Site icon IMLebanon

نعمان الأزهري يدق ناقوس الخطر من سياسة الاستهتار ويطرح خريطة الإنقاذ المالي والعودة الى الإزدهار

Untitled-1

بقلم ص.س

في خضمّ أجواء التشاؤم والتشنج المهيمنة على البلد، بعد فشل الطبقة السياسية في إنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري، واستمرار النقاش البيزنطي حول سلسلة الرتب والرواتب، يفتح نعمان الأزهري أمام اللبنانيين، مسؤولين وسياسيين، أبواب الخروج من دوامة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمالية، التي يتخبّط بها لبنان، على مدى السنوات الأخيرة!
لم يقدّم «شيخ المال والأعمال» وصفة سحرية، ولم يقترح اللجوء الى عصا موسى، بل تطرّق، من موقع العلم والخبرة المتراكمة عبر نصف قرن من الزمن، الى تحديد مواطن الضعف والإرباك في البنية الاقتصادية، وفي سوء الإدارة الرسمية للموارد المالية، ليخلص الى وصف العلاجات الناجعة، لاستعادة قدرة الخزينة على إطفاء الدين العام من جهة، وللعودة مجدداً الى مرحلة الازدهار التي عرفها لبنان في الستينات، وحتى منتصف السبعينات، عشية اندلاع الحرب المدمّرة.
تعمّد الدكتور نعمان الأزهري، وهو خرّيج المعاهد الباريسية في علوم الاقتصاد والحقوق والعلوم السياسية، الابتعاد عن لغة التنظير، وأساليب التعقيد في الشرح والتفسير، واعتمد المعالجة الموجزة، والاقتراحات المكثفة، في تحديد الأسس والمبادئ التي يجب أن تقوم عليها، عملية الاصلاح المالي في لبنان،.. وقبل فوات الأوان.
ففي كتابه الجديد «المخاطر المالية على لبنان: فرص تداركها ما زالت متاحة»، رسم نعمان الأزهري خريطة طريق، بسيطة وواقعية، لإنقاذ البلد من السقوط المالي والاقتصادي المريع، في حال استمرار الطبقة السياسية على استهتارها الحالي، في التصدي لعجز الخزينة، وتفاقم المديونية.
تكلّم من موقع الخبرة والمعايشة العملية واليومية للنشاط الاقتصادي والمالي في لبنان، فسلّط الأضواء على المخاطر التي تبقى مواجهتها «أفضل من التصرّف كالنعامة»، ثم استعرض «فرصاً ذهبية» ضاعت في خضمّ التجاذبات السياسية، وحذّر من الاستمرار في «السير على حافة الهاوية»، عبر تزايد أرقام المديونية العامة بالنسبة للناتج المحلي، والتي بلغت 142.2 بالمئة عام 2013، معتبراً أن «قمة الاستهتار» السياسي في تأخّر لبنان عن اسرائيل 10 سنوات في استخراج ثروته النفطية.
وبالقدر الذي يشيد فيه «رئيس مجموعة بنك لبنان والمهجر»، بالهندسات المالية التي نفّذها حاكم البنك المركزي رياض سلامة، لتعزيز الوضع المصرفي، وتمتين بنيته بمواجهة العواصف والأزمات السياسية والأمنية في البلد، بالقدر ذاته يحذّر المصرفي المخضرم من مغبّة استمرار الحكومة اللبنانية في اعتماد سياسة الاقتراض من المصارف، لتمويل نفقاتها، وتغطية عجز الخزينة المتفاقم، خاصة وأن التوقعات العالمية تشير الى عودة الفوائد الى الارتفاع بدءاً من العام المقبل.
ويضع الأزهري أصبعه على الجرح النازف منذ سنوات، في الخزينة اللبنانية، والمتمثّل بتمويل مؤسسة الكهرباء، والذي يقدّر بـ 48 بالمئة من العجز الحالي، حيث وصل الهدر في هذا «المزراب الكبير» على حدّ وصفه، الى ملياري دولار سنوياً.
ويُشير الى التضخم المطّرد في حجم القطاع العام، حيث تستهلك الرواتب والأجور في مؤسسات الدولة وإداراتها ما نسبته 32 بالمئة من النفقات العامة، الأمر الذي يتطلّب ليس «ترشيق» الهيكل الوظيفي للدولة وحسب، بل وتوقيف التوظيف لمدة خمس سنوات على الأقل.
أما كلفة الدين العام فتأخذ ما نسبته 28 بالمئة من النفقات الواردة في الميزانية العامة، وهي نسبة مرشحة للارتفاع في السنوات المقبلة، في حال لم تتخذ الدولة الخطوات الضرورية لتغيير مسار الدين العام من الارتفاع سنوياً الى الانحدار، فضلاً عن احتمال ارتفاع معدلات الفوائد العالمية في السنتين المقبلتين.
ولعلّ من أبرز اقتراحات الأزهري لإطفاء الدين العام هو العمل على إصدار قانون في مجلس النواب، وبأغلبية الثلثين، يقضي بتخصيص العائدات النفطية لتخفيض الدين العام، حتى تصل نسبته الى 60 بالمئة فقط من الناتج المحلي.
(.. ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود.. ومعارك المحاصصة على المغانم النفطية بدأت منذ الآن بين «حيتان» السياسة!).
وفي معرض طرحه لعدد من المبادئ والاجراءات الأساسية لإصلاح الوضع المالي، يشدد الدكتور الأزهري على ضرورة تأمين الموارد اللازمة لتمويل سلسلة الرتب والرواتب بعيداً عن المزايدات السياسية، وحرصاً على حماية الاستقرار النقدي والاجتماعي.
«المخاطر المالية على لبنان: فرص تداركها لا تزال متاحة»، ليس مجرّد كتاب توثيقي لواقع اقتصادي متردٍ، بقدر ما هو خريطة لمجموعة من المعالجات والحلول، القادرة على تحقيق الإنقاذ المالي – الاقتصادي المنشود، والعودة الى أيام العزّ والازدهار.