واحدة من أكثر الأفكار أهمية حول وضع الاقتصاد الأوروبي الآن تأتي من البيانات حسب المناطق الجغرافية في الولايات المتحدة. في كتابهما الرائع “الشركات المثقلة بالديون”، يجد عاطف ميان وأمير سوفي أن المتخفي ظاهرياً على شكل انقباض في الائتمان، هو في الواقع انخفاض في الطلب على القروض. تحليلهما يُضفي الصدقية على فكرة ركود الميزانيات العمومية: الفكرة أن الأسر والشركات المثقلة بالديون لا يهتمان بأسعار الفائدة الرخيصة، لكن يرغبان فقط في التخلص من الرفع المالي. عندما يحدث ذلك، تصبح السياسة النقدية غير فعّالة. لقد رأى ريتشارد كو، من معهد نومورا للأبحاث، الظاهرة نفسها تماماً في اليابان قبل 20 عاماً. ولا تزال أفضل تفسير لما حدث هناك.
يسعى ميان وسوفي لتوفير جواب جزئي لهذا السؤال: لماذا بقي نمو الولايات المتحدة ضعيفاً جداً حتى بعد عمليات تنظيف النظام المصرفي؟ الوضع مماثل في أوروبا، لكنه أسوأ، فهي حتى لم تنجز عمليات التنظيف. لقد استغرقت منطقة اليورو ستة أعوام لتبدأ ما يدعوه البنك المركزي الأوروبي بنوع من التورية “تقييما شاملا”. لكننا لن نعرف النتائج حتى انتهاء الربع الرابع. اختبارات الإجهاد لعامي 2010 و2011 كانت ضعيفة لأنها فشلت في معرفة الأخطار المقبلة. وأتوقع عرضاً أنيقاً بارعاً هذه المرة – انتصار بواسطة برنامج الباوربوينت. وما نعرفه حتى الآن ليس جيداً، مثلا “السيناريو السلبي” يدعو للتفاؤل أكثر من توقعات التضخم الخاصة بالبنك المركزي الأوروبي. لقد استُل الإجهاد من اختبارات الإجهاد.
لكن وفقاً لميان وسوفي، لا شيء من هذا يهم بالقدر الذي نظنه. وجاء موريتز كريمر، من ستاندرد آند بورز، بأدلة مؤيدة الأسبوع الماضي، عندما أجرى الحسابات على ديون القطاع الخاص في أوروبا. تحليله يشبه النسخة الأوروبية من كتاب “الشركات المثقلة بالديون” – لكن أكثر إثارة للخوف. على الأقل، ميان وسوفي وصفا الماضي، لكن كريمر يفسر المستقبل. بالكاد بدأ الأوروبيون التخلص من الرفع المالي. العملية على الأقل بدأت في إسبانيا وإيرلندا، لكنها سوف تستغرق أعواماً وربما عقوداً حتى تنتهي.
لنأخذ البرتغال التي هي على وشك الخروج من برنامج دعمها من آلية الاستقرار الأوروبي وصندوق النقد الدولي. وصلت ديون القطاع الخاص في هذا البلد إلى مستوى قياسيا بلغ 226.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2009. وكانت لا تزال عند 220.4 في المائة مع نهاية عام 2013. وأجرت ستاندرد آند بورز محاكاة يمكن بموجبها أن تنخفض ديون القطاع الخاص في البرتغال إلى 178 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2020.
هذا لا يزال رقماً كبيراً، لكنه قد يكون متفائلاً فوق الحد. تحتاج البرتغال وغيرها من بلدان منطقة اليورو الطرفية إلى التخلص من الرفع المالي وفي الوقت نفسه تخفيض أسعارها لتصبح أكثر قدرة على المنافسة. وما جعل الأمر أصعب بكثير هو أن التضخم في منطقة اليورو كان في تراجع. والتضخم المنخفض يعمل على زيادة القيمة الحقيقية للديون المستقبلية، والحد من القدرة على تخفيض الأسعار.
هل هذا ممكن؟ الإجماع في السوق اليوم يقول نعم: لقد انتهت أزمة منطقة اليورو. كان هناك بعض الاضطرابات في الانتخابات البرلمانية الأوروبية الشهر الماضي، هذا صحيح، لكننا سننجح رغم ذلك سياساً. تخبرنا الاستبيانات أن الشركات الأوروبية أصبحت متفائلة والمستثمرون متحمسون. فغالباً ما أسمع كيف يبدو المزاج العام رائعاً في إسبانيا. كل شيء جيد طالما كانت النهاية جيدة.
المضامين الموجودة في كتاب “الشركات المثقلة بالديون” ودراسة ستاندرد آند بورز هي أن فكرة السوق التقليدية لبيئة ما بعد الأزمة خاطئة تماماً. المسار الأكثر احتمالاً هو فترة طويلة من النمو البطيء، والتضخم المنخفض، وتهديد مستمر بانعدام الملاءة والتمرد السياسي. في حال تمكن القطاع الخاص من تقليص الديون في مثل هذه البيئة، بالتأكيد على المقياس الذي اقترحته ستاندرد آند بورز، سيكون أصعب بكثير وربما أكثر دموية من أي من التعديلات التي شهدناها حتى الآن.
عندما بدأ القطاع الخاص في اليابان التخلص من الرفع المالي في بداية التسعينيات، زادت الحكومة ديونها لامتصاص الصدمة. الأوروبيون فعلوا الشيء نفسه إلى حد ما خلال الأزمة أيضاً. مثلا، كانت إسبانيا قادرة على الحفاظ على عجز كبير، لكن اعتباراً من عام 2016 قيود الميثاق المالي لمنطقة اليورو ستبدأ وستفرض تسارعا في ضبط الأوضاع المالية. وستعمل القواعد المالية الجديدة على تضخيم آثار سداد ديون القطاع الخاص. خلاصة القول هي أن كافة التعديلات ما بعد الأزمة ستكون أكثر وحشية بكثير مما كانت عليه في اليابان قبل 20 عاماً.
في مثل هذه البيئة أتوقع أن يكون رد الفعل السياسي أكثر خطورة. سيقوم مزيد من الأشخاص في المزيد من البلدان بالتشكيك في فوائد الاتحاد الأوروبي وفي اليورو بالتحديد. وحتى لو نجحت جهود التخلص من الرفع المالي اقتصادياً – وهو أمر غير واضح – فقد لا تنجح سياسياً. ما افترضه هو أنه إذا كان على الأوروبيين الاختيار بين التخلص من الرفع المالي والعجز، فإنهم سيتظاهرون بأنهم سيتخذون الخيار الأول وينتهي بهم الأمر إلى الآخر. ومن خلال تقليص عدم الاستقرار السياسي، سينتهي بهم الأمر إلى زيادة عدم الاستقرار المالي. غير أني لست متأكداً من أن المساهمين فهموا المخاطر. ولا يبدو أنهم فهموا الآثار المترتبة على أنظمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة الخاصة بتأسيس نظام جديد مزعج لمن يدفع، وكم يدفع، وبأي ترتيب، عندما يفشل أحد البنوك. عندما تنهار الشركات المُثقلة بالديون، سينهار البيت على المساهمين، وليس دافعي الضرائب.