بقلم طوني أبي نجم
يُخطئ من يوصّف الثورة الجديدة في العراق ضد نظام نوري المالكي بأنها مجرّد ثورة “داعش”، لا بل يكون ساذجاً الى أقصى.
فمحافظة الأنبار العراقية التي شهدت قبل أشهر قليلة ما عُرف بـ”صحوة الأنبار” حيث قضت عشائر المحافظة وأركانها على كل مظاهر القاعدة لا يمكن أن تشكل بأي حال من الأحوال منطلقاً لثورة “داعشية” في حين تستجدي “داعش” المساعدة على أبواب دير الزور في سوريا!
ولا يمكن لأي عاقل أن يعتبر أن نوري المالكي يمثل الدولة العراقية والعراقيين بمقدار ما يمثل النظام الإيراني الذي عيّنه بمثابة “محافظ” على العراق يتبع للولي الفقيه الإيراني. لا بل إن المالكي، المعروف عنه أنه كان من أكبر المعارضين لحكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين بذريعة أنه اضطهد الشيعة في العراق، مارس أسوأ أنواع الممارسات المذهبية الى درجة أن أطلق العراقيون على الجيش العراق تسمية “ميليشيات المالكي” ورشقوه بالبيض والبندورة في كبريات المحافظات العراقية!
وفي حين عوّل البعض على حوار سعودي- إيراني يرافق الانتخابات العراقية في محاولة لإيجاد تسويات تحفظ ماء وجه الجميع في المنطقة، وتشمل عدداً من الملفات بدءّا بالملف العراقي مرورا باليمن والبحرين وصولا الى سوريا ولبنان، إذا بإيران ترفض عملياً الحوار مع المملكة العربية السعودية عبر ازدراء دعويين وجههما وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل الأولى شفهية الى وزير خارجية إيران والثانية مكتوبة للمشاركة في مؤتمر وزراء خارجية منظمة دول التعاون الاسلامي الذي سينعقد في الرياض يومي 18 و19 حزيران 2014!
ولم تكتفِ إيران بذلك بل أغفلت الإرادة السعودية بعدم عودة المالكي الى رئاسة الحكومة العراقية، وفرضته مجدداً رغم خروجه منهكاً من الانتخابات النيابية في العراق التي جرت مطلع أيار الماضي.
هكذا اعتبرت إيران أنها في موقع قوة إقليمية: الغرب يحاورها بانفتاح حول برنامجها النووي. تخطّت مسألة إسقاط النظام السوري عسكرياً وحتى سياسياً من خلال فرض مسرحية انتخابات رئاسية سورية جدّدت لبشار الأسد لولاية جديدة. عرقلت الانتخابات الرئاسية في لبنان، كما أنها تمسك بخيوط الفتن في كل من البحرين واليمن!
ما لم يكن في حسبان نظام الملالي في طهران أن الحرس الثوري الإيراني وميليشياته لا يمكنهم أن يسيطروا على كل دول المنطقة العربية، وأن أقلية شيعية تتبع نظام ولاية الفقيه لا يمكن ان تتحكم ببحر سنّي مهما بلغت قوتها العسكرية.
وما لم يكن في حسبان نظام الملالي أن الرياض لا تزال تحتفظ بأوراق كثيرة قادرة على قلب الأوضاع رأساً على عقب. فما زرعه المالكي من ممارسات مذهبية في العراق أنبت ثورة سنيّة عارمة سمحت لأركان نظام صدام حسين بإعادة التشكل مجددا، ما سهّل القيام بانقلاب شامل على “ميليشيات المالكي” في كل المحافظات السنية، وصولا الى تهديد العاصمة بغداد بعدما بات الثوار على بعد أقل من 60 كيلومتراً عنها، والتفجيرات تنهشها وميليشيات المالكي تهرب منها. أما استعمال اسم “داعش” فلم يكن أكثر من “فزّاعة” يتم استعمالها في الداخل العراقي ورسالة واضحة للإيرانيين بأن الانقلاب لن يقتصر على داخل الحدود العراقية، بل إن يد المساعدة ستمتدّ لتساند المعارضة السورية التي عادت في الوقت ذاته الى موقع الهجوم وتحقيق الانتصارات من حلب الى القلمون عبر بوابة رنكوس وصولا الى مشارف دمشق!
وما ليس في حسبان نظام الملالي في طهران أن ميليشيات “أبو الفضل العباس” ستصبح عاجزة في العراق ما يستوجب استدعاء عناصرها من سوريا، وبالتالي ستحتاج الى أن تغطي ميليشيات “حزب الله” الفراغ مكانها وهو ما بدأ بالفعل عبر إرسال آلاف المقاتلين الجدد من لبنان الى سوريا، كما وأيضا سيضطرون الى إرسالهم للقتال في العراق حيث فشل المالكي في تحويل ميليشياته الى جيش، وإيران مضطرة للاعتماد على ميليشياتها بشكل مباشر وهم “أبو الفضل العبّاس” و”حزب الله” إضافة الى الحرس الثوري الذين سيدخلون المعارك لقيادتها. وبالتالي فإن هذه الثورة العراقية بدأت تشغل عملياً كل الأذرع العسكرية الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان.
لذلك فإن من السذاجة بمكان أن يعتبر البعض ما يجري في العراق ثورة “داعشية”، بل إن ما يجري هو انتفاضة سنية مكتملة المعالم انطلقت من العراق بعد سلسلة إخفاقات في سوريا ولبنان، وبعدما ظنّت إيران وميليشياتها أنهم انتصروا. وهذا ما استوجب استصدار فتاوى دينية عن ممثل المرجعية الشيعية الأبرز في العراق السيد علي السيستاني تحت شعار وجوب قتال “داعش”، وهو ما سيُواجه بفتاوى سنية مضادة تؤسس لحرب على مستوى المنطقة برمتها!
وما اعتبره “حزب الله” بمثابة “إنجازات” حققها في القصير والقلمون سيدفع ثمنها حتماً حتى آخر مقاتل من مقاتليه بعد أغرق نفسه في مستنقع لن يتمكن من الخروج منه في المدى المنظور. وسيقتصر دور مجتمع الحزب في لبنان على تعداد النعوش العائدة من حروب محاولات الهيمنة الإيرانية من سوريا الى العراق.
فهل يتمكن لبنان من البقاء خارج الصورة الإقليمية المنتفضة على إيران وأدواتها، وخصوصاً في ظل شعور أتباع الولي الفقيه في لبنان بفائض من القوة من الجنوب، مرورا بالضاحية الجنوبية وبعلبك وصولا الى النبعة ولاسا؟! وهل سيكون بمقدور لبنان أن يصمد في وجه الحرب السنية- الشيعية التي انطلقت في المنطقة والتي ستعيد رسم خريطة الشرق الأوسط من جديد؟
حمى الله لبنان…