أنطوان فرح
لا شك في أن وزارة الاتصالات، كانت في الأشهر الثلاثة الماضية محطّ أنظار اللبنانيين، أكثر من سواها، لاعتبارات عدة، ليس أقلها ان هذه الوزارة انتقلت من ضفة 8 آذار التي تحكّمت بمفاصلها لسنوات عدة، الى أحضان 14 آذار مع تولّي بطرس حرب مقاليدها.
كانت وزارة الاتصالات قد تحولت بقدرة قادر، من حقيبة تقنية يُفترض انها تدير قطاعا خدماتيا حيويا، الى وزارة أمنية بامتياز. هذه النقلة جاءت بعدما ثبُتت أهمية الاتصالات في المجال الأمني، الى حد ان المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، استخدمت داتا الاتصالات لتحديد هوية الجهة المتهمة باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وهكذا شهدت الوزارة، منذ ذلك الحين تجاذبات على مستوى تسليم داتا الاتصالات الى الجهات الأمنية.
بالاضافة الى كل ذلك، تكتسب حقيبة الاتصالات أهميتها من كونها احد أهم الموارد التي تعتمد عليها خزينة الدولة، في تنمية ايراداتها. ومن هنا، تسود النقزة كلما حاول وزير تنفيذ قرار يمس ايرادات هذا القطاع.
وهذا ما حصل، على سبيل المثال، عندما قرر الوزير بطرس حرب الغاء قرار سابق اتخذه سلفه نقولا صحناوي، والمتعلق بما عُرف بتسجيل الهوية الخليوية. يومها قيل ان قرار حرب قد يٌخسّر الخزينة بين 50 و70 مليون دولار.
لكن حرب ينفي ذلك، ويشير الى ان التقرير الاولي الذي ورده من شركات الخليوي، يفيد بزيادة في حجم مبيعات البطاقات المسبقة الدفع، بحوالي 50 في المئة، بعد مرور حوالي الشهر على بدء تنفيذ القرار، بما يعني ان لا خسائر تُذكر سوف تلحق بالخزينة. كما يرى حرب ان معاناة الناس في ظل القرار السابق تستحق ان تؤخذ في الاعتبار. وهو بالتالي، مقتنع بالخطوة التي أقدم عليها ولن يتراجع عنها.
وقبل الولوج في الجانب التقني، لا بد من الاشارة الى ان حرب وضع حداً نهائيا لمسألة التجاذبات حول داتا الاتصالات. ومن يعرُج عليه في الوزارة في فترة بعد الظهر، يلاحظ كدسة الطلبات التي ترِد اليه من قبل الاجهزة الامنية وفق الاصول، لطلب داتا الاتصالات في جرائم متعددة ومتنوعة. وهو يوقّعها كلها، ما دامت تستوفي الشروط القانونية.
الى ذلك، يولي حرب الجانب التقني-الخدماتي اهمية قصوى. وهو في هذا الاطار يقول انه قد يكون الوزير الوحيد الذي ما أن دخل الوزارة حتى بادر الى وضع خطة المئة يوم، وهو العمر الافتراضي للحكومة. وما ان انتهت فترة المئة يوم حتى كان قد نفذ كامل الخطة التي وضعها، ومن أهمها ربما، التخفيضات الملموسة التي أدخلها على قطاع الاتصالات والانترنت.
لكن، ماذا بعد انجاز الخطة؟ هل تحوّل حرب اليوم الى وزير عاطل عن العمل؟
يجيب وزير الاتصالات انه يعمل اليوم على أهم مشروع لتطوير قطاع الاتصالات لاعادة لبنان الى المراتب الاولى التي احتلها في بداية عصر الخليوي والانترنت، في حين تراجع اليوم الى اسفل السلم في التصنيفات بين دول المنطقة. ويوضح انه قرّر تنفيذ القانون 431، الصادر في العام 2002 وينصّ على تشكيل هيئة ناظمة، وانشاء شركة ليبان تلكوم. ويشير الى ان تنفيذ هذا المشروع يُفقد الوزير الكثير من صلاحياته، ومنها صلاحيات الأُمرة، التنظيم وصرف الأموال.
ويستنتج ان هذا الواقع هو الذي دفع، ربما، ثلاثة وزراء قبله الى اهمال تنفيذ هذا القانون. اليوم، قرر حرب، وبعد إطلاع مجلس الوزراء والحصول على الموافقة، تنفيذ هذا القانون. لكن هذا المشروع يستدعي وقتا اطول.
