ماجد منيمنة
كشف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ان لبنان سيسدّد كل الاستحقاقات المالية المتوجبة عليه بالرغم من الظروف السياسية والامنية، حيث اثبتت الأسواق المالية قدرتها على امتصاص ذيول اي حدث سياسي، وأن ما يتبقى من أصل الدين حتى آخر عام 2014، لا يتعدى الـ500 مليون دولار، في مقابل خدمة دين تبلغ نحو 800 مليون دولار. كما أكد الحاكم أن حل ملف سلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام، يقضي بتقسيطها على خمسة اعوام، على ان يتم تصحيح الأجور سنويا بنسب يتحملها الاقتصاد الوطني.
كثير من الدول تواجه عجز ميزانياتها المالية بخطط إنمائية وباستثمارات في الخدمات الأساسية كالسكن والكهرباء والطاقة والمستشفيات والجامعات والسياحة والتأمين الصحي والاجتماعي، كما بناء الطرق والجسور والسكك الحديدية ومناطق حرة, وتحديث المرافئ واسطول الطيران المدني.. الخ، مما يتطلب بالفعل صرف عدة مليارات من الدولارات في كل قطاع، وهذا ما نراه في دول عربية صغيرة، تشتري سنويا وبالمليارات من الدولارات تكنولوجيا وطائرات ومعدات لتوسيع مشاريعها وتنميتها، مستثمرة فيها بما يخدم شعوبها قليلة العدد. ويصيب العجز ايضا دولا غنية ومتطورة صناعيا بسبب انخفاض الناتج الكلي للبلد، أو بسبب استفحال الديون وعدم القدرة على التسديد، ولكن تلجأ هذه الدولة على شد الحزام وتوفير محاربة ظاهرة الفساد وفرض النظام على كل مواطن أو سياسي مهما علا شأنه.
لكن العجز المالي في لبنان يدعو للعجب! كما أن تبخر ملياراته تطرح تساؤلات لا أول لها ولا آخر، تبدأ من أسئلة المواطن المظلوم الذي ليس له الحق الا بقراءة الأرقام الخيالية للميزانيات المعلبة، بدون ان يحق له مجرد الحلم بعودة الكهرباء الى بيته، فما بالك بخطط للتنمية الاقتصادية والبناء، فلا يحتاج المرء الى الاقتصاديين والى الخبراء ليرى ويلمس ان لبنان لم يعرف خطة تنموية للاقتصاد الوطني، ولا خطط بناء ولا خططا استثمارية ولا رصدا لمشاريع ضخمه في الـتأمين الصحي او الاجتماعي، فلم نر لا تنمية ولا بناء ولا استثمار ولا تطويرا ولا اعادة تأهيل ولا دعم قطاع خاص ولا عام ولا مبادرات في أي ميدان يشي باهتمام حكومي، وان وجد منه، وهذا ما تكشفه التقارير، فالهدف منه السرقة والعمولات المنظمة في الدولة اصلا، ومن هنا التلكؤ والفشل في انجاز أي مشروع حتى لو كان صغيرا، بل ان المواطن اللبناني وغيره يرى تدهورا صارخا ومؤسفا للشريان الأساسي الإقتصادي، الذي رغم ما جرى عليه من حروب وديون، بقي حتى عام 2005 قادرا على الأقل على اعداد موازنة عامة.
