قلائل هم الناس الذين يتحلون بالشجاعة لبدء مشروع بعيد تخرجهم من الجامعة ويملكون الرؤية والإرادة للوصول به إلى النجاح. ناتالي حداد هي أحد هؤلاء الأشخاص التي آمنت برؤيةٍ وأطلقت مشروع “رايت بايت” المتخصص بتقديم استشارات خبيرة في التغذية وتوصيل الوجبات الصحية في دبي عام 2004. خلال عشرة أعوام، استطاعت أن تحافظ على نمو مستمر وانتشار واسع ونشر علامتها التجارية وضمان مركزها في سوقٍ يعج بالمنافسة الشرسة.
بداية متواضعة
نشأت وترعرعت ناتالي حداد في أبو ظبي وأكملت تحصيلها الجامعي بحصولها على درجة بكالوريوس العلوم في التغذية السريرية والحِميات من الجامعة الأمريكية في العاصمة اللبنانية بيروت ثم حازت على شهادة الماجيستر من جامعة ماكجيل في كندا. بعد إنهائها دراستها الجامعة عام 2002، عادت إلى الإمارات حيث استقرت في دبي وبدأت العمل كأخصائية تغذية في عيادة الدكتور روجر عقل الطبية لمدة سنتين.
من خلال تقديم الاستشارات الطبية لمرضاها وتواجدها مع أصدقائها في دبي، لاحظت حداد وجود طلب كبير على الأكل الصحي. عندها بدأت تستشير محيطها وتسألهم آرائهم حول إطلاق مشروع هدفه تشجيع على مفهوم نمط الحياة الصحي من خلال تقديم وجبات صحية متخصصة وتوصيلها إلى العملاء بحسب متطلباتهم الفردية. حصلت على الدعم المطلوب والتشجيع لبدء المشروع من مرضاها وعائلتها وأصدقائها.
في عام 2004، بدأت حداد مشروع “رايت بايت” (Right Bite) على نطاق ضيق. فقدمت لها العيادة غرفة صغيرة لتقوم باستشاراتها خلال النهار. أما خلال ساعات الليل، قامت بالاستعانة بمطابخ خارجية وشركات متعهدة بتقديم الطعام حيث كانت تشرف على طريقة تحضير الطعام وعمليات التوضيب. وفي هذه المرحلة كان فريقها متواضع جداً يتألف من طاهي وموظف إداري وموظف خدمة العملاء وسائق توصيل. وترى حداد أن زبائنها لعبوا دوراً كبيراً في قرارها وساعدوها على تجسيد فكرتها بشكل أفضل وساهموا بإطلاق رايت بايت ليس من خلال تقديم الدعم المعنوي فحسب بل من خلال تواجدهم في المرحلة التجريبية وحضور جلسات التذوق وتجربة الأطباق التي كانت تعدها قبل الإطلاق الرسمي
التوسع وتطوير الخدمات
لم تقم حداد بأي حملات إعلانية لتسويق رايت بايت ففي ذلك الوقت لم تكن تملك الموارد الكافية للقيام بذلك إلا أن التزكيات والتوصيات الشخصية من زبائنها تكفلت بلفت الأنظار إلى منتجاتها. ومع مرور الوقت وزيادة الطلب على خدمات رايت بايت، قررت حداد ترك وظيفتها في العيادة والتفرغ بالكامل لمشروعها. فقامت بإنشاء مطبخ مركزي خاص بشركتها مما أعطاها حرية ومرونة وقدرة أكبر على التحكم بنوعية وتنوع المنتجات التي تقدمها.
وخلال عشرة أعوام، توسع مركز رايت بايت مع أكثر من 115 موظف من أخصائيين تغذية إلى طباخين وموظفي التوصيل وقسم المعلوماتية وقسم المشتريات وقسم الموارد البشرية وغيرها. ويتخصص المركز، الذي حافظ على معدل نمو سنوي بنسبة 10% خلال سنواته العشرة، في تقديم استشارات خبيرة في التغذية وتوصيل الوجبات الصحية. وقد توسعت به حداد ليشمل برامج فقدان واكتساب الوزن، والتغذية الصحيحة الخاصة بمرضى السكري وأمراض القلب والسيدات خلال فترة الحمل وحالات السمنة عند الأطفال.
