شهد لبنان خلال العقد الأخير تطورات سياسية وأمنية واقتصادية محلية وإقليمية ودولية، أثّرت في تطوره الاقتصادي والتنموي، ومن أهمها اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005، وحرب تموز 2006 والأزمة المالية العالمية عام 2008، وصولاً إلى التحولات السياسية التي تشهدها المنطقة منذ نهاية العام 2010.
الفترة 2000 – 2004
قبل العام 2005 وخصوصاً منذ منتصف عام 2000 شهد لبنان تطورات اقتصادية جيدة، إذ سجلت معظم المؤشرات تحسناً ملحوظاً وتحديداً بعد الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب. ففي مقابل نسبة نمو حقيقي بلغت 1٫1% عام 2000، بلغ النمو 3٫9% عام 2001 و3٫4% عام 2002 وصولاً الى 1٫7% عام 2003، و5٫06% نهاية 2004. وبذلك، وصل الناتج المحلي الاجمالي للبنان إلى حوالى 21 مليار دولار نهاية عام 2004 مقابل 17٫25 ملياراً عام 2000، كما سجلت الفترة 2000 – 2004 متوسط نمو حقيقياً بلغ 3٫03 سنوياً.
من هنا، بدأت الأوضاع المستقرة جذب المستثمرين، فارتفع الاستثمار خلال هذه الفترة كنسبة من الناتج المحلي من 19٫13% عام 2000 الى 23,05% عام 2004 وليرتفع الاستثمار الأجنبي المباشر من 1٫34 مليار دولار عام 2002 أي 7% من الناتج المحلي الى 2٫86 ملياري دولار عام 2003 (14٫2% من الناتج) وصولاً الى 1٫9 مليار دولار عام 2004 (8٫7% من الناتج). كما شهدت هذه الفترة زيادة ملحوظة في معدلات الادخار والتي زادت كنسبة من الناتج المحلي من 1٫76% عام 2000 الى 7٫15% عام 2004 وبمتوسط سنوي عند 4٫44%، فيما بلغ معدل التضخم 2٫21% عام 2004 مقابل تضخم سلبي عند 1٫61% عام 2000.
أما عجز الموازنة، فقد شهد تراجعاً مستمراً من 4٫08 مليارات دولار عام 2000، الى 3٫65 مليارات عام 2001، و3٫05 مليارات عام 2002، و2٫72 مليارين عام 2003، فالى 2٫08 مليارين عام 2004. وكل ذلك جاء نتيجة للاصلاحات الكبيرة التي شهدتها الموازنة والتي أدت الى تراجع العجز من 23٫63% من الناتج المحلي عام 2000 الى نسبة 9٫93% نهاية عام 2004. وعلى الرغم من الزيادة في عجز الميزان التجاري من 3 مليارات دولار عام 2000 لـ 3٫33 مليارات عام 2004، إلا أن نسبة عذا العجز من الناتج انخفضت من 17٫37% الى 15٫9% لأن نسبة النمو في حجم الاقتصاد فاقت نسبة النمو في هذا العجز خلال تلك الفترة، وأيضاً ساهمت تحويلات غير المقيمين في الحد من العجز في الحساب الجاري بعدما ارتفعت من 2,54 ملياري دولار عام 2002 الى 5,59 مليارات نهاية 2004. والمؤشر الوحيد الذي شهد تدهورا ملحوظا خلال الفترة المذكورة هو حجم الدين العام الذي زاد من 25,2 مليار دولار (146,1% من الناتج المحلي) إلى 35,88 مليارا (171,18% من الناتج المحلي).
الفترة 2005 – 2006
بعد هذا التطور الايجابي حتى نهاية العام 2004، شهد العام 2005 ومن ثم عام 2006 ضغوطا اقتصادية هائلة نتيجة اغتيال الرئيس الحريري في شباط 2005 وحرب تموز 2006، حيث انخفض النمو الحقيقي الى 2,7% عام 2005 ومن ثم الى 1,6% عام 2006 من 5,06% عام 2004. وتدهورت معظم المؤشرات الاقتصادية ومن اهمها ارتفاع الدين العام لـ180,7% من الناتج عام 2005 و185,19 عام 2006. وعلى الرغم من تلك التطورات الخطيرة، زاد الاستثمار الاجنبي المباشر لـ2,62 مليارات عام 2005 و2,67 مليارين عام 2006، فيما انخفضت تحويلات المقيمين عام 2005 لتبلغ 4,92 مليارات دولار وعادت لترتفع الى 5,2 مليارات عام 2006.
الفترة 2007 – 2010
وبانقضاء العام 2006، بدأ لبنان يشهد فترة من التحسن الاقتصادي حتى عام 2008 حين اندلعت الازمة المالية العالمية، والتي استفاد لبنان منها حتى العام 2010 عكس معظم الدول المتقدمة والنامية، فحقق لبنان طفرة اقتصادية غير مسبوقة وارتفاعا في اسعار العقارات وفي ودائع المصرف والتحويلات الخارجية ليبلغ متوسط نمو الفترة 2007 – 2010 حوالى 9,2% (مقابل متوسط نمو 5,06% للفترة 2000 – 2004) في وقت بلغ حجم الناتج المحلي نهاية العام 2010 حوالى 38 مليار دولار في مقابل 21 مليارا نهاية عام 2004 و21,8 مليارا نهاية 2006.
