محمد وهبة
كانت التوقعات تشير إلى موسم صيف واعد، فجاءت أحداث يوم الجمعة الماضي لتحوّلها إلى رعب أفرغ الشوارع. في موازاة ذلك، لم تنتظر وزارة الخارجية الإماراتية اتضاح الصورة حتى طلبت من رعاياها مغادرة لبنان. برغم ذلك، لم يصبح المشهد مأساوياً وفق توصيف العاملين في مجال السياحة!
لم يكد ينطلق موسم الصيف حتى تدهور الوضع الأمني. يوم كامل من الرعب المتنقل بين بيروت وضهر البيدر أرخى بظلاله على الآمال الموعودة بموسم واعد. يوم الجمعة الماضي لم يكن عادياً في لبنان، ولا على العاملين في السياحة، فأحداثه أقفلت الأبواب أمام العبور من مرحلة الأزمة، التي أصبح عمرها ثلاث سنوات، نحو مرحلة جديدة «وردية» لوّحت بدايتها مع رفع الحظر السعودي عن السفر إلى لبنان قبل نحو شهر.
انفجار في ضهر البيدر. مداهمات في أحد الفنادق في الحمرا بحثاً عن مطلوبين خطرين. الغاء احتفال لحركة أمل في قصر الأونيسكو. إقفال طرقات… هكذا كان المشهد صبيحة يوم الجمعة الماضي. بعد ظهر اليوم نفسه، انقلب مشهد الرعب هذا إلى فراغ في شوارع العاصمة. الناس ركنوا إلى منازلهم وتركوا الرعب في الشوارع. السيّاح لم يكونوا أفضل حالاً. ففي مثل هذه الحالات التي اعتادها اللبنانيون، أو على الأقل لم تعد تفاجئهم بمقدار ما ترعبهم، يصاب السياح بهستيريا الهروب. لا يعنيهم ما يحصل في خلفياته، ولا في تفسيراته وتحليلاته، كل أملهم ينصبّ نحو المغادرة، أو الغاء حجوزاتهم. 10% من حركة الشقق المفروشة ألغيت خلال يوم واحد، وفق ما يقول رئيس نقابة الشقق المفروشة زياد اللبّان. ففي الأسبوع الماضي، كانت نسبة الحجوزات في الشقق المفروشة في بيروت تبلغ 50%، لكنها اليوم لا تتجاوز 40%. ويؤكد اللبّان أن «معظم الزوار من جنسيات عراقية وسورية، اضافة الى المغتربين اللبنانيين. وعندما تدهور الوضع يوم الجمعة، ألغى بعضهم إقامته في لبنان وغادر سريعاً، وبعضهم ألغى حجوزاته، ومنهم من لم يأت».
يأتي هذا المشهد، بعد ثلاث سنوات من المقاطعة الخليجية المستترة والمعلنة. ففي السنة الأخيرة، تحوّلت هذه المقاطعة إلى العلن، لكن كان يفترض أن هذه المرحلة انتهت مع عودة السفير السعودي إلى لبنان قبل نحو شهر، وإطلاقه تصريحات إيجابية عن الأوضاع الأمنية في لبنان. ولعلّ الأمر اتخذ منحى جدياً بعد الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة تمام سلام إلى السعودية. فعند هذه النقطة، أخذت الانطلاقة الإيجابية تظهر في الترجمة العملية، فارتفعت نسبة التفاؤلات بصيف واعد يستضيف السياح الخليجيين في نهاية شهر رمضان، ويشجّع المغتربين على زيارة لبنان. غير أن باب الأمل بهذه التوقعات أقفل مع انفجار ضهر البيدر، ومداهمات الفنادق في الحمرا، والبحث عن ارهابيين متخفين بصفة سيّاح. هذا الوضع عزّز الكلام المتزايد عن رغبة «داعش» في القيام بأعمال ارهابية في أي منطقة في لبنان، وخصوصاً بعدما أثيرت مخاوف أمنية عن استهداف مستشفيات في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت.
