كتب طوني أبي نجم
“نحن نعتبر المحافظة علي صيغة العيش المشترك في لبنان واجباً دينياً وليس واجباً سياسياً فحسب”- الإمام محمد مهدي شمس الدين.
ما بين كلام الإمام الراحل وآخر رئيس للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وما بين أداء “حزب الله” وأمينه العام السيّد حسن نصرالله عموماً، وهجومه الأخير على البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يتجلّى الافتراق بين الخط الشيعي اللبناني المتمسّك بالعيش المشترك الذي مثّله الإمام المغيّب موسى الصدر والإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين، وما بين الخط الشيعي الإيراني في لبنان الذي يتبع الولي الفقيه وينفذ تعليمات المرشد الأعلى للثورة الإسلامية على حساب لبنان والمصالح اللبنانية.
إن أقل ما يمكن أن يُقال في الهجمة الشرسة التي يشنّها “حزب الله” على رأس الكنيسة اللبنانية أنها تهدد أسس صيغة العيش المشترك في لبنان وتدمّر عملياً التراث الشيعي الذي تركه أئمة كبار كان آخرهم الإمامان الصدر وشمس الدين.
والأسوأ أن “حزب الله” الذي يشنّ الحملات على من أعطي له مجد لبنان، يتبع لمنظومة إيرانية- فارسية تعترف بدولة إسرائيل وتقيم معها علاقات تجارية وعسكرية. وفي التصريح الأخير الشهير للمستشار العسكري للسيد علي خامنئي الجنرال يحيى رحيم صفوي تحدث عن وصول حدود إيران الى حدود دولة إسرائيل ولم يستعمل على الإطلاق عبارة “دولة فلسطين المحتلة”. وبالتالي فإن هجوم “حزب الله” على البطريرك الماروني وزيارته الرعوية الى الأراضي المقدسة تدخل حصراً في إطار المزايدات السياسية الهادفة الى خلق فتنة داخلية أدمن “حزب الله” العيش على وقودها، سواء كانت فتنة شيعية- سنية أو شيعية- مسيحية.
ولأن “حزب الله” رفض أن يكون لبنانياً ووضع نفسه في خانة خدمة المشاريع الإيرانية- الفارسية الاستعمارية الهادفة الى جعل لبنان موطئ قدم فارسية على ضفاف المتوسط، فإن حوّل نفسه ميليشيا احتلال وجزءًا لا يتجزّأ من الحرس الثوري الإيراني، وبالتالي فإن مقاومته بكل الوسائل المتاحة باتت واجباً وطنياً ملزماً لجميع اللبنانيين، وفي طليعتهم أبناء الطائفة الشيعية اللبنانية.
أما التجربة المسيحية في لبنان عموما، والتجربة المارونية خصوصاً، فلخّصها البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، أطال الله بعمره، في العام 1994 حين جزم بأن “إن خُيّر المسيحيون في لبنان بين الحرية والعيش المشترك فإنهم سيختارون الحرية من دون تردد”. ولذلك فإن محاولات “ترويض” بطريرك الموارنة لا يمكن أن تنجح مهما اشتدت الحملات عليه، والموارنة الذين يتخاصمون في ما بينهم أحيانا لا يمكنهم إلا أن يلتفوا حول كنيستهم وبطريركهم ويواجهوا كل متطاول مهما علا شأنه وأيا تكن التضحيات.
فالموارنة في لبنان وبطاركتهم الـ77 ما اعتادوا يوماً أن يكونوا ذميين أو أن يخضعوا. وهم قدّموا الشهداء، بطاركة أساقفة ورهبانا وراهبات ومؤمنين من دون أن يقبلوا أن يحنوا رؤوسهم يوماً لغير خالقهم. وفي التاريخ القديم الكثير من العِبَر لمن أراد أن يعتبر…
لكن الموارنة ليسوا اليوم متروكين لوحدهم في وطن الأرز، فها هو شريك مصالحة الجبل زعيم الدروز وليد جنبلاط يهبّ للمساندة في الدفاع عن سيّد بكركي، وها هي أكثرية الطائفة السنية تتضامن بالكامل مع رأس الكنيسة المارونية… أما الأحرار في الطائفة الشيعية الكريمة فكأني بهم يصرخون في وجه السيد حسن نصرالله اعتراضاً على الحملة الجائرة على بطريرك الموارنة: “هيهات منّا الذلّة”!