فراس أبو مصلح
«الاقتصاد» في قاموس ممثلي «الهيئات الاقتصادية» مرادف لـ«هيكل» المصالح والامتيازات لهؤلاء، الذين يحفظونه «برموش العيون» من شر الحقوق الاجتماعية ـ الاقتصادية لغالبية المواطنين، ومن «شر» الإدارة العامة القوية والفاعلة
جاء كلام وزير البيئة محمد المشنوق حول «الحوار البناء بين الهيئات الاقتصادية وقوى الإنتاج، للتعمق في الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المتاحة، وإدماجها في صلب العملية التنموية الحقوقية الشاملة» تزيينياً، أو خارج السياق، في ندوة «مستقبل لبنان الاقتصادي: الأولويات، السياسات، والتطلعات»، التي نظمها الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية، بالتعاون مع مصرف لبنان واتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان وجمعية الصناعيين وجمعية المصارف وجمعية تجار بيروت والمؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات (إيدال).
فقد طغى على كلام المشنوق حول «التنمية المستدامة» والأبعاد الاجتماعية والبيئية للسياسات، الهجوم الشرس الذي شنه عدد من أقطاب «الهيئات الاقتصادية» على القطاع العام وحقوق الموظفين المتمثلة على نحو خاص في سلسلة الرتب والرواتب، مؤكدين أن لا مستقبل اقتصاديا مختلفا للبنان إلا ما يخدم كبار المصرفيين والتجار والمضاربين العقاريين. ما كان يجدر بأحد أن يتوقع مجريات مختلفة للندوة التي لم تقدم جديداً، والتي كان الحضور فيها هزيلاً.
تحدث رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس عن «مخططات لضرب الاقتصاد وإفراغه من مضمونه»، سائلاً، «هل نريد دولة أفلاطون، أم دولة حنا غريب؟ هل نريد دولة مبنية على العلم والمنطق، أم على الجهل والتشبيح والغوغائية؟ هل نريد بيئة جاذبة أم طاردة للاستثمارات؟ هل نريد مجلس نواب ينتخب رئيساً، أم يذهب إلى مواضيع تُخلف اللبنانيين، كموضوع سلسلة الرتب والرواتب»؟
يرى شماس أن «البلد فلتان»، حيث لا وعي لـ«شرعة الحقوق والواجبات» الاقتصادية، ولا معرفة «أين يبدأ الاقتصاد وأين ينتهي». أطلق شماس مقولة أخرى على نمط مقولته الشهيرة، «الهيئات تُطاع ولا تطيع»، فقال إن «الاقتصاد يعلو ولا يُعلى عليه»، وأنه «البناء الأساسي للكيان اللبناني»، كأنه يؤكد صفة لبنان كـ«جمهورية التجار»؛ إذ دعا إلى أن تكون «الحقوق الاقتصادية ثابتة، وخارجة عن هوى المسؤولين»! يربط شماس تأمين فرص العمل و«حماية المواطنين من البطالة والعوز» بـ«حماية القطاعات الاقتصادية»، أو بالأحرى حماية امتيازاتها وهوامش أرباحها المنفلتة من أي ضوابط، وجزم بأنه «لا يجوز اتخاذ أي قرار» على أي مستوى، ماليا كان أو اجتماعيا أو بيئيا، دون احتساب أثره على «الاقتصاد» (اقرأ «الهيئات»)، داعياً إلى «المحافظة على الهيكل (هيكل التجار والمصرفيين والمقاولين) برموش العيون».
«يصعب التخطيط والتوظيف وتفعيل الانتاج في ظل سيطرة الفساد والزبائنية» واللاإستقرار السياسي، قال رئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير، مشيراً إلى أن «المزايدات السياسية» و«الشعبوية» أخطر وأشد أذىً من الفساد! «لم يعد أمامنا من وسيلة للتقدم الا الاصلاح الشامل والسريع»، قال شقير، لافت إلىاً أن «الإصلاح» الذي «لا يكون ناجزا الا اذا اشرف عليه اصحاب العمل والقطاعات الإنتاجية»، سيكون «أكثر فعالية لذوي الدخل المحدود من سلسلة الرتب والرواتب»؛ وحذر شقير من أن إقرار الأخيرة «سيقضي على آخر مقومات الصمود لاقتصادنا الوطني»!
من جهته، دعا رئيس جمعية مصارف لبنان فرنسوا باسيل الحكومة «إلى إطلاق عملية خصخصة بعض المرافق الحيوية، وتحديدا قطاع الاتصالات، وإعادة هيكلة بعضها الآخر، وتحديدا قطاع الكهرباء، ونظام التقاعد والحماية الاجتماعية، ليمثل المدخل الطبيعي الى ضبط أوضاع المالية العامة، وحتى الى تعزيز القدرة التنافسية للسلع والخدمات اللبنانية محليا وفي الأسواق الخارجية»، مؤكدا قدرة المصارف على «مواكبة النهوض وتحديث البنى التحتية وتوسع القطاع الخاص، إذا ما توطد الاستقرار». وبدا رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل كأنه يغرد خارج سرب «الهيئات»، حين دعا إلى «تقوية الدولة لتصير قادرة على إدارة الملفات الكثيرة والمتشعبة، وهي الخطوة الأولى» للنهوض الاقتصادي، داعياً إلى إطلاق برنامج لتحفيز الاقتصاد عبر «ضخ 3% من الناتج الوطني، اي حوالى 5،1 مليارات دولار في الاقتصاد، بجميع مكوناته».
ورأى المشنوق في مداخلته أن «النجاح في اعادة فرض الأمن» أثمر تحسناً في معظم المؤشرات الاقتصادية، مشيراً إلى أنه بحسب ما أظهرت التقارير الدورية في الفصل الأول عام 2014 تبيّن وجود نمو في الاستهلاك المحلي بنسبة 7% «بفضل الطلب المتزايد على السلع المعمرة»، وفائضاً في ميزان المدفوعات بقيمة 301 مليون دولار، مقابل عجز قيمته حوالى 62 مليون دولار للفترة ذاتها من العام الماضي، نتيجة تحسن التدفقات المالية والرساميل الوافدة حوالى 16%، وزيادة في قيمة المبيعات العقارية بنسبة 36%، وزيادة في حجم البضائع عبر مرفأ بيروت 12%، «مما يعكس إنفاقا كليا أعلى نسبيا في الاقتصاد الوطني». ارتفعت موجودات المصارف التجارية العاملة في لبنان إلى ما يعادل 251005 مليارات ليرة في نهاية آذار 2014، مقابل 250258 مليار ليرة في نهاية الشهر الذي سبق و248468 مليارا في نهاية 2013، أضاف المشنوق، مشيراً إلى أن ذلك «يخلق حالة استقرار وطمأنينة للنظام المالي للدولة اللبنانية». وتتوقع التقارير المشار إليها نمو الاستثمار المحلي 5%، وتحسناً طفيفاً في الاستثمارات الأجنبية المباشرة بعد انكماشات صافية في العام المنصرم، «ما من شأنه أن يولد نموا فعليا في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الذي قد يصل إلى 3% في 2014، وهو الأداء الاقتصادي الأفضل نسبيا في سنوات الاضطرابات الإقليمية»، بحسب المشنوق.