Site icon IMLebanon

لا مكان لأهل المبادئ في زمن التسويات

 

كتب فؤاد أبو زيد في “الديار”: في زمن الصفقات والتسويات والتحوّلات، والتدوير الحادّ للزوايا، وهو الزمن الذي يعيشه لبنان واللبنانيون في هذه الايام، ومنذ سنوات خلت، لا مكان فيه لأهل المبدأ والثبات على المواقف، وعلى هؤلاء الاّ يفكروا او يحلموا بحاضر باسم لهم، او مستقبل سعيد قريب، فصفحات التاريخ القديم والجديد، تحدثك عن مئات من مثل هؤلاء، دفعوا ثمن قولهم كلمة «لا» بالقتل، او السجن والتعذيب، او النفي، ورغم ذلك لم يبدّلوا تبديلاً، باستثناء قلّة قليلة، كتب عنها التاريخ او سوف يكتب، انها ضعفت امام التجربة وسقطت فيها، واصبحت جزءاً من اهل المتنكّرين للمبادئ والثوابت والمستسلمين لمغانم الصفقات ومحاسن التسويات.

 

الثابتون على المبدأ، بصرف النظر عن العواقب، هم في الحقيقة من معدن، لا يشبه معدن معظم الناس، ولهم كتابهم الخاص الذي يقرأون فيه، ويتساوون مع القديسين في صلابة تمسّكهم بما آمنوا به، ومثل القديسين قتلوا وعذّبوا، واضطهدوا، ورجموا، والامثلة على ذلك كثيرة ومتنوّعة، بين رجال دين، وحكام، وسياسيين، وصعاليك، ومناضلين وطنيين، واهل علم وفكر.

وبعيداً من صلب يسوع وتعذيبه وآلامه، لتمسّكه برسالة السماء، بطرس وبولس قتلاً ايضاً، وجون كينيدي، وباتريس لومومبا، وسبارتاكوس، وجاندارك، وغاليله، وتشي غيفارا، والليندي، وعلي بن ابي طالب، ومارتن لوثر كينغ، كما سجن المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو، ونلسون مانديللا، والسبحة تطول وتطول بأسماء الكبار الذين قتلهم تمسّكهم بثوابتهم، وهم يتوزعون، على كل دولة وكل شعب في هذا العالم.

في لبنان، لائحة هؤلاء الناس، نسبة الى صغر مساحته وقلّة سكانه، كبيرة كبيرة، وهي لائحة شرف، ستبقى على مدى الاجيال، مدعاة فخر واعتزاز لكل لبناني آمن بلبنان، وطناً سيداً حراً كريماً، ديموقراطياً متعدداً، قوياً بثوابته ومبادئه وتراثه، وارض لبنان، منذ الفجر، رويت بدماء ابنائها شبراً شبراً، بدءاً من صور وصيدا حتى آخر حبّة تراب في اقصى شمال لبنان. وكان للعاصمة بيروت، نصيب كبير من هذه الدماء الطاهرة، التي سفحت لأن اصحابها رفضوا قبول منطق القوة، ورفضوا التنازل عمّا آمنوا به، حتى ولو كنت لا توافقهم على هذا الايمان، وانطون سعاده من هؤلاء، واعدامه المدبّر لطخة عار في جبين العدالة، كمثل العار الذي يتحمّله القضاء اللبناني والدولة اللبنانية للملفات المدبّرة التي ادّت الى احكام بالاعدام على الدكتور سمير جعجع، لأنه قال (لا) للنظام الأمني السوري – اللبناني، و«نعم» للبنان سيّد، حرّ، ولولا خشية النظام يومها، من ثورة شعبية، كانوا قتلوه داخل سجنه، امّا لائحة الشهداء الذين ماتوا ليحيا لبنان، عزيزاً متماسكاً، قوياً مستقلاً، وليس سلعة للبازار والصفقات والتسويات، كما هو الواقع اليوم، فتبدأ بالرئيسين بشير الجميّل ورينيه معوّض، ورئيس الحكومة رفيق الحريري، وتشعّ، يا قوى 14 اذار أو يا بعضها، بأسماء شهداء كبار من رجال دين وصحافيين ونواب ووزراء وسياسيين ومناضلين وطنيين، لم يرهبهم القتل، ولا التهديد، ولا خسارة الحياة، ولم يلتفتوا للوعود والمناصب والاغراءات، وقالوا «اللا» المدوية العالية في وجه التعسّف والترهيب والقوّة القاتلة، فهل يجوز بعد كل هذه التضحيات ان تدخلوا بأرجلكم وارادتكم، دائرة الخوف وتبدأوا عملية اقتسام واقتراع على سيادة لبنان، وكرامة اللبنانيين، وكيانه ووجوده!

بكركي خائفة على لبنان، والشعب خائف معها، واصحاب المبادئ والمواقف صامدون معها، والشهداء قلقون وينتظرون، هل تزهر دماؤهم بطولات، ام تذهب هباء مع الريح، بفعل ضعف البعض وسقوطهم في التجربة؟