وتقول حداد:” لا أستطيع أن أصدق أن عشرة أعوام قد مضت منذ بدأنا رايت بايت. عندما أصادف أشخاص جدد يخبروني بما يعرفون عن الشركة، أشعر بالرهبة والغبط. فعندما تكون مشغول بالأعمال اليومية، لا تسنح لك الفرصة لأن ترى ما حققت خلال الأعوام التي مضت. ولكن هؤلاء الأشخاص يرون الشركة من منظور آخر، وعند سماعي ما لديهم أستطيع مراجعة كل الإنجازات التي قمنا بها. من الضروري جداً أن نتوقف كل حين لنرى أي أصبحنا وننطلق من هذه النقطة لدراسة خطوتنا القادمة.”
ناتالي كافيه
في عام 2010، قررت حداد إرسال بعض الوجبات المختارة من سلطات وسندويشات وغيرها بشكل يومي إلى عدة مواقع حول الإمارات. إحدى هذه المواقع كان مبنى “توفور 54″ (Twofour 54) في أبو ظبي. وخلال عامين، كان هناك إقبال كبير على هذه الوجبات مما دفع المؤسسة إلى إطلاق مقهى متخصص بتقديم وجبات معدّة من مكونات قليلة الدسم ودقيق القمح الكامل وحلويات خالية من المحليات الصناعية والمواد الحافظة.
وتقول حداد:” أحد أهم التحديات التي تواجه الأفراد الذين يريدون الحفاظ على نمط حياة صحي هي الرغبة بتناول الحلويات. ويشعرون بالذنب عند تناولهم هذه الوجبات الدسمة أو بالخيبة إن تناولوا الحلويات المنخفضة الدسم لأنها غالباً ما تكون قليلة النكهة أيضاً. ومن هنا، استطعنا إيجاد يرضي الجميع حيث قام الطهاة في ناتالي كافيه بتطوير أفضل الوصفات التي تقدم الحلويات الصحية التي تتميز بنكهة شهية في الوقت ذاته.”
هذه الخطوة فتحت فرصة عمل جديدة لـ “رايت بايت” حيث أصبح بإمكانهم أن يوصلوا مفهوم الأكل الصحي لعدد أكبر من الناس. وفي حين كانت الخدمة الأساسية الذي يقدمها المركز محصورة بالأشخاص الذين اشتركوا بالبرنامج الصحي إلا أن ناتالي كافيه يستطيع الوصول إلى الجميع. وبعد مرور عامين على إطلاق المقهى في أبو ظبي، أصبحت حداد مستعدة لإطلاق فرع ثاني في دبي الذي سيتم افتتاحه في سبتمبر من هذا العام.
رايت بايت الآن
تعتبر دبي من أكثر المدن المتنوعة ديمغرافياً في العالم نظراً لوجود عدد كبير من الوافدين الذين يشكلون أكثر من 80% من مجموع السكان في الإمارة. وهذا التنوع الديمغرافي ينعكس بشكل كبير على صناعة الأغذية والمشروبات حيث شهدت دبي في الآونة الأخيرة طفرةً كبير في عالم المطاعم. كما يقدر متوسط العمر في إمارة دبي بحوالي 27 عاماً. وهؤلاء الأشخاص معظمهم موظفين يشغلون وظائف بدوام كامل ويعيشون حياة ذات إيقاع سريع مما يجعل خدمات التوصيل الحل الأمثل لهم حيث لا يتوفر لديهم الوقت للقيام بتحضير وجباتهم اليومية.
