لا تبدي أوساط سياسية واسعة الإطلاع قدرًا كبيرًا من الخشية على الاستقرار الأمني السائد راهنًا في لبنان منذ تشكيل الحكومة ولو أنّ وتيرة المخاوف من تداعيات التطورات الجارية في العراق تشكل سببًا موضوعيًا ومبررًا وبديهيًا لعودة الخشية على الوضع الأمني.
وتعتقد هذه الأوساط أنّ ثمة مجموعة عوامل داخلية وخارجية لا تزال قائمة وماثلة من أنّها تقوية الرهان على إبقاء الضوابط الأمنية ثابتة ولو في الحدود الدنيا والمعقولة للحفاظ على الاستقرار بوتيرته الحالية، ما لم تطرأ عوامل مفاجئة ليست في الحسبان.
على الصعيد الداخلي أولا تقول هذه الاوساط أنّ أي مؤشر أو تطور لم يظهر من شأنه تبديل المعادلة التي قامت عليها صورة الواقع اللبناني عقب التوافق الذي استولد تشكيل الحكومة على أساس واضح لا يزال يحكم مجمل الوضع الداخلي وهو واقع “ربط النزاع” السياسي بين الافرقاء السياسيين، في مقابل التنسيق والتعاون والنأي بالوضع الأمني عن الصراعات السياسية وهي المعادلة التي أمكن معها للمرة الاولى ابتداع صيغة أعادت الفريقين السني والشيعي الاساسيين، خصوصًا الى طاولة المسؤولية الرسمية المشتركة من خلال تركيبة الحكومة الحالية.
وإذا كان من عبرة رئيسية للأشهر القليلة التي مرّت من عمر الحكومة فإنّها تتمثل في أنّ نقطة التفاهمات الأساسية التي لا تزال تشكل عمودها الفقري تتمركز في الناحية الأمنية التي لم يحصل حيالها أي اهتزاز واسع خلافا للكثير من الاهتزازات في مجالات سياسية واجتماعية أخرى على غرار الأزمات التي تجرجر ذيولها حاليًا ولا سيما في ظلّ أزمة الفراغ الرئاسي.
أمّا على المستوى الخارجي فتقول الاوساط نفسها إنّ الازمة الرئاسية في لبنان شكّلت في تجربتها الماثلة منذ انتهاء المهلة الدستورية في 25 أيار المنصرم إثباتًا على رسوخ القرار الدولي حيال منع تحول لبنان نقطة تفجير إضافية في المنطقة أو إشعال بقعة متفجرة جديدة. ومع ان الواضح في هذا السياق هو ان لبنان لم يعد مدرجا على جدول الاولويات الدولية بدليل عقم رهان افرقاء لبنانيين على تدخل دول معينة للافراج عن الازمة الرئاسية ووضع حد للشغور الرئاسي، فان ذلك لا ينسحب بالمستوى نفسه على الاهتمام الخارجي بالاستقرار الامني في لبنان الذي يبقى نقطة الجذب الخارجية الى الواقع اللبناني.
ومع ذلك تلفت الاوساط الى نقاط حساسة للغاية في اطار ترقب الاختبار اللبناني أمام احتمالات تأثر لبنان بالتطورات العراقية. وهي نقاط ضعف متأتية من هشاشة التعامل السياسي مع الملفات والازمات الداخلية التي ادت بمجمل المؤسسات الى واقع التعطيل والشلل. ذلك ان النوم على حرير التفاهمات السابقة والحسابات المصلحية المباشرة التي تكفل الحفاظ على القرار السياسي الحامي للامن لن يكفي وحده اذا تمادت حالة تعطيل كل المؤسسات اسوة بالفراغ الرئاسي. وهو الامر الذي سيضغط على جميع الافرقاء من دون استثناء لتبديل وتيرة الاستسلام للازمة الرئاسية.