بقلم طوني أبي نجم
لم يكونوا كثراً من سمعوا العماد ميشال عون ليل الثلثاء على شاشة الـOTV. اللبنانيون كانوا مشغولين بمباراة كرة السلة بين فريقي الحكمة والرياضي، ومن ثم بمباراة البرازيل والمكسيك في كأس العالم.
لكنّ حديث عون كان من الأهمية بمكان أوجب علينا التوقف عنده والتمعّن فيه بدقة لنستخلص الآتي:
ـ ميشال عون بالأمس وجّه تهديداً مباشراً الى الرئيس سعد الحريري بمعنى أن الـ”وان واي تيكيت” سيبقى ساري المفعول الى حين انتخابه رئيساً للجمهورية. لا بل كان من الوضوح بمكان حين قال: “تحدثت مع الحريري عن ضمان أمنه السياسي عبر التحدث الى جميع الأطراف ولكن من موقعي كمسؤول”. ولكنه لم يوضح من يقصد بـ”جميع الأطراف”… رغم أنه قصد “بالعربي المشبرح” أنه سيطلب من “حزب الله” ألا يغتال سعد الحريري في حال انتخبه رئيساً!
ـ ميشال عون دعا مجدداً الى المثالثة من خلال قوله “تساءلنا عما اذا بامكاننا أن نجتمع معًا نحن الطوائف الثلاثة الكبرى”. وهذا يؤكد مجدداً أن الثمن الذي يطلبه “حزب الله” من عون هو المثالثة على الأقل، وهذا ما لم يعد خافياً على أحد.
ـ حتى المعادلات الحسابية لدى الجنرال تبقى ناقصة ومبتورة. فهو قال: ” ليس لدى تيار المستقبل غير سمير جعجع مرشحاً، وليس لدى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط سوى هنري حلو، وسيحصلان على الأصوات نفسها ولن تتغير المعادلة”. صحيح ولكن الناقص أن ميشال عون لم يتبنّ “حزب الله” ترشيحه علناً وفي حال فعل فهو سيحصل على 57 صوتاً كحدّ أقصى، وهذه المعادلة لن تتغيّر… وبالتالي المطلوب هو البحث عن مرشح توافقي خارج عون- جعجع- حلو لكسر المعادلة القائمة!
ـ عون يدّعي أنه الأكثر تمثيلاً مسيحياً ويقول: “الجميع يعرف أنني أمثل الأكثرية المسيحية في لبنان، فهذا أمر واضح وكل السفارات تعرف ذلك وشركات الإحصاء”. يعني بنظر الجنرال كل استطلاعات الرأي التي نفذتها شركات الإحصاء المحترمة بالتعاون مع البرامج الرئاسية عبر التلفزيونات اللبنانية غير صالحة، إضافة الى كل التصويت اللبناني عبر مواقع التواصل الاجتماعي كما في برنامج الزميل مرسيل غانم غير صالحة! خلص… أفتى الجنرال بأن كل استطلاعات الرأي مشكوك بأمرها ما لم تمنح الأكثرية لعون!
ـ أما في موضوع الانتخابات النيابية فكشف عون أنه فاتح الحريري بقانون جديد للانتخابات النيابية على قاعدة النسبية و13 دائرة (القانون الذي طرحته قوى 8 آذار) ولم يفاتحه بالقانون الأرثوذكسي مثلاً… ربما لأن القانون الأرثوذكسي هو فقط للمزايدات الشعبوية في الداخل المسيحي وليس مشروعاً للإقرار!
ـ وختامها مسك كالعادة مع الجنرال حيث قال: “لن أسمح بأن يبكي المسيحيون مرة ثانية عند انتخاب رئيس، وللمسلمين أقول لا يعتقدنّ أحد أن الوقت لمصلحته”.
ولا بدّ هنا من تذكير الجنرال الذي يحبّ “الذاكرة الحيّة للناس” بأنه هو من يبكي المسيحيين مذ فرضه نظام حافظ الأسد عبر نائبه عبد الحليم خدام قائداً للجيش في العام 1984 ليبني الجيش على قاعدة العداء للقوات اللبنانية، مرورا بالحروب الثلاثة الهوجاء التي شنّها في عامين وكانت قمتها في المحاولة الفاشلة لإلغاء “القوات” في كانون الثاني 1990، فكبّد المسيحيين أكثر من ألفي شهيد ومئات آلاف المهاجرين.
وصاحب “الذاكرة الحيّة” ينسى كيف فرّ من قصر بعبدا في 13 تشرين تاركاً جنوده وضباطه لتتم إما تصفيتهم وإما سوقهم الى سجون البعث حيث تناساهم حتى حين أصبح حليفاً لبشار الأسد ويطالب له بجائزة نوبل!
وصاحب “الذاكرة الحيّة” الحريص على ألا “يبكي المسيحيون” يتناسى أنه تولى دعوة “حزب الله” الى اجتياح المناطق المسيحية، وكيف يصادر هذا الحزب أراضي البطريركية المارونية في لاسا…
وحتى يطمئن بال الجنرال لا بدّ أن يعلم جيداً كم بكي ويبكي المسيحيون منذ 25 أيار الماضي حين غادر الرئيس ميشال سليمان قصر بعبدا من دون أن يسلّم خلفاً له فقط لأن ميشال عون يرفع شعار “أنا أو لا أحد”، هذا الشعار الذي رفعه في 23 أيلول 1988 فقضى على صلاحيات الرئاسة، وما زال المسيحيون خصوصاً واللبنانيون عموماً يدفعون الأثمان بسببه حتى اليوم… زحفاً زحفاً نحو المثالثة!