وبالنسبة الى الاستثمار الاجنبي المباشر، بلغت تدفقاته 3,38 مليارات دولار العام 2007، و4,33 مليارات العام 2008، و4,8 مليارات العام 2009، و4,28 مليارات عام 2010، ونتيجة لذلك قفز الاستثمار كنسبة من الناتج الى 38% نهاية العام 2010 في مقابل 23,05% العام 2004 و19,35% العام 2006. وبلغت تحويلات غير المقيمين 5,77 مليارات دولار عام 2007 لترتفع الى 7,18 مليارات دولار عام 2008 و7,56 مليارات عام 2009 ومن ثم تراجعت الى 6,91 مليارات العام 2010.
وفي سياق متصل، شهد مؤشرا عجز الموازنة والدين العام تحسنا ملحوظا بين عامي 2004 و2010. ففيما بلغ العجز 2,71 مليارين عام 2007، استقر على 2,87 مليارين خلال اعوام 2008، 2009 و2010. وادى ضبط العجز هذا الى انخفاض تدريجي في نسبة العجز من الناتج المحلي من 11,04% العام 2007، الى 7,55% عام 2010 بسبب ثبات حجم العجز مقابل زيادة كبيرة في حجم الاقتصاد. اما بالنسبة الى الدين العام، فعلى الرغم من زيادته من 42,03 مليارا العام 2007 الى 52,6 مليار عام 2010، فقد انخفضت نسبته من الناتج المحلي من 185,19% عام 2006 لـ138,39% عام 2010.
الفترة 2011 – 2014
كان لبنان من أكثر الدول تأثراً باندلاع الاضطرابات في عدد من الدول العربية، فمن الضغوط التي واجهتها مصارفه العاملة في كل من مصر وسوريا، الى تراجع تجارة الترانزيت والتصدير براً وصولاً الى انخفاض عدد السياح، وتدفق ما يفوق عن مليون نازح سوري والضغوط التي شكلها هذا الأمر على البنية التحتية. كل ذلك انعكس على اقتصاده، فمقابل نسبة نمو محققة العام 2010 عند 8%، انخفضت لـ2% العام 2011، ولـ1,5% عام 2012 ولـ1% العام 2013 في وقت من المتوقع ان تستقر هذه النسبة عند 1% نهاية السنة الجارية مع ناتج محلي عند 45,49 مليار دولار.
وأيضاً شهد عام 2013 تراجعاً في الحركة السياحية للسنة الثالثة، مع الاشارة الى أن هذا القطاع يساهم في نحو 20% من حجم الناتج المحلي. كما تأثر الاستثمار الاجنبي المباشر بهذه الأحداث، حيث بلغ 3,49 مليارات دولار للعام 2011، و3,68 مليارات دولار للعام 2011، و23,6% العام 2012، و22,46% للعام 2013، ومن المتوقع بلوغه 21,47% في نهاية 2014. في المقابل، حافظت تحويلات المقيمين على ثباتها عامي 2011 و2012 لتبلغ 6,91 مليارات دولار و6,92 مليارات على التوالي، وبعدما بلغ معدل التضخم 6,13% عام 2012، انخفض نتيجة الانكماش الكبير في النشاط التجاري لـ1,31% العام 2013 في وقت من المتوقع أن يرتفع بشكل طفيف ليصل الى 2% نهاية السنة الجارية.
كما تردت أوضاع الموازنة ليبلغ العجز 3,71 مليار دولار عام 2012 (5,92% من الناتح)، و4,19 مليارات العام 2013 (9,45% من الناتج) ومن المتوقع أن يصل الى 5,25 مليارات نهاية العام 2014 (أي 11,53% من الناتج).
أما الدين العام، فقد استمر بالارتفاع بشكل مطّرد من 53,66 مليار دولار العام 2011، الى 57,68 ملياراً العام 2012، فالى 61,9 ملياراً العام 2013. ومن المتوقع ان يستمر في الارتفاع ليبلغ 67,15 مليار دولار في نهاية 2014 أي 147,62% من الناتج المحلي مقابل 133,88% نهاية 2011.
والمؤشر الوحيد الذي ظل محافظاً على ثباته هو الاستقرار النقدي نتيجة للجهود الكبيرة التي يبذلها مصرف لبنان وعمليات الهندسة المالية التي يعتمدها، والتي أدت الى استقرار معدلات الفوائد وسعر صرف الليرة.
استطاع لبنان تجاوز تأثيرات احداث عامي 2005 و2006 نتيجة استفادته من تأثيرات الازمة المالية العالمية ولكن اليوم من غير المرجح ان يتجاوز تأثيرات الأحداث الحالية على النحو ذاته. ومن هنا لا بدّ من التعجيل في إعادة هيكلة الاقتصاد اللبناني وإجراء اصلاح مالي جدّي، والعمل على تنويع مصادر الدخل القومي.
المصدر: اتحاد المصارف العربية
الأمانة العامة – إدارة الدراسات والبحوث