محمد نزال
حتى المجلس الدستوري غسل يده من «جريمة» قانون الإيجارات الجديد. هكذا، وبعد نحو 3 أسابيع على الطعن في القانون، وفي ظل انتظار المستأجرين القدامى والمالكين القرار التاريخي الذي سوف يصدر، خرج المجلس الدستوري، أول من أمس، ليعلن: «قررنا بالأكثرية عدم إمكان النظر في الطعنين المقدمين وذلك لعدم نفاذ القانون المطعون فيه»! ماذا يعني هذا الكلام؟
بيان المجلس يوضح: «بما أن النص المطعون فيه هو النص المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 8/5/2014، وبما أن هذا النص نُشر في تاريخ لم يكن فيه القانون الذي أقرّه مجلس النواب قد أصبح نافذاً حكماً، بموجب الفقرة الأخيرة من المادة 57 من الدستور، وبما أنه يترتب على ذلك عدم توافر عناصر المادة المذكورة، وبالتالي عدم نفاذ القانون، وبما أن هذا الواقع يحول دون النظر في دستورية قانون لم تكتمل عناصر تكوينه في تاريخ نشره، وهو بالتالي قانون غير نافذ».
لن يكون مستغرباً أن يقول بعض القرّاء لم نفهم شيئاً. هذا طبيعي. لهم أسوة بمحامين مخضرمين، لم يفهموا هذا النص للوهلة الأولى، إلا بعد إجراء الاتصالات والاستفسارات اللازمة. ما الحكاية؟ أحد أعضاء المجلس الدستوري أوضح لـ«الأخبار» النص الوارد، قائلاً: «لقد نُشر القانون في الجريدة الرسمية قبل يوم واحد من انتهاء المهلة الدستورية، وهذا ما لم يكن يجب أن يحصل، لأن هذا حق دستوري لرئيس الجمهورية، أي مهلة الشهر، ومن بعد اكتمالها تماماً عندئذ يُنشر، وبالتالي يُعاد القانون الآن إلى رئيس الجمهورية، وبما أن لا رئيس الآن فأحيل إلى مجلس الوزراء، بغية إعادة نشره في الجريدة الرسمية، ثم لتسري بعد ذلك المهلة الدستورية من جديد».
هل ثمة من سيُصدق أن هذا هو السبب لـ«قذف» المجلس الدستوري قانون الإيجارات في وجه الحكومة؟ هل باتت الأمور دقيقة إلى هذا الحد، بحيث لا يمكن تجاوز مسألة المهلة، التي فرقت يوماً واحداً فقط، علماً بأن رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان نفسه كان لا يزال في سدة الحكم عندما نُشر، فلم يعترض، وبالتالي ما سبب التوقف عند هذه المسألة الشكلية؟ القضية أبعد ذلك. اليوم، بات لبنان بلا قانون إيجارات، هذه هي الخلاصة، فلا القانون القديم يُعمل به ولا الجديد نافذ، وبالتالي يكون العمل وفق قانون الموجبات والعقود، العمومي جداً، غير المختص بالإيجارات، وهذا ما يجعل القضاة الذين ينظرون في دعاوى الإيجارات حائرين ولا يدرون ما يفعلون. ستتكدس القضايا، وستزداد المأساة وتتراكم، وكل هذا يحصل في ظل دولة قررت أن تستقيل من دورها وتترك الناس لقدرهم.
ربما يكون المجلس الدستوري قد وعى خطورة القانون المحال إليه، بحسب ما رأى بعض القانونيين، فرفض أن يُحمّل مسؤولية تداعيات قانون طُبخ على «خفة» في مجلس النواب، ووصف سابقاً على لسان أكثر من خبير بـ«القانون الخطيئة». حتى رئيس الجمهورية رفض تحمّل هذا القانون، فتنصل من ربط اسمه به، فلا هو وقّعه ولا هو ردّه إلى مجلس النواب، فتركه حتى يُنشر تلقائياً في الجريدة الرسمية، ليتبين لاحقاً أن هذا النشر غير دستوري! بالمناسبة، هذه ليست «نكتة» أبداً. سليمان كان قد طعن بالقانون وأحاله إلى المجلس الدستوري، قبل أن يُقرر 10 نواب، بعدما استجداهم المتضررون من القانون، الطعن فيه أيضاً، وهذا ما حصل فعلاً، قبل أن يسمع الجميع أول من أمس القرار النهائي: «لا شيء».
مصادر المجلس الدستوري ذكرت لـ«الأخبار» أن القانون «كان جائراً كما صيغ، لم نشاهد هكذا قانون شائك وناقص ومتضارب من قبل، فمثلاً مسألة بدل المثل المقدرة بـ 5 في المئة لا يمكن لعاقل أن يتقبلها، عالية جداً، علماً بأن هذه النسب لا تُثبّت، بل تحتاج إلى لجان مستمرة لتعديلها دائماً… هذا بعض يسير مما لا يمكن القبول به في القانون». لكن يبقى السؤال الأبرز، والذي ربما يلخص الخطوة التي بادر إليها المجلس الدستوري برده للطعنين، ما الذي سوف تفعله الحكومة الآن؟ مصادر معنية تقول لـ«الأخبار» إن «الأمر رهن مسألتين، ففي حال النشر من جديد في الجريدة الرسمية، هل سيكون هناك من يطعن مجدداً في القانون… لكن الأهم من ذلك، هل سيجرؤ مجلس الوزراء على النشر، في ظل شغور كرسي رئاسة الجمهورية، ما يعني حرمان صاحب هذا المنصب من حق النشر أو التوقيع أو الطعن؟». إذاً، لا تحتاج المسألة إلى «شاطر» حتى يفهم النتيجة. أيها المالكون والمستأجرون ويا كل المعنيين: لا قانون للإيجارات قبل انتخاب رئيس للجمهورية… مهما طال الزمن.
هكذا، أبدع نواب ووزراء ورؤساء وقضاة، كل على طريقته، في إيجاد المهرب من قانون بدا خلال الأشهر الماضية أشبه بـ«قطعة نتنة». لقد فعلتها الدولة «الفارغة» مجدداً بمواطنيها.