أعادني تقرير “التكنولوجيا ومستقبل الحكومات” الذي أطلقته دولة الإمارات إلى فصول الدراسة في جامعة برادفورد التي تعلمت فيها حوكمة الاقتصاد. فالتقرير المشار إليه يشدد على ضرورة استخدام القطاع الحكومي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات على نطاق واسع والدمج فيما بينهم من أجل رفع مستوى الشفافية والثقة في المنظومة الحكومية.
طبعاً منذ أيام الدراسة في برادفورد وحتى الآن تغيرت أشياء كثيرة. ومن أهمها التطور الذي طرأ على تكنولوجيا الاتصالات. فالتوسع في استخدام الأجهزة الذكية والوسائط الالكترونية قد غير ليس فقط نمط حياتنا وإنما يفترض أيضاً أن يكون قد ساهم في تطوير أساليب الاداء الحكومي وطرق إدارة الاقتصاد. فالوسائل الرقمية الجديدة التي اقتحمت بيوتنا يفترض أن تدخل ضمن عناصر حوكمة الاقتصاد.
فمثلما نعرف فإن حوكمة الاقتصاد تكمن في الإدارة الناجحة له باستخدام التكنولوجيا المتقدمة. فنحن لو قارنا بين إدارة الاقتصاد في جنوب شرق آسيا وفي منطقتنا العربية خلال الستين عاماً الماضية فسوف نلاحظ أن تطبيق المجموعة الأولى للأساليب الحديثة في الادارة والاعتماد المتزايد على الابتكارات الحديثة قد أدى إلى تقدمها في حين تراجعت مثلاً مصر التي كانت تسبقهم في كافة المؤشرات قبل عام 1952.
من هنا تأتي أهمية حوكمة الاقتصاد التي تركز على الخطوات التي يجب أن نتبعها لإدارة الاقتصاد. وعلينا هنا أن لا نخلط بين حوكمتي الشركات والاقتصاد. فالحوكمة الأولى تركز على الاساليب التي يفترض اتباعها كي تتمكن الشركات من تسيير دفة أمورها بنجاح. أما الحوكمة الثانية فتركز على إدارة الاقتصاد الكلي وليس الجزئي.
ولتوضيح الأمور أكثر أشير إلى أن حوكمة الاقتصاد تهتم بشفافية العمل الحكومي والمساءلة والاصلاحات المستمرة وتقليص البيروقراطية إلى أدنى مستوى ممكن. كما تعتبر المساواة أمام القانون والرقابة على تطبيق القوانين بصرامة دونما تمييز أو مراعاة ووجود هيئات مستقلة للتأكد من ذلك من أبرز عناصر الحوكمة. كذلك فإن إدارة الاقتصاد الناجحة تتطلب التوسع في حرية وسائل الإعلام والحد من القيود المفروضة على المجتمع المدني. ومختصر القول أن حوكمة الاقتصاد تستهدف خلق افضل الظروف لنمو الشركات وتشجيع تدفق الاستثمارات من الخارج إلى الداخل. وهذه أمور يصعب تحقيقها دون مسايرة التطور في مجال الإدارة ومماشاة الانجازات في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات.
ومثلما نرى فإن المملكة قد قطعت شوطاً لا يستهان به في مجال حوكمة اقتصادنا. ففي كل جانب من الجوانب المشار إليها أعلاه نلاحظ أن المملكة إما أنها قد أنجزته بصورة نهائية أو أنها قد قطعت شوطاً لا يستهان به من أجل ذلك. وأنا أعتقد أن الحكم على نجاحنا في إدارة الاقتصاد يكمن، كما يبدو لي، في مدى التقدم الذي نحققه في تطبيق خطط التنمية وأهدافها وعلى رأسها الانتقال من اقتصاد معتمد على النفط إلى اقتصاد متعدد المزايا النسبية.
ولذلك فإني أتمنى ونحن على أبواب خطة التنمية القادمة أن نسرع في استكمال بقية عناصر الحكومة حتى نتمكن من إنجاز الأهداف التي نتوخاها بنسبة عالية.