رائد الخطيب
الكهرباء في خطر كبير. لم يعد الأمر توصيفاً بل واقعاً معيوشاً يجمعُ عليه اللبنانيون، بمن فيهم الطبقة السياسية، التي بيدها مفتاحا الحل والعقد، لمنع انسداد الأفق نهائياً، من خلال توافق الاطراف السياسيين على مبادرة واحدة تنقذ القطاع الحيوي، بعدما بات عدد الخطط والدراسات الموضوعة للقطاع دليلاً على العجز أكثر منهُ على الحل.
وأعادت ندوة «انقاذ الخزينة وقطاع الكهرباء» في مجلس النواب التي نظمتها لجنة الأشغال والطاقة، أمس، رسم المشهد المأسوي للقطاع مع تنبؤات كثيرة بامكان ارتفاع الفاتورة سنة بعد سنة مع النزوح المستمر للنازحين السوريين الى لبنان، وتوقف الاستثمار في القطاع، ومع الثبات على تعرفة كهرباء «مؤذية». فيما تشير التقديرات الى ان عجز الكهرباء المتراكم يشكل نحو 40 في المئة من الدين العام، ومن المتوقع ان يصل الى الخمسين في المئة من عجز الخزينة في الاعوام المقبلة، يقابله احتمال بزيادة الطلب على الاستهلاك 2000 ميغاوات اضافية في 2018، علما المتوافر الآن هو 1500 ميغاوات مع عجز على الطلب يبلغ نحو 1100 ميغاوات.
الكلمات والمداخلات التي ألقاها الوزراء والنواب والخبراء، أجمعت على تنامي أعباء الكهرباء على الخزينة من جراء الدعم المتواصل لها، والذي بات يشكل 4 -5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و15 في المئة من النفقات العامة (وفقا لتقديرات البنك الدولي)، ومع اعتبار أكثر من 75 في المئة من المؤسسات اللبنانية تشكل الكهرباء العائق الأساسي أمام تنفيذ العمليات التجارية والقدرة التنافسية فيها. كما أن فاتورة كهرباء المنازل باتت بحدود 1300 دولار سنوياً معظمها يذهب الى المولدات الخاصة التي باتت تضاهي بحجمها حجم مؤسسة كهرباء لبنان، لجهة الانتاج.
كما دعت الكلمات الى اعتماد الغاز الطبيعي والمسيل لخفض فاتورة معامل الديزل والفيول أويل، والى الاسراع في الاستثمار في مشاريع جديدة لتوليد الطاقة، والى ضبط فاتورة الكهرباء من خلال إجراء تعديلات جذرية على التعرفة دون المساس بأصحاب الدخل المحدود والفقراء.
وتحدث في الندوة، التي افتتحت أعمالها صباح أمس في مجلس النواب، رئيس المجلس نبيه بري، ممثلاً بالنائب محمد قباني، فاعتبر ان «الكل يعلم العلاقة بين اوضاع الخزينة وواقع قطاع الكهرباء الذي يشكل الجزء الاكبر من عجزنا وبالتالي من مجمل الاستدانة»، مشيرا الى أن «المجلس يعطي لقطاع الكهرباء اهتماما خاصا سواء لاصدار قوانين او لتشكيل هيئة تنظيم قطاع الكهرباء». وأوضح اننا «سنعمل على صياغة واصدار قانون حفظ الطاقة في اقرب فرصة ممكنة»، مؤكدا «الحرص على احترام القوانين والتقيد بتنفