Site icon IMLebanon

الرياح تحصد مواسم الضنية الزراعية

Akhbar

عبد الكافي الصمد

استفاق مزارعو وأهالي الضنية أول من أمس على كارثة كبيرة حلت بأراضيهم الزراعية، فلم تترك الرياح العاتية التي ضربت المنطقة بقوة بستاناً إلا ضربته، إما تكسيراً لأغصان الأشجار المثمرة، أو إسقاطاً لهذه الثمار على الأرض وإتلافها.
يوضح زياد جمال، ابن بلدة بخعون، كبرى بلدات الضنية والتي تتوسط المنطقة، أن الرياح الشديدة التي هبت على لبنان في الساعات الـ 48 الماضية، قضت على قسم كبير من الموسم الزراعي، إذ «أسقطت قسماً كبيراً من الموسم على الأرض، فضلاً عما أصاب الأشجار من تكسير وخسائر كبيرة».

لكن المصيبة التي كانت متوسطة الحجم في بلدات وقرى ساحل ووسط الضنية، كانت واسعة وشاملة في بلدات وقرى الجرد، إلى حد أن بعض المزارعين في المنطقة نفضوا أيديهم من موسمهم الزراعي، وهو لا يزال في بدايته.
قبل ذلك، كان مزارعو بلدات وقرى وسط منطقة الضنية وساحلها قد «هرّبوا» الدفعات الأولى من مواسمهم الزراعية، وتحديداً مواسم اللوز والجنارك والأكيدنيا والخوخ الأحمر «البكيري» (أي يقطف باكراً قبل غيره من أنواع الخوخ الكثيرة المنتشرة في المنطقة)، إضافة إلى المشمش الذي بدأت تلوح تباشيره، وهي جميعاً من فئة الأشجار المثمرة التي تعرف بـ«اللوزيات»، والتي تنتشر زراعتها على نحو واسع في هذه القرى والبلدات، وتحديداً الروضة وعزقي وكفرحبو وبخعون وكفرشلان ومراح السراج والخرنوب وحقل العزيمة وحرف سياد.
هذه الدفعات الأولى من المواسم الزراعية التي بدأ المزارعون بقطافها في المنطقة، أعطت انطباعاً أولياً بأن مردود هذه السنة على المزارعين سيعوّضعهم خسائر السنوات السابقة، في منطقة يعتاش نحو 43 في المئة من سكانها على القطاع الزراعي بشكل مباشر أو غير مباشر، وفق إحصاءات لوزارة الزراعة أجرتها عام 2010.

يتعرّض مزارعو المنطقة منذ عام 2005 لكوارث طبيعية من دون أن تهتم الدولة
يشير محمد بكور ابن بلدة بقرصونا الى أن «الموسم انتهى عندنا قبل أن يبدأ»، لافتاً إلى أنه «كنا نستعد لقطف أولى ثمار الموسم، وخصوصاً المشمش والدراق والخوخ، الذي يتأخر نضوجه عندنا قليلاً مقارنة بمناطق الساحل، لكن الرياح أتت وأخذت كل شيء معها».
بكور الذي يحاول أن يخفف من هول المصيبة ووقعها عليه، يقول والغصّة في حلقه: «كل واحد ما بياخد من الدنيا إلا رزقتو ونصيبو»، معتبراً حسب وجهة نظره أن «يللي صار معنا غضب من رب العالمين، لو كنا بنستاهل أكتر من هيك كان عطانا».
حجم الكارثة التي خلفتها الرياح في الضنية يكشفها أحمد يوسف من بلدة سير، المركز الإداري في الضنية، مشيراً إلى أن «أشجار الجوز التي نقطفها عادة بين أيلول وتشرين الأول من كل عام، تساقط أغلب ثمارها على الأرض، على الرغم من أنها لم تنضج بعد».
في بلدات وقرى أعالي جرد الضنية، لا تقل خسائر الرياح حجماً وتأثيراً على المزارعين. رئيس بلدية السفيرة حسين هرموش أوضح أن الرياح الشديدة «ألحقت أضراراً واسعة بالأشجار المثمرة في المنطقة، وخصوصاً اللوزيات التي تساقط على الأرض أكثر من نصف موسمها، وجعل المزارعين يصابون بخسائر كبيرة».
هذا الواقع المأسوي دفع هرموش إلى مناشدة الهيئة العليا للإغاثة والجهات الرسمية المعنية، بغية «التحرك وإرسال خبراء إلى الضنية للكشف على الأضرار، والتعويض على المزارعين الذين لا يعتاشون سوى من مواسمهم الزراعية».
وفي بلدات قرصيتا ونمرين وبطرماز وبيت الفقس وطاران وغيرها، لم يكن الوضع مختلفاً، حيث لفت مزارعون إلى أن الموسم الزراعي قضي عليه نهائياً، لافتين إلى أن «كارثة حلت بنا، وأن ديوناً كبيرة مترتبة علينا جراء شراء أسمدة وأدوية زراعية وأجرة عمال، لم يعد لدينا قدرة على سدادها».
ما يعانيه مزارعو الضنية، ليس الأول من نوعه وحجمه، إذ يتعرض مزارعو المنطقة منذ عام 2005 لكوارث طبيعية، مثل موجة البرد وفأر الحقل الذي أصاب البساتين والأراضي الزراعية في المناطق الجردية والوسطى في أعوام 2011 و2012 و2013 على التوالي، أو بسبب الأحداث الأمنية التي شهدتها مدينة طرابلس، والتي منعت المزارعين من تسويق إنتاجهم الزراعي في سوق الخضر والفواكه الرئيسي في المدينة، ما يجعل الموسم يصاب بالركود أو بالتلف.
هذه السنة تفاءل مزارعو الضنية بتعويض خسائر السنوات الماضية، ولو جزئياً، وخصوصاً بعدما وجدوا أن موسمهم هذا العام وافراً كما لم يعهدوه من قبل، لكنهم لم يكونوا يعرفون أن الرياح ستأخذ في طريقها موسمهم، وأن الموسم سيذهب أدراجها.