Site icon IMLebanon

الثورة العراقية ضد المالكي هل تبدّل المعطيات بأكملها؟

 

تقرير: رولان خاطر

 

بات العاشر من حزيران 2014 مفصلاّ مهماً في تاريخ العراق والمنطقة. وبات من الصعب الآن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، بعدما أصبحت اللعبة السياسية مكشوفة وغير مضبوطة من قبل اللاعبين الإقليميين والدوليين، وبات التروي والتهدئة لغة اللاعبين الكبار جراء الانقلاب المفاجئ الذي حصل على الأرض العراقية، والذي ينذر:

–      بتغيّرات جذرية على الداخل العراقي وتبدّل واضح على مستوى موازين القوى الداخلية ما يبنئ بتعديلات مهمة على الخريطة السياسية في العراق.

–      بتبدّل مرتقب في التحالفات الداخلية العراقية قد تودي بنوري المالكي إلى خارج اللعبة السياسية في أفضل الأحوال، أو إلى ضبط إيقاعه في أسوأ الأحوال.

–      بضرب النفوذ الايراني في العراق، وصولاً إلى المنطقة كلّها، عبر تطويق أدواته العسكرية المتمثلة بجماعاته المسلحة، والسياسية من خلال إضعاف مكوناته السياسية وتحالفه مع المالكي الذي لم تستبعد بعض المعلومات رحيله إلى طهران.

فالمشهد العراقي اليوم لا يمكن فصلُه عن مساره التراكمي الذي بدأ بعد سقوط المنظومة القديمة التي كانت متمثلة بنظام صدام حسين. فمع نجاح المحور الايراني – السوري في السيطرة على السلطة السياسية في العراق والأمنية من خلال مجيء نوري المالكي، وفشل المفاوضات بين دمشق والرياض وقتذاك في تأييد المالكي، وبالتالي انكفاء التأثير السعودي إلى خارج السلطة السياسية العراقية. ومع الرفض الايراني الأخير للدعوة السعودية إلى المفاوضات، ومع ممارسات المالكي “الديكتاتورية” على الشعب العراقي، والغبن الذي أصاب المجتمع السُنّي، كان لا بدّ من ثورة تبدّل هذا الواقع، ولعلّ الدليل الجازم على ذلك، دعوة مفتي الديار العراقية الشيخ الرفاعي، الذي أضفى “شرعية” على الحراك المسلّح في العراق، وأعلن أن “ما يجري هو ثورة شعبية، وأن الثوار، الذين يُسطرون أروع ملاحم البطولة في معركة الشرف والكرامة هم من أبناء العراق وأبناء العشائر وجلدتهم من إسلاميين وقوميين ووطنيين، وهم قرة عين كل عراقي غيور وتاج على رأس من صح انتماؤه إلى هذه التربة الطاهرة ولا يبغون إلا رفع الظلم والحيف وتحرير المدن من براثن الشر، وليس تصوريهم واتهامهم بانتمائهم إلى تنظيمات إرهابية كـ”داعش” وغيرهم إلا بهدف الإيقاع بينهم وبين أبناء المدن التي يحررونها من جيش المالكي وميليشياته”. وهو ما يشكّل ثورة سنيّة ضد الحكم الشيعي الذي يمثله المالكي. وما يثير القلق أكثر دعوة السيستاني أبناء الشعب العراقي إلى حمل السلاح لمواجهة ما سمّاها بالجماعات التكفيرية، ما ينذر أن الاتجاه هو نحو حرب سنية – شيعية شرسة.

ولعلّ حديث الشيخ الرفاعي يؤكد المعلومات التي بدأت تصل من أن المنظمات التي تتحرك في العراق ليست “داعشية”، أيّ لا تنتمي إلى “داعش”، بل هي من أبناء السُنّة العراقيين وبعض ضباط وبقايا نظام البعث السابق، اتخذوا من “داعش” تسمية لهم لسهولة التحرّك، وتفادياً لأي ردة فعل إقليمية أو دولية، وما يؤكد ذلك:

– بروز ما عرف بـ”صحوة الانبار” منذ أشهر عدّة، حيث قام عشائر الأنبار بإخراج تنظيم “القاعدة” من المحافظة.

– سهولة تحرك هذه المنظمات على الأرض بطريقة ذكية وسريعة، وعدم الدخول في أي مواجهات مع الجيش العراقي الذي ينسحب بشكل غريب من كل منطقة يدخلها المسلحون وكأن هناك اتفاقاً ضمنياً بينهم.

– اختفاء المسلحين في بعض المناطق وظهور عناصر وأركان ما عُرف ببقايا نظام البعث السابق، وهو الأمر الذي كفأ يد المالكي عن العسكر، وبدأ بتكوين ميليشيات تابعة له عبر تسليح بعض أبناء الشعب العراقي.

– سقوط الجيش العراقي معنوياً، واعتباره “ميليشيا” المالكي من قبل السُنّة، ولعلّ الحادثة الأسوأ التي وقعت منذ ايام في الانبار حيث قام المواطنون برشق “جيش المالكي” بالبيض والبندورة هي خير دليل على النقمة السُنيّة من “جيش المالكي”.

– تحرك مجموعات تعرف بجيش النقشبندية”، وهي مجموعات تأتمر بعزت ابراهيم الدوري نائب الرئيس العراقي السابق، ويقوم هؤلاء بتعيين محافظين في المناطق التي يسيطرون عليها، ما يؤكد ان ما يجري في العراق عملية انقلاب بالكامل على الحكم الايراني الشيعي في العراق المتمثل بنوري المالكي.

دائرة التحرك الجغرافية

في السياق ذاته، كان لافتاً المواقع الجغرافية التي بدأ منها المسلحون تحركاتهم. فتحرّكت هذه الجماعات السُنيّة من الموصل حيث أحكموا السيطرة عليها بالكامل، لما لها من موقع استراتيجي مع الداخل والخارج العراقي، والسيطرة على نينوى وصلاح الدين وتكريت التي تقع على مسافة 160 كم شمال غرب بغداد، وقبلها الفلوجة والأنبار، التي تقع غرب البلاد وتعد أكبر محافظات العراق، وتتميز بموقع استراتيجي يتصل مع حدود ثلاث دول عربية، سوريا من الجهة الشمالية الشرقية، والأردن من الغرب، والسعودية من الجنوب، ومن الجنوب الشرقي محافظتي كربلاء والنجف. كما أن إحدى مدنها وهي الفلوجة تتحكم في الطريق الدولي مع سوريا والأردن.

ويستمر تقدم هذه الجماعات على مشارف سامراء حيث تعتزم استكمال تقدمها باتجاه بغداد، ناهيك عن دخول المسلحين مدينة جلولاء العراقية في محافظة ديالى المتاخمة لإيران بعد فرار قوات الجيش العراقي منها. وبذلك، باتت المنطقة التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة تصل إلى الحدود التركية وتتواصل مع شمال السعودية والأردن، إضافة إلى الحدود الايرانية، وتواصل شمال العراق وغربه وقسم كبير من شرقه مع سوريا.

هذا الواقع الميداني – الاستراتيجي، دفع المسؤولين الإيرانيين إلى اتخاذ إجراءات أمنية وعسكرية مشددة، تمثلت بإغلاق حدودها ونشر قواتها في محافظة كردستان الإيرانية على طول الشريط الحدودي مع العراق بطول مئتين وعشرين كيلومتراً، ومنع الإيرانيين من السفر إليه، في ظل الأنباء الواردة عن مرابطة التنظيمات المسلحة على مسافة مئة وثمانين كيلومتراً من الحدود الإيرانية – العراقية، وتهديد زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي بنقل المعركة إلى إيران بعد العراق وسوريا.

وفيما دول العالم الإسلامي مستفيدة من هذا التحرّك، وخصوصاً السُنّي منها، مثل السعودية والأردن وقطر ودول الخليج وغيرها، لا تزال الجهة الداعمة فعلياً لهؤلاء الجماعات مجهولة، أو بالأحرى غير معلنة، ولو أن أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية قد تكون على علم بها.

الهدف الأسمى

هذا التحرّك المسلّح غير العفوي، إنّما يغذي الحرب القائمة اليوم بين السُنّة والشيعة، والتي من الطبيعي تتحمّل طهران تبعاتِها نتيجة سياساتها وطموحاتها التوسّعية في المنطقة. وفي قراءة موضوعية لهذا الواقع الجديد في العراق، بات من الأكيد ان تداعيات هذا التحرّك لا يمكن أن تبقى محصورة في الداخل العراقي، بل ستعيد خلط الأوراق في موازين القوى الإقليمية، وستنعكس تأثيراتها على اللاعبين الداخليين، كما على اللاعبين الإقليميين والدوليين، ليس في بلاد الرافدين فحسب، بل في المنطقة بأسرها.

وسيترك التحوّل في المشهد العراقي تداعيات كبرى لن تنتهي عند حدود التداخل بين العراق وسوريا وصولا إلى إيران، إنما سيتخطاها ليطال نفوذ دول الجوار العراقي إن لم يكن أمنها الداخلي، ومنها لبنان، إذا لم يتم تدارك هذا الأمر، وبالتالي استبعاد هذه “الحرب الآتية” إلى لبنان، التي إذا ما وصلت سوف تهلك اللبنانيين جميعاً.

أمام هذا الواقع، لا بدّ من هدف كبير وعظيم جداً بالنسبة لهذه الجماعات ومحركيهم. فالواقعية السياسية التي تتأثر بالواقع الميداني العسكري، وتغيير المعادلات السياسية التي تغيّرها موازين القوى العسكرية على الأرض، تشير بوضوح إلى أن الهدف الأسمى لهؤلاء ضرب الهلال الشيعي الآتي من طهران، مروراً ببغداد، وصولاً إلى بيروت، عبر القضاء على قلبه النابض المتمثل بالعراق. فضرب قلب العراق، سيؤدي بشكل حاسم إلى ضرب الهلال الشيعي استراتيجياً، والقضاء على “حلم” الإمبراطورية الفارسية الشيعية.

إذاً، الصورة باتت واضحة، قسم قلب الهلال الشيعي، الذي يمرّ عبر وسط سُنّي، متواصل مع السعودية والأردن، ومع أغلبية سُنيّة في سوريا، وسط تجمّع ضئيل للشيعة في جنوب العراق في منطقة جغرافية صغيرة. وبهذا التحوّل، تكون الأكثرية السُنّية في العالم العربي فعلت فعلها في المنطقة واستطاعت تطويق المدّ الإيراني وكبح جموحها السياسي والعقائدي في المنطقة، بانتظار استحقاقات أو ظروف معينة طارئة تبدّل في المعطى الجديد. والسؤال، هل استطاعت السعودية التي رفضت ايران الذهاب إلى حوار معها قلب الطاولة على الإيرانيين في العراق؟ وإلى أين سيمتد الصراع السعودي – الايراني؟.