرار المعارك الدائرة فيها.
واستناداً الى احصاءات لجنة اعادة الاعمار في سوريا، وبالاضافة الى الدمار الذي لحق بالطرق والشبكات والبنى التحتية هناك 1,2 مليون منزل متضرر بشكل كامل أم جزئي أكثر من 5500 مدرسة متهدمة، و60% من المرافق الصحية متضررة أو معطلة بما فيها 194 مستشفى، في وقت تُقدر قيمة الأضرار العامة المباشرة التي لحقت بالوزارات والجهات العامة فقط وحتى نهاية العام الماضي بحوالى 6 مليارات دولار.
“عند معرفة السبب يبطل العجب”… فمن أسباب اعادة الاستقرار للبنان المصالح والصفقات التي ستُبرم لاعادة اعمار سوريا، ولكن هل سيتلقّف لبنان بدوره الفرص للدخول في هذه العملية أو هل سيبقى فقط ممراً لمن يرغب في أن يستفيد كما يقال في لبنان ” على ظهره”؟
المصدر: النهار