بقلم رولان خاطر
خطأ من ظن أنّ “الانتصار الوهمي” الذي ادعى النظام السوري تحقيقه في القلمون بمساعدة “حزب الله” شكل رادعاً لعمليات التفجير وللمخطط الإجرامي الذي يستهدف الاستقرار الأمني في البلد، ومن الخطأ الغرق في وهم أن هذا النظام العلوي، مدعوماً من بأدوات ايران العسكرية في المنطقة، يعيد وهجه السياسي بسبب بعض التطورات الخجولة في الميدان السوري، ويبعد خطر سقوطه، ويحوّل إيران إلى قوى عظمى تهيب الغرب، وترعب جيرانها في الخليج.
والدليل الأبرز على عدم صدقية روايات النظام السوري و”حزب الله”، هو استهداف عناصر الحزب منذ أكثر من يومين تقريباً في كمين للجيش الحرّ قتل فيه أكثر من أربعين عنصراً من “حزب الله”، وتحديداً في منطقة رنكوس، ما يعيد خلط الأوراق من جديد، ويعيد شبح عودة العمليات الأمنية التي تستهدف الاستقرار اللبناني من جهة، وبعض الشخصيات السياسية من جهة أخرى.
ولعلّ ما جرى حول إلغاء حركة “أمل” لمؤتمرها الذي كان مقرراً في الأونيسكو والذي كان أيضاً من المقرر أن يحضره الرئيس نبيه بري، والتفجير الإرهابي الذي وقع على حاجز لقوى الأمن في ضهر البيدر، والذي على ما يبدو استهدف موكب مدير الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، خلال مروره في المنطقة، إضافة إلى الحراك الأمني في بيروت وجبل لبنان مروراً بالبقاع وصولا إلى الشمال، شكل صورة واضحة لعنوان المرحلة المقبلة، والمخاطر الأمنية الآتية على لبنان، جرّاء الانعكاس السلبي لمشاركة “حزب الله” في القتال السوري، وأخيراً في العراق، وفي مستنقع المنطقة بأكملها، ما يجعل “حزب الله” ومن ورائه إيران، المسبب الرئيس لتعزيز الصراع السني – الشيعي ويمهّد له طريق الدخول إلى لبنان بأقسى صوره وتداعياته.
كما أن المشهد المتفجّر بدأ يرسم معالم صورة جديدة لخارطة المنطقة السياسية، تُظهر اتساع عمق الهوة بين السعودية ودول الخليج مع إيران من جهة، وتلقي الضوء على مواقف واشنطن إزاء ما يجري في المنطقة وخصوصاً الوضع الأمني المستجد في العراق من جهة ثانية.
فرفضُ طهران دعوتي الرياض للجلوس والحوار بشأن خلافات المنطقة، وتحديداً رفض إبعاد نوري المالكي عن السلطة السياسية في العراق، فجّر الإحباط السنّي بوجه التمادي الشيعي عسكرياً وسياسياً في العراق، والذي زاد من خطورة الوضع تدفق الشباب الشيعي تلبية لدعوة السيستاني لمحاربة من وصفهم بالارهابيين، وفتح باب تكوين جيش عراقي رديف مكوّن من قوة شيعية يرأسها المالكي بدعم من بلاد الأئمة، بالتزامن مع نصيحة سعودية للمالكي بعدم معارضتها.
رفض الخليج السُنّي لطموحات إيران التوسعية، جغرافياً، وعقائدياً، وعسكرياً وتحديداً على المستوى النووي، جعل المنطقة ناراً تحت الرماد، وسط انزعاج عربي من مواقف إدارة أوباما الداعية إلى التعاون مع إيران بشأن تطورات المنطقة، ما جعل طهران بطريقة أو بأخرى قوة إقليمية فرضت ذاتها على المسرح الاقليمي والدولي إلى جانب الامتداد السُنّي، علماً انها متهمة من قبل جيرانها بأنها الداعمة الأساسية للحركات الإرهابية والسبب في صمود نظام القتل والإجرام في سوريا.
وما حديث الرئيس الأميركي باراك أوباما بالأمس أن أميركا لن تدعم طائفة ضد أخرى في العراق، إلاّ عنصر واضح على دهاء السياسة الخارجية الأميركية مما يجري في المنطقة ووقفها إلى الحياد، وتعميم هذا المبدأ على مساحة الشرق الأوسط، وترك احتدام الصراع الطائفي في هذه البقعة من العالم، وهذا الواقع، إن دلّ على شيء، فعلى ان المنطقة ذاهبة إلى فيديراليات طائفية، ومذهبية، وإتنية، في موازاة الإبقاء على استمرار نظام القطب الواحد لا بل تفعيله وتحصينه.
المشهد السياسي المربك في المنطقة انعكس إرباكاً على الأمن الإقليمي، ومن تداعياته عودة التفجيرات إلى الساحة اللبنانية، واستيقاظ الخلايا النائمة للمنظمات المتشددة، والتي بدأت القيام بتحركات مباشرة تستهدف قيادات سياسية وأمنية شيعية في لبنان. والتي سنشهد مزيداً من هذه الاستهدافات مع استمرار تورط “حزب الله” في النزاع العسكري في العراق.
وبالتزامن مع هذه التحركات، تحرّك الحديث عن خطورة المخيّمات الفلسطينية، إن عن مسألة النفق الذي ينطلق من برج البراجنة ليصل إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، وإن عن كشف الموساد الاسرائيلي لمخطط اغتيال اللواء عباس ابراهيم والذي أتى التحضير له من المخيمات الفلسطينية، ما يضع لبنان على فوهة بركان إذا انفجر سيصيب كل اللبنانيين، وسينقل البلاد من الفراغ إلى الافراغ.
أما المستفيد الأكبر من هذا الاضطراب الأمني، فهو “حزب الله”، الذي من المتوقع أن يبدأ بالدفع باتجاه التعجيل في مسألة انتخاب رئيس الجمهورية، نظراً لأولوياته الخارجية، فباشر اتصالاته لإيصال رئيس، يكون على مستوى التحدّي الأمني بالنسبة إليه، وفي هذا السياق، بدأت حظوظ العماد جان قهوجي ترتفع، وهو مرشح، لا مشكلة لحزب الله معه.
هذا الواقع، يؤكد ان عملية التسوية على خط الرئاسة بدأت تنضج، الأمر الذي سيؤثر معنوياً على حليفه المسيحي العماد ميشال عون، الذي سيقضي الحزب على كل آماله بالوصول إلى القصر الرئاسي، وسيدفع عون مرة جديدة ثمن التسوية الذي سيقوم بها “حزب الله” لإراحة وضعه الداخلي.