Site icon IMLebanon

سوق السيارات المُستعمَلة: غُشٌ وإحتيال

سيارات-مستعملة
شادي عواد

لا يُخفى على أحد أنّ الغشّ والاحتيال اللذين يُسيطران على قطاع تجارة السيارات المستعمَلة، بحيث يستورد بعض التجار سيارات مضروبة ومسروقة، وهذا لم يعد بالامر الغريب عليهم لأنهم إعتادوا إهمال دولتهم، وتمرير المخالفات على حساب سلامة المواطن.

يلجأ كُثُر من أصحاب معارض السيارات المستعملة، إلى خداع الزبائن بوسائل إحترافية عالية، أخطرها شراء سيارات تعرَّضت لحوادث إصطدام كبيرة جعلتها غير صالحة للسير في بلد المنشأ، وذلك في محاولة للكسب غير المشروع والسريع، ليجد الزبون نفسه ضحية نصب وخداع كبيرين، يعرّضان سلامته الشخصية وسلامة عائلته وسلامة الآخرين للخطر على الطرق.

فتخيَّل أنك إشتريت سيارة ودفعت كلّ مدّخراتك ثمنها، او أنك قسّطها عبر المصرف متحمّلاً الفوائد والنفقات، لتكتشف لاحقاً، إذا كنت محظوظاً وبقيت على قيد الحياة، أنّها جُمّعت بوصل بين قسمين من سيارتين مختلفتين، أو أنها تعرَّضت لحادث في بلد المنشأ حولها خردة، ومنعت السلطات فيه إستخدامها مجدداً، لأنها تشكل خطراً على ركابها.

وفي ظلّ تبادل التهم ووقف المعاينة الميكانيكية والإهمال في المرفأ، والعودة الى قانون السير القديم، لا تزال هذه السيارت تشقّ طريقها الى الأسواق والمعارض اللبنانية، إمّا بوسائل احتيالية، أو بواسطة طرف ما، أو بغض موظّف ما نظره عنها.

وللتحقق من حقيقة دخول السيارات المصدومة عبر المرفأ، توجّه فريق من «الجمهورية» الى مدخل المرفأ، وتحديداً الى المكان الذي تخرج منه السيارات، لنتفاجأ بعدد من السيارات المصدومة المحمّلة تشق طريقها الى الكاراجات التي تقوم باصلاحها، ليتم بيعها لاحقاً في المعارض. ونقصد بالسيارات المصدومة، تلك التي تلقّت صدمات قوية، حيث لم نتمكن من تحديد نوع السيارة لقوة الحادث الذي كانت قد تعرضت له.

معارض السيارات

في هذا الإطار، يؤكّد رئيس نقابة أصحاب معارض السيارات في جبل لبنان وليد فرنسيس لـ»الجمهورية»، أنّ «نسبة استيراد السيارات المصدومة تبلغ 30 في المئة من حجم سوق تجارة السيارات، ووالمقصود بـ»المصدومة» تلك السيارات التي تعرَّضت لحادث إصطدام قوي خلف اضراراً كبيرة في هيكلها الرئيسي، وجعلها غير صالحة للإستعمال، وصنفتها السلطات في بلد المنشأ في خانة «Salvage»، (اي «انقاض»).

ويوضح فرنسيس أنّ عبارة «Salvage» تعني ثلاث حالات: إما أن تكون السيارة قد تعرَّضت لحادث طاول هيكلها الرئيسي، أو أنّها غرقت في الماء بسبب فيضان أو أي سبب آخر، أو أنّها إحترقت». ويضيف: «عندما تصبح السيارة «Salvage» تسحب من السير، وهو ما يعرف في لبنان بـ»الأنقاض». لكنّ مفهوم «الأنقاض» في لبنان متشعّب ولا يمنع إعادة السيارة الى السير، فيشتريها التاجر اللبناني ويدخلها على أنها «أنقاض» على الطريقة اللبنانية، قبل إعادتها الى السير».

