في ظل ما تشهده البلاد من كرّ وفرّ في موضوع سلسلة الرتب والرواتب، وفي ظل شد الحبال من الأطراف المعنيين، يرزح المواطن ومعه الاقتصاد تحت نير المواقف المتشنجة التي لن تؤدي الاّ الى حصد مزيد من الضحايا، وخصوصاً التلامذة والطلاب الذين ضاقوا ذرعاً بالمتلاعبين بمصيرهم.
يتأثّر المواطن والرأي العام بالمواقف السياسيّة للسياسيين والمسؤولين، وينقسم تالياً الشارع المستقل الى مؤيد أو معارض لهذه أو تلك المواقف، في حين أننا لا نلمس أي تبدّل في الشارع المفروز سياسياً وحزبياً، على اعتبار أن كل طرف يهضم كلام زعيمه من دون الحاجة الى التمحيص أو التحليل. هذه هي الحال في السياسة، أمّا في الاقتصاد فالمشهد مختلف تماماً كون الموضوع يتعلّق بلقمة عيش المواطن. فالحياة الكريمة هدف تشرّع له كل الوسائل الممكنة ضمن الأصول والاجراءات القانونيّة، لذا شاهدنا تحرك قيادة هيئة التنسيق النقابيّة التي جمعت كل القوى الشعبيّة التي تنتمي الى غالبية القوى والأطراف السياسيّين. فإذا كانت الغالبية مع السلسلة، من يقف عائقاً أمام اقرارها؟
وفق الباحث في الشؤون الضريبيّة جمال القعقور “ان بعض النواب المعارضين للسلسلة يعترضون انطلاقاً من تمسّكهم بالنهج الضريبي الذي مارسوه طوال الأعوام الماضية والذي يعتمد على “الجنّة الضريبيّة” كشعار لإمرار تهرّبه الضريبي عبر القانون، علماً ان هذه السياسة كانت من أهم الأسباب التي أدّت الى تدهور الحالة الاقتصاديّة في لبنان. ومن النواب من يعترض على السلسلة مسايرة لحليفه غير الراغب بتسديد التكاليف الضريبيّة، وتالياً يسدد له كلفة فاتورة التحالف السياسي، ويبرر عبر الاعلام أن عدم اقرار السلسلة هو لمصلحة القوة الشرائيّة للمواطن والموظف!، والطرف النيابي الثالث لا يريد حضور جلسات بحث وبتّ السلسلة كرد على الأطراف الأخرى التي تؤيد اقرار السلسلة وتمتنع عن حضور جلسات انتخاب رئيس جديد للبلاد. وفي الوقت عينه، نجد أن طرفاً او أطرافاً تتخذ مواقفها على أساس خليط من هذه الأسباب، لتبقى هيئة التنسيق رهينة هذه المواقف وتالياً يصبح مستقبل الطلاب في خبر ومصير مجهولين”. أمام هذا الواقع، يحثّ القعقور الرأي العام على محاكمة “صحّة المواقف والاجراءات وسياسة شدّ الحبل بين هيئة التنسيق وبعض القوى السياسيّة الرأسماليّة على أساس الحقوق والأسباب وليس على أساس النتائج والتحركات المشروعة كردّة فعل. والرأي العام يجب أن يعلم بأن الطبقة الرأسماليّة الحاكمة عليها أن تسدد الضريبة التصاعديّة على الدخل لتتعزز ايرادات الخزينة سواء كان للدولة التزامات تسديد السلسلة أم لا، ويجب أن يعلم بأن الذي تهرّب عبر القانون ضريبياً وأثر سلباً على الاقتصاد وحرم المواطن من ابسط حقوق العيش بكرامة، لا يهمّه الآن مصير عشرات الآلاف من التلامذة والطلاب، وتالياً يضرب مصلحتهم عرض الحائط ولا يحضر جلسات بحث وبت السلسلة، ويصبح هو المسؤول عن هذه الاوضاع التي وصلنا اليها اليوم”.
وأكد بعض الخبراء الاقتصاديين أن إقرار السلسلة لن يوصلنا الى خفض تصنيف لبنان الائتماني، ولكنّهم تخوفوا من ارتفاع الأسعار للخدمات والسلع بسبب زيادة القدرة الشرائيّة وزيادة الضرائب في حال اقرار السلسلة. وهنا يرى القعقور أنّه “يمكننا في هذه الحالة درس طريقة تسديد السلسلة واختيار نوعيّة الضرائب التي لا تؤثر سلباً على القوة الشرائيّة”، في اشارة منه الى الضرائب على الدخل وليس على الانفاق. ويستشهد بأحد أهم الخبراء الاقتصاديين الذي أشار الى أنّه عندما تقرّ السلسلة، ستُصرف الأموال في القطاعات الاقتصادية، ما يؤدي إلى تكبير حجم الاقتصاد، وستعود أجهزة الدولة إلى جباية الضرائب ممّن استفادوا منها، عندها تقلع العجلة الاقتصادية. لذا، فان السلسلة تموّل نفسها عبر الإنفاق وتحرّك الأسواق. فلبنان بلد استهلاكي وهناك ما يسمى بـ”العامل المضاعِف” multiplier effect وعندما يُضخّ اليوم في السوق مليار و600 مليون وأكثر، فسيتضاعف حجم الاقتصاد أربع وخمس مرات مما هو عليه اليوم. لذا أضع هذه المواقف برسم النواب والسياسيين الذين ينظّرون اقتصاديّاً، معتبراً أن سياسة الانفاق تعزز القوّة الشرائيّة التي تستقطب الاستثمارات الخارجيّة وتساهم أيضاً في توسيع حجم السوق والاقتصاد”.
ويدعو كذلك الى ابعاد ملف السلسلة عن الصراعات والتجاذبات السياسيّة وعن الدعايات الاعلاميّة التي تظهر المطالب بالحق وكأنّه المسبّب للمشكلة، وأن الذي أدار الملف المالي والضريبي في لبنان طوال الاعوام العشرين الماضية هو المسؤول عن النتائج الاقتصاديّة السلبيّة التي نعانيها حالياً،ـ يظهر المسؤول عن انعدام ابسط حقوق المواطن وكأنه هو الخائف على مصير الاقتصاد والوطن. واعتبر “ان حقيقة الصراع هو بين أصحاب الحقوق الذين أصبحوا اليوم قوّة كبيرة لم تعد تسكت عن المطالبة بالحق، وبين القوى السياسيّة التي ترهن مصير البلد والطلاب بسبب تخٍلفها عن أداء واجبها التشريعي وعدم قبولها بتسديد الضرائب العادلة التصاعديّة”.