وقد أظهرت دراسة إحصائية أن نصف سكان الإمارات العربية المتحدة يعتمدون على الوجبات الجاهزة منذ العام 2009. ويشير الخبراء في مجال الصناعة المحلية إلى تضاعف عائدات خدمة توصيل الطعام بين سنة وأخرى. ويؤدي كل هذا التسارع إلى اعتماد المستهلك على مصادر غير صحية لغذائه. ورافقت هذه الطفرة المحلية توجه عالمي نحو زيادة الوعي حول الحساسيات من الأطعمة والذي نتج عنه طلب كبير على الأطعمة الصحية والعضوية وغيرها.
ومن هنا، قررت حداد إطلاق خدمة “رايت بايت الآن” لملء هذا الفراغ. وتتيح هذه الخدمة الجديدة فرصة الحصول على وجبات جاهزة وصحية التي تُغني عن خيارات الطعام الغير صحي. وتقول حداد:” إن هدفنا تأمين سهولة الوصول إلى الطعام الصحي. فإن كنت تقضي وقتك مع الأصدقاء وأرادوا هؤلاء طلب توصيل الطعام، هذا لا يعني أنك لا تستطيع أن تحافظ على نظامك الصحي خلال استمتاعك بوقت مع أصدقائك. بل يمكنك طلب الوجبة التي تناسبك بدل من أن تضطر إلى تناول الوجبات السريعة المضرة.” وتمثل هذه الخدمة الحل الصحي الأمثل للأشخاص الذين يمضون ساعات النهار منشغلين بإنجاز أعمالهم المتراكمة ويعتمدون في غذائهم على الوجبات الجاهزة. وتسمح للجميع بفرصة الاستمتاع بنمط غذائي صحي متوازن دون الحاجة للالتزام ببرامج غذائية متخصصة.
المنافسة
ومع انتشار الشركات التي تقدم خدمات مشابهة لتلك التي يقدمها مركز رايت بايت، لا تشعر ناتالي أن هناك أي خطر من المنافسة فهذه المنافسة تثبت قوة شركتها التي استطاعت خلال الأعوام الماضية أن تضمن مركزها في السوق من خلال تنوع الخيارات والأطباق والخدمة المميزة والعروض المختلفة التي تتوجه إلى جميع الفئات العمرية والتي تأخذ بعين الاعتبار كل الاحتياجات الغذائية والصحية. وتقول: “هناك العديد من الأشخاص الذين اختاروا أن يستغنوا عن خدماتنا لسبب أو لآخر ثم ما لبسوا أن عادوا إلينا حيث أدركوا أن رايت بايت يعتمد على إتباع أفضل الممارسات في عالم التغذية ويستخدم أفضل المكونات.”
تحديات الإدارة
تعتبر ناتالي أن نجاح الشركات يأتي من نجاح الفريق لذلك فإن التحدي الحقيقي هو باختيار الأفراد الذين يستطيعون أن يحسنوا وأن يطوروا الشركة ويساهموا في نجاحها ونموها. كما تعتقد أن أصعب جانب في إدارة الأعمال هو إدارة العنصر البشري خاصةً مع وجود فريقٍ متنوع ومتعدد الجنسيات. وقد قامت خلال السنوات الماضية بالقيام بإدارة الشركة وتقديم الاستشارات ولكنها أدركت أنها لا تستطيع أن تقوم بالعملين معاً وأن تتقنهما ورغم تعلقها الكبير بمرضاها إلا أنها قررت التفرغ بالكامل لإدارة المركز والتركيز على عمليات التوسع والتطوير.” وتقول: “إن أهم الدروس التي تعلمتها خلال السنوات الماضية هي أن أثق بفريقي وأن أقوم بتوزيع المهام عوضاً عن القيام بكل شيء. لقد أدركت أهمية العمل الفريقي وأن أسلوب الإدارة التفصيلية (Micromanagement) لا ينفع خاصةً مع نمو الشركة بخطى سريعة في الآونة الأخيرة. من الصعب جداً التخلي عن مسؤولياتٍ معينة حيث تعتقد حينها أنك الوحيد الذي يستطيع بالقيام بها بالشكل الصحيح إلا أن الحقيقة هي أفراد فريقك يستطيعون تحقيق الكثير وربما قد يتفوقون عليك في تأدية بعض المهام.”