هناك آلاف من المشاريع المتوقفة بسبب التزوير والرشاوى والاختلاس، وليس هناك هيئة رقابة مالية فاعلة، ولا تفرق الهيئات بين الأخطاء الفنية والفساد، ولم يعد للمثقف اللبناني ذي الكفاءة أي قيمة لأنه مهمش تماما، وتنسحب هذه الحالة على اغلب القطاعات الصناعية في الوطن. ويعيش ابناء الشعب اللبناني ظواهر ارتفاع الأسعار والغلاء والبطالة بسبب عدم وجود الضوابط من قبل الدولة التي تترك للفوضى والقوة التحكم بطاقة المواطن الشرائية, كما ان اي زيادة للرواتب ولو حصلت سوف يبتلعها التضخم، ويشكو كل رب منزل من الغلاء ومن تبخر الرواتب سريعا والتي تذهب الى الاستشفاء والأدوية مقارنه بمتوسط الراتب وكذلك بسبب جشع التجار الذين يستغلون الفوضى وانعدام الرقابة على الأسعار لرفع أثمان المواد الغذائية وأسعار الأدوية وغيرها من خدمات أساسية، والتي وصلت الى زيادة خيالية.
لكن ما رأي الاقتصاديين اللبنانيين بكل المشاكل التي تعصف بالاقتصاد الوطني ونظامه المالي وبموقف السياسيين من اشكالياته؟ نقرأ عدة مواضيع تتناول أوجها مختلفة للاقتصاد الوطني واعداد الميزانية وأهدافا ومشاريع لدعم الصناعة الوطنية وأهمية دور رجال الأعمال في الاقتصاد وقضايا وآفاق في الإصلاح والتغيير وأخرى كثيرة تكرر ما انفضح من الفساد والرشاوى وإهمال الخدمات والصناعة والاقتصاد في لبنان، لكنها مواضيع توصيفية في الغالب تعيد نشر ما افتضح في الاعلام, ومن أعضائها أشخاص هم أصلا أتوا مع سلطات الوصاية وتسلموا مناصب وزارية، ومنهم من هو متهم بوضع اليد على أموال عامة ومن مصارف تم ابتزازها وتصفيتها. ان تطبيق تنظيم ادارة الدولة من النواحي الاقتصادية، مثل قانون الادارة المالية والدين العام وتحديث قانون البنك المركزي والمصارف وقوانين الموازنة التي تصدر سنويا، ومعها توقيع عقود مع مؤسسات مصرفية دولية مثل صندوق النقد الدولي ومؤتمرات باريس1, وباريس2, وباريس3 وتطبيقات مؤتمرات بازل, كان من شأنها تطوير اقتصاد لبنان وارتقائه الى مستويات عالية في جميع النواحي المالية والاقتصادية والانمائية، لكن بدل ذلك تم اتخاذ قرارات غير مدروسة في بناء أسس الدولة غلبت عليها الحلول الارتجالية والمصالح الطائفية والحزبية والفئويه والفردية، وتم تعيين اشخاص غير اكفاء في الوظائف الرسمية، وهم غارقون في الفساد وأصبحت الوزارات قلاعا للطائفية والمحسوبية. ولكن بقي الأهم في مقالات هؤلاء الاقتصاديين الذين يخجلون من مواجهة الحقائق الأساسية لما يجري في لبنان مثلهم مثل السياسيين، يلف بعضهم ويدور لكي لا يخدش الحياء السياسي ولا يخسر منصبه وراتبه الذي ينتفع به.
اقتصاد لبنان ينهار والبلد يسير بين الألغام نحو ازمة اقتصادية خانقة. والسبب الأول هو الفساد والسياسات الفاشلة وقصر النظر وانعدام الرؤى الاستراتيجية بالاضافة لنقص حاد في الامانة والكفاءة. لا احد يستطيع انكار ان الفساد هو السبب الرئيسي في ما نعانيه الآن. أما اهل الحل والربط فقد اختاروا الهروب للوراء والاحتماء بحجج واعذار واهية. لا احد يريد ان يعترف ويقول نعم لقد فشلنا في ادارة شؤون البلاد بامتياز واضعنا على البلد فرصا كثيرة بعدم استغلال الوقت في اطلاق مشاريع حقيقية ذات جدوى اقتصادية على الوطن والمواطن بدلا من المكابرة والدعاية السياسية. لكن للأسف المواطن الصالح وحده هو من يدفع ثمن هذا الاستهتار في إدارة شؤون البلد واقتصاده المستنزف!.