ويلفت فرنسيس إلى أنّ نقابة جبل لبنان «طالبت يوم كان الرئيس فؤاد السنيورة وزيراً للمال، بالتعاون مع نقابة أصحاب معارض السيارات ومستورديها في الجنوب، وبعض أصحاب المعارض الذين تعاونوا معنا من النقابة السابقة في طرابلس وآخرين من البقاع، بإصدار مرسوم يمنع إستيراد سيارات مصدومة في هيكلها الأساسي، وذلك بعد إنتشار هذه الظاهرة التي أثّرت سلباً في سمعة القطاع».

ويكشف أنّ عدداً من مستوردي السيارات المصدومة، «كانوا منتسبين الى النقابة، لكنّ قرار الوزير محمد الصفدي بمنع إدخال السيارات المصدومة في هيكلها الأساسي، وإرساله كتاباً الى مديرية الجمارك يحضها فيه على منع إدخالها الى لبنان، لم يلائم بعض التجار الذين إنفصلوا عن النقابة، وقدموا تبريرات الى المسؤولين، لإعادة السماح بإستيراد السيارات المصدومة. مع العلم أنّ إنذاراً وجّه إلى التجار قبل ستّة أشهر من بدء تنفيذ القرار، بعدم إستيراد مثل هذه السيارات. فإستمهله البعض وطلب تمديد المدة ليتمكن من شحن السيارات التي كان قد إشتراها.

لكن عند التنفيذ، عارض التجار القرار مجدداً، وجالوا على الكتل النيابية من «14 و8 آذار» متوسطين لدى النواب إدخال هذه السيارت التي كانت موجودة في مرفأ بيروت، والبالغ عددها 1500 سيارة، بحجة أنها قد تصدأ، فأُدخِلت وبعدها صدر قرار بإعتماد مركز معاينة في المرفأ لتحديد مدى صلاحية هذه السيارات أو عدمها».

ويوضح فرنسيس أنّ «مركز المعاينة في المرفأ لا يمكنه اكتشاف السيارة التي غرقت أو احترقت، أو تلك التي تعاني مشكلات في تمديداتها الكهربائية»، معتبراً أنّ «العاملين في المركز ليسوا شفّافين، وهم ينفّذون ربما طلبات نافذين، فأدخلوا نحو 2500 سيارة «Salvage» وأعطوها شهادات أنها صالحة للسير. مع العلم أنّ موظفاً غير متخصص في الميكانيك يُمكنه أن يحدّد مدى صلاحية السيارة، ولكنه إذا تلقّى إتصالاً يطالبه بإمرار سيارة معينة، فإنه يمرّرها».

ويعتبر فرنسيس أنّ «لا حاجة الى كلّ هذا الجدل، فيمكن الرجوع الى أوراق السيارة ودفترها الأساسي في بلد الإستيراد، لتحديد ما إذا كانت «Salvage» أم لا، ويمكن الرجوع أيضاً الى الـ»Car Fax» الذي يكشف حقيقة وضع السيارة مئة في المئة». ويشير إلى أنه «بعد توقف المعاينة في المرفأ، وتولّي الجمارك مجدداً الكشف على السيارات المستعملة المستوردة، لا تزال السيارات المصدومة في هيكلها الرئيسي تدخل الى لبنان»، ويطالب الجهات المختصة بـ»متابعة هذا الملف للحدّ من هذه الظاهرة». معتبراً أنّ «الحلّ الوحيد هو بالعودة الى دفتر السيارة الأساس الصادر في بلد المنشأ، فإذا وردت فيه عبارة «Clean Title» فهذا يعني أنّ السيارة صالحة، وإذا كان مختوماً بعبارة «Salvage» يمنع إدخالها البلاد».

ويلفت إلى أنّ عبارة «مصدومة» كانت تُدوَّن في المرفأ على الشهادة الجمركية للسيارة التي تعرّضت لحادث، لكنها أُلغيت منذ نحو خمس سنوات». ويقول: «نرفض استيراد السيارات المصدومة الى لبنان، ونحن كنقابة نحارب هذه الظاهرة لما تشكله من خطر على السلامة العامة»، مشيراً الى مصدر آخر للسيارات المصدومة، وهو أنّ شركات التأمين في لبنان تدفع للمالك ثمن سيارته إذا تعرّضت لحادث «Total Loss»، لكنه ما يلبث أن يبيع هذه السيارة للغير من دون أن يبلغ الى مصلحة تسجيل السيارات أنها باتت ممنوعة من السير، فيتمّ إصلاحها وبيعها مجدداً في السوق».

المعاينة الميكانيكية

من جهته، يؤكد المدير العام لمركز المعاينة الميكانيكية وليد سليمان لـ»الجمهورية» توقّف هذه المعاينة في المرفأ «بسبب توقف تنفيذ قانون السير الجديد والعودة الى القانون القديم»، مشيراً إلى «أننا لسنا مسؤولين عن الموضوع وليس لدينا موظفين هناك».

ومضيفاً: «إلتزمنا طوال فترة المعاينة في المرفأ، المعايير الدولية التي تُحدّد صلاحية السيارات إنطلاقاً من عنصر السلامة، وكنّا نُنفّذ القانون، وكان موظّفون كفوءون ومدرّبون يعاينون السيارة، باستخدام معدّات متطوّرة بتقنية الليزر. فنحن نعمل بمستوى عالمي، وعندما دخلنا الى المرفأ، شكلنا رادعاً للتجار، وأصبحوا يولون وضع السيارة التي يريدون إستيرادها أهمية قصوى».

ويشرح سليمان المعايير المعتمَدة في المعاينة: «إذا كان هيكل السيارة الرئيس متضرراً، لا نعطيها شهادة بأنها صالحة. لكنها تحصل على مثل هذه الشهادة إذا كان هيكلها سليماً، حتى لو تعرّضت لحادث خارجي». ويشير الى «سيارات مصنّفة «Total loss» وعلى الـ»Car fax» مصنّفة «Salvage «. لكن ليس كل ما هو «Salvage» يُعتبر معدوماً.

فثمن تصليح بعض الحوادث في الخارج يكلّف أكثر من ثمن شراء السيارة، عندها تعطي شركات التأمين لمالكها سيارة مماثلة وتصنّف السيارة المصدومة «Salvage» حتى لو كان هيكلها الرئيسي سليماً»، مضيفاً: «لا يعنينا إذا كانت السيارة «Salvage» أم لا، ولا نعتمد على تقارير الـ»Car Fax» التي يمكن تزويرها، فنحن نُخضع السيارة لفحص دقيق، وعلى أساسه نحدّد إذا ما كانت آمنة وإذا ما كان هيكلها سليماً أيضاً أم لا».

وعن الواسطات، يؤكد «أننا نفخر بموظّفينا، ولم يدخل أحد منهم في واسطة، وأتحدّى أن يقول أحد إنّ هناك واسطة»، واصفاً الكلام عن تمرير السيارات، بأنه «فارغ وغير صحيح، فالسلامة أهم معيار في تحديد صلاحية السيارة، ومن المستحيل أن نشهد أمراً مماثلاً. قل لي من هو الشخص الذي يتجرأ ويتّصل بي ليطلب تمرير سيارة في المعاينة وفي المرفأ؟».

في بلد، يختلفون فيه حتى على تحديد معنى كلمة أنقاض «Salvage»، وفي ظلّ الفوضى التي تعمّ قطاع إستيراد السيارات المستعملة ومراقبتها، في المرفأ وفي الداخل، وفي ظلّ إنتشار أساليب الغش والإحتيال والنصب والرشاوى، يبقى المواطن تحت رحمة بعض أصحاب الضمائر المصدومة التي تحتاج الى معاينة «ضميرية»، يجب أن يختم على هويتها عبارة «Salvage».