فراس أبو مصلح
«جذر» المشاكل الاجتماعية ــ الاقتصادية التي ولّدت حالة «عدم الرضى» في الدول العربية، وبالتالي الانتفاضات الشعبية، هو «فشل الدولة» أو «فشل النظام السياسي» برمته، بحسب كبير اقتصاديي منطقة أفريقيا في البنك الدولي، شانتايانان ديفاراجان. ينفي الأخير أي مسؤولية لسياسات «الإصلاح الهيكلي» التي تنتهجها مؤسسته في وصول الدول العربية إلى حالتها تلك، ويلقي هو وزملاؤه من مسؤولي البنك الدولي باللائمة على الحكومات «الديكتاتورية» وفساد المتنفذين فيها، غاسلين أيديهم من الأخيرين!
«الأفكار المتحجرة هي المانع الأكبر (للتغيير)، حتى أكثر من المصالح الراسخة»، قال كبير اقتصاديي البنك الدولي وكبير المستشارين الاقتصاديين للحكومة الهندية، كوشيك باسو، مفضلاً الإدلاء بآراء عامة حول النمو ومحركاته، عوض الغوص في تفاصيل اقتصادات الإقليم، في ندوة عُقدت أمس في «معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية» في الجامعة الأميركية في بيروت، كان عنوانها «تجاوُب البنك الدولي مع مطالب العدالة الاجتماعية في الشرق الأوسط». «الادخار والاستثمار محرك النمو الأقوى»، بحسب باسو الذي أوضح أن الدول التي نمت بشكل «استثنائي» تميزت بمعدل ادخار واستثمار يقارب 30% من دخلها الوطني، بالإضافة إلى التبادل والتجارة الخارجية الكثيفة، مشيراً إلى أن النمو يُبنى على «أسس اجتماعية وسياسية» سليمة.
هدف البنك الدولي «إزالة الفقر المدقع وتحقيق الازدهار الذي يتشارك فيه الجميع»، والمقصود بالأمر الأخير تحسين حال الـ 40% من السكان الأقل دخلاً، يقول شانتايانان، منوّهاً بأن البنك الدولي حقق خطوات مهمة على صعيد الهدف الأول، وأن دخل نسبة الـ 40% من السكان المذكورة ينمو بوتيرة «أسرع من أي وقت مضى» في دول كمصر وتونس والعراق، ما يمثل «أحجية أساسية» في مسألة تحديد أسباب الانتفاضات الشعبية العربية، ويطرح الحاجة للنظر إلى ما هو «أبعد من المقاييس المعيارية»، والسؤال عن «القيود التي تحول دون تحقيق العدالة الاجتماعية».
لا عدالة اجتماعية في لبنان، فمعدل البطالة من الأعلى في العالم، يتضاعف لدى فئة الشباب، وهو أعلى بـ 60% عند النساء، يقول شانتايانان، مستشهداً بنتائج استبيان أظهر أن 80% ممن استُطلعت آراؤهم وافقوا على القول إن الحصول على فرصة عمل يحتاج إلى علاقات «واسطة». يتسبب الواقع هذا بـ«إحباط عميق»، وخاصة لدى المتعلمين الذين تخيب آمالهم وطموحاتهم بعد تخرجهم من المعاهد والجامعات، بحسب شانتايانان.
الخدمات الأساسية كلها، كالرعاية الصحية والتعليم، دون المستوى المطلوب، والبنى التحتية في حالة سيئة للغاية، يجزم شانتايانان، متحدثاً عن التيار الكهربائي الغائب في معظم الأوقات عن أغلب المناطق، وعن الحالة السيئة للطرقات، إذ إن «كلفة نقل سلعة ما من أي نقطة في لبنان إلى مرفأ بيروت تعادل نقلها من المرفأ نفسه إلى مرسيليا في فرنسا»! كلفة النقل المرتفعة تعني اقتصاداً غير كفؤ، وبالتالي غير تنافسي، يشرح شانتايانان، قائلاً إن المشكلة مرتبطة أيضاً بالاحتكار الذي يرفع كلفة النقل بشكل اصطناعي، مستظلاً الحماية السياسية. يستغرب شانتايانان ضعف الصناعات ذات العمالة الكثيفة في بلد يغرق بالبطالة، ويضيف إن الحل ليس بحماية الصناعات المحلية، فذلك «يسهل على العائلات النافذة احتكار القطاع»!
يخرج شانتايانان بخلاصة مفادها أن جذر المشكلات الاجتماعية _ الاقتصادية جميعها هو «فشل الحكومات»، أو بالأحرى «فشل النظام السياسي». تسأل «الأخبار» شانتايانان عن مسؤولية البنك الدولي عن هذا الأمر، ولو جزئياً، عبر انتهاجه سياسة «الإصلاح الهيكلي» وتقليص جهاز الدولة، فيجيب شانتايانان أنه «غالباً ما يكون المسؤول الحكومي على الطرف الآخر من الطاولة (طاولة الاجتماع مع ممثلي البنك الدولي) هو المشكلة»(!)، فلا يتجاوب مع طروحات مؤسسته، قبل أن يستدرك قائلاً إن «ما نفعله هو نشر نتائج الدراسات؛ فنحن نشخّص، ولا نعطي توصيات»!
تضع الحكومات السياسات العامة عبر «الإجماع السياسي»، يقول شانتايانان؛ حاصراً دور البنك الدولي بإطلاع العامة على نتائج دراساته، قائلاً إن على الأخيرين أن يقولوا: «هذا ما نريده»!
يقول أحد الحضور إن «الدولة الفاشلة أو الرخوة» مرتبطة بشكل كبير بالفساد، فيتلقف مسؤولو البنك الدولي الطرح، ويهز شانتايانان رأسه بحماسة موافقاً، ويثني باساو على الكلام، مؤكداً أن موضوع الفساد «قريب من قلبي»! بدأت مشكلة البنك الدولي مع نظام بن علي عندما تحدث الأول عن الفساد في تونس، قال فريد بلحاج، مدير منطقة المشرق في البنك الدولي، مؤكداً أن الحديث عن الفساد «the C-Word» كان من المحرمات في الحقبة الماضية، ليسأل «إلى متى تظل طهارتنا عائقاً أمام فعلنا ما هو جيد»!؟
كيف لعاقل أن يصدق أن الدائن (البنك الدولي) لا يفرض شروطاً على المدين، وأن الزواج بين البنك الدولي والأنظمة «الديكتاتورية» كان زواجاً قسرياً!؟