المصافي الأكثر تضرراً في أوروبا على وشك أن تعاني مزيدا من الألم. الارتفاع الحاد في أحجام التكرير الروسية رفع الصادرات من وقود الديزل إلى مستويات قياسية جديدة، وأوجد وفرة في العرض تهدد بإلحاق خسائر فادحة بالمصافي الأوروبية.
ولأن روسيا تعتمد على عائدات صناعة النفط، جعلها ذلك تشرع في رفع مستوى مصافيها المدعومة من الحكومة لاستخلاص المزيد من القيمة من كل برميل.
وعززت عشرات المليارات من الدولارات التي أنفقت في السنوات الأخيرة على إصلاح المصافي المبنية في الحقبة السوفياتية، من إنتاج نوعيات أعلى من الوقود. والآن هناك فائض من الديزل ذي النوعية الأفضل يقف على أعتاب أوروبا. ويمكن أن تكون نتيجة ذلك هي إجراء تقليص في عمليات تشغيل المصافي، وحتى إغلاق المعامل، وفقدان الوظائف في جميع أنحاء القارة.
ويقول فيرينك هورفاث، وهو تنفيذي في مجموعة مول MOL في المجر، إن “تراجع الطلب المحلي الذي يقترن مع فائض الطاقة الإنتاجية تسببا في ضرر كبير في الوقت الذي سجلت فيه أوقات تشغيل المصافي في أوروبا خلال الصيف الماضي أدنى مستوياتها منذ 32 عاما”.
ويضيف هورفاث محذرا: “دون برامج ترشيد للطاقة، سيستمر قطاع التكرير الأوروبي في المعاناة (…) خاصة إذا أخذنا في الحسبان الواردات الإضافية الآتية من روسيا والولايات المتحدة وقدرات التكرير الجديدة في الشرق الأوسط”.
وأغلقت مول مصفاة تكرير طاقتها 55 ألف برميل في اليوم في شمال إيطاليا، وتواجه محطتان في كرواتيا خطر الإغلاق. كذلك أغلقت إيني الإيطالية وكومبانيا إسبانبولا دي بتروليوس الإسبانية عدة معامل للتكرير في العام الماضي.
وقفز إنتاج زيت الوقود الروسي الذي يعتبر الديزل أحد مكوناته، بنسبة 9.5 في المائة ليبلغ 1.63 مليون برميل خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، مقارنة بعام 2013، وفقا لوزارة الطاقة الروسية.
وبعد عقود من كونها معروفة بالمنتجات ذات الجودة المتدنية، برزت روسيا العام الماضي منتجا ومصدرا كبيرا لوقود الديزل الخالي من الكبريت بنسبة كبيرة للغاية، المعروف بـ ULSD، الذي يؤدي إلى احتراق أنظف في محركات السيارات، ويعتبر المعيار للسائقين الأوروبيين. اقترب الإنتاج من نصف مليون برميل يوميا، أي ضعف معدله عام 2012، وفقا لشركة إنرجي آسبكتس الاستشارية. ومن المتوقع تحقيق المزيد من النمو في إنتاج ULSD، بحيث يصل إلى 1.1 مليون برميل يومياً بحلول عام 2016، وهو ما يعادل أقل من ثلثي إنتاج الديزل الروسي. وفي حين أن جزءاً منه يباع للاستخدام الداخلي لعدد متزايد من السيارات الروسية، يخصص معظم الديزل من نوع ULSD للتصدير. وبالنسبة للمصافي الأوروبية، فهي تعاني كثيرا من تراجع الطلب والطاقة المفرطة وسلسلة من الإغلاقات لسنوات. وبالتالي، فإن تخمة من وقود الديزل الروسي قد تقلص المزيد من الهوامش.
وقبل ست سنوات كانت أسعار النفط تحوم حول عشرة دولارات للبرميل، وفقا لمؤسسة استشارات الطاقة JBC، لكن في الوقت الحاضر أخذت بعض المصافي تفقد المال. وارتفع إجمالي الصادرات الروسية من الديزل 7 في المائة في العام على أساس سنوي، أي ما يقل قليلا عن 900 ألف برميل يوميا في بعض الموانئ الرئيسة في البلاد. وكان ثلث الشحنات عبارة عن ديزل ULSD، الذي انتقل الجزء الأكبر منه عبر منفذ بريمورسك على بحر البلطيق إلى شمالي أوروبا.
ويقول روبرت كامبل، من إنرجي آسبكت: “تعاني أوروبا نقصا في وقود الديزل من الناحية الهيكلية ولفترة طويلة كانوا يتمتعون بالحماية”. ويضيف، مشيرا إلى تراجع الطلب على البنزين في الولايات المتحدة وسط ثورة الطاقة المحلية لديها: “لكن الآن هناك كثير من العرض من ديزل ULSD العالي الجودة، جنباً إلى جنب مع زيت الوقود والبنزين. وكانوا أصلاً يعانون مشاكل فيهما”. ويتابع: “أحد الأرجل التي كانت تستند عليها المصافي الأوروبية تم قطعها. لم تعد الخسائر مستدامة”. تاريخياً، كانت المصافي الأوروبية محمية من المنافسة الروسية، حتى مع قدوم المزيد من المخزونات من الولايات المتحدة والشرق الأوسط وآسيا. وحافظت الشركات على الربحية حين كانت القارة تستورد النفط من روسيا الذي كان يحتوي على معدلات مرتفعة من الكبريت، قبل إجراء المزيد من عمليات تكريره وبيعه.
لكن حين التزمت روسيا بالمواصفات الأوروبية التي تقتضي الحد الأقل من الكبريت، كانت روسيا قادرة على إغراق القارة بالديزل العالي المستوى. وبين عامي 2008 و2013 انخفضت طاقة التكرير الأوروبية بنسبة 8 في المائة وضاعت 50 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، وفقاً لمجموعة الصناعة Fuels- Europe. وفاقمت الزيادات في الطاقة الإنتاجية في آسيا والشرق الأوسط من الضغوط التنافسية.
ويعني ارتفاع أسعار النفط الخام إلى نحو 110 دولارات للبرميل، واقتران ذلك مع هوامش تكرير الديزل المنخفضة جدا– التي هي في العادة مولد الربح الرئيس- أن احتمال إغلاق المزيد من المصافي الأوروبية أمر متوقع. وانخفضت عمليات التشغيل، ومن المتوقع انخفاض كمية الخام في الفترة الواقعة بين حزيران (يونيو) وآب (أغسطس) بنسبة 9 في المائة، لتهبط إلى 11.5 مليون برميل يومياً، وفقا لمؤسسة JBC للطاقة. والشحنات المرتفعة من المنتج المكرر الآتي من روسيا إلى أوروبا جاءت على حساب صادرات النفط الخام.
وعلى الرغم من أن بعض المحللين يشككون في استدامة الطلب، إلا أن إدخال نظام جديد على رسوم تصدير النفط- التي أدت إلى تسريع وتيرة تحديث المصافي في روسيا– لن يكون من شأنه إلا المحافظة على ربحية وقود الديزل.
والرسوم الجمركية على الديزل، وهي أدنى من رسوم البنزين، تشعل فتيل كميات أكبر من الإنتاج والصادرات، ولن يكون أمام روسيا سوى زيادة حصتها السوقية في أوروبا على حساب الشركات المنافسة المحلية والأجنبية، كما يقول ألكساندر بويجل، المحلل لدى JBC للطاقة.