كما قد يستدعي تغييرا في آلية التعيينات. لأن المطلوب البحث عن الناجحين في هذا المجال لتعيينهم في الهيئة الناظمة، وليس كما كان يجري احيانا في حالات مشابهة، عندما يتم التعيين بناء على المحاصصات، ويفوز بالمواقع من هو عاطل عن العمل، او من يمتلك واسطة.
وسوف يؤدي تأسيس شركة «ليبان تليكوم» الى نوع من المنافسة بين القطاعين العام والخاص، وفي مكان آخر الى تعاون بين القطاعين، بما يشكل فرصة لتطوير القطاع، وضخ دم جديد فيه، واعادة لبنان الى المراتب الاولى في التصنيفات بين دول المنطقة.
هل يعني هذا القرار اننا نتجه الى عصر الخصخصة بسرعة بعد طول انتظار؟
هنا، يبدو حرب براغماتيا في الاشارة الى أنه كان في السابق من المعارضين للخصخصة، وانه نظّر كثيرا ضد هذا المبدأ. لكن الواقعية والتجارب تدفعه اليوم، كما يقول، الى الاعتراف بأنه كان على خطأ. وهو اليوم يريد تصحيح هذا الخطأ، وبات مقتنعاً بأن الخصخصة هي الطريقة الوحيدة لدعم اقتصاديات الدول، وتسهيل حياة الناس. وحتى في سوريا تم اعتماد الخصخصة، يقولها حرب ليُثبت ان لا مجال اكثر لاثبات حتمية هذا التوجُّه في الاقتصاد الوطني.
لكن الاتفاق على الخصخصة، وعلى تنفيذ قانون الهيئة الناظمة وانشاء «ليبان تليكوم»، واجتماع السراي برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام، المخصّص لبحث هذا المشروع، كل ذلك لا يعني اننا بتنا على قاب قوسين من الدخول في عصر الخصخصة، لاعتبارات عدة، ليس أقلها ان الوزير حرب نفسه، مُحرّك هذا المشروع، يرفض أن ينسى المسؤولون اننا في ظرف سياسي استثنائي، وأن هناك شغورا في موقع رئاسة الجمهورية، وبالتالي، لا يمكن القيام بانجازات اساسية، وكأن الوضع طبيعي. وهنا يتضح ان بطرس حرب السياسي، يتقدّم على بطرس حرب التكنوقراطي. بالنسبة له، موضوع الرئاسة، وهو أحد المرشحين البارزين للموقع، خط أحمر.
وما دامت البلاد بلا راس، يفترض أن تبقى الاولوية لمعالجة الفراغ، وليس لتسجيل الانجازات. ومن هنا، ابتكر حرب معادلته الحكومية الخاصة، اذ يقول ان الحكومة القائمة ينبغي ان تعمل وفق «روحية تصريف الاعمال».
وهو بالتالي، يُسقط عن هذه الحكومة صفة تحقيق الانجازات في هذه الفترة، ويكتفي من الان وصاعدا، بتمهيد الطريق لسلفه في الحكومة المقبلة، وبعدما يكون «وضعنا الوطني قد عاد الى طبيعته بانتخاب رئيس، لتنفيذ مشروع «ليبان تليكوم»، ودخول عصر الخصخصة».
أخيرا، لا تبدو مهمة الجمع بين السياسة والتكنوقراط سهلة دائما، خصوصا عندما يكون الوزير مطروحا للموقع الاول، وهذا ما تبين في محطتين:
المحطة الاولى عندما واجه حرب اعتراض وزير المالية علي حسن خليل على احد قراراته، والمحطة الثانية عندما «تواجه» حرب مع وزير الداخلية الحليف من حيث المبدأ، نهاد المشنوق، في داخل قاعة مجلس الوزراء. في المحطتين حاول حرب الخروج بمظهر «الفائز» من دون دفع خسائر سياسية. مع وزير المال، لا مجال للمواجهة، ما دامت العلاقة مع الرئيس نبيه بري اكثر من ممتازة. ويقول حرب ان الموضوع طُوي لأنه هو صاحب الشأن في القرار الذي اتخذه في موضوع الاتصالات. وفي موضوع المشنوق يقول ان سؤ التفاهم انتهى بخفض الصوت، والاعتذار.