برغم كل ذلك، لم يتحوّل المشهد السياحي إلى مأساوي بعد، وإن لم تتوقف تداعيات يوم الجمعة. هناك من يراهن على أن يكون الأمر بمثابة عارض عابر. فبحسب المدير العام لفندق ريفييرا نزار ألوف «لم نشهد أي الغاء للحجوزات في الفنادق. هناك من يسأل ويحصل على إجابة إيجابية عن الأوضاع التي نقول إنها عابرة. أحداث يوم الجمعة لم تحظ باهتمام خارجي مماثل لما حصل في لبنان. وفي هذا الوقت بالذات، لم تكن هناك حجوزات خليجية، لأن الرعايا العرب يأتون إلى لبنان في نهاية شهر رمضان، ويشاهدون مباريات المونديال في بلادهم. وهؤلاء لا يجرون أي حجوزات لزيارة لبنان قبل فترة طويلة، ففي الحدّ الأقصى تبعد حجوزاتهم عن زيارتهم 10 أيام، لذلك لم نر اي الغاء للحجوزات من قبل السياح العرب».
اللهجة التفاؤلية التي يتحدث عنها ألوف مختلفة جذرياً عن رؤية وزارة الخارجية الإماراتية. فهذه الأخيرة أصدرت بياناً «أهابت فيه، مجدداً، بمواطني الدولة بعدم السفر في الوقت الحاضر إلى الجمهورية اللبنانية، وذلك نظراً إلى الأحداث الأخيرة والأوضاع الأمنية المضطربة». وقد نشر الموقع الالكتروني للسفارة، تصريحاً للقائم بالأعمال في سفارة الإمارات لدى لبنان حمد محمد الجنيبي، يشير فيه إلى أنه «على مواطني الدولة الموجودين حالياً في لبنان المغادرة فوراً من خلال التواصل والتنسيق مع سفارة الدولة في بيروت لتسهيل عملية المغادرة على الأرقام التالية: 0096118570000 أو التواصل مع إدارة العمليات في وزارة الخارجية على الرقم التالي: 024449600، وأن هذا التحذير يأتي من حرص وزارة الخارجية على مواطني الدولة وسلامتهم في الخارج». كذلك دعا الجنيبي إلى «ضرورة الالتزام التام بهذا البيان إلى حين صدور إشعار آخر، وأخذ الحيطة والحذر والتسجيل في خدمة تواجدي والاطلاع على إرشادات ونصائح السفر على الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية www.mofa.gov.ae أو تطبيقات الأجهزة الذكية للوزارة».
موقف الإمارات واضح في بيان وزارة الخارجية. البيان يتحدث عن مغادرة لبنان فوراً، لكن حالة القلق في لبنان لا تزال حذرة نوعاً ما، فبحسب رئيس نقابة المطاعم والمقاهي في لبنان بول عريس، مشهد الرعب انكشف في «أول الموسم، لكن ما حصل جاء في وقت لا يكون فيه السياح العرب في لبنان. ننتظر لنرى ما يمكن أن يكون الوضع عليه خلال الأيام المقبلة. مطاعم الحمرا تأثرت سلباً بما يحصل، لكن المطاعم التي تقع خارج هذا المحيط لم تتأثرّ بالدرجة نفسها، علماً بأن مصدر نشاطها لا يزال يقتصر حالياً على الطلب الداخلي». ويشير عريس إلى أن معرفة التأثيرات في المغتربين وفي السياح العرب يجب أن توضح الصورة خلال الأيام المقبلة.
وفي الواقع، فإن حالة الترقّب والانتظار التي تغلب على المشهد اللبناني هي في انتظار موقف ما من الدول الخليجية، التي يعدّ رعاياها من أهم مصادر السياحة في لبنان، لكن اعتياد المؤسسات السياحية غياب السياح الخليجيين، دفعها نحو التأقلم مع هذه الأوضاع، فذهب بعضها نحو صرف عمّاله والتخفيف من أكلافه، فيما قرّر البعض الآخر افتتاح مؤسسات خارج لبنان… هذا يعني أن المؤسسات اللبنانية اعتادت هذا النوع من الأزمات، لكن اشتداد الأزمة سيصبح أقوى إذا غاب المغتربون عن لبنان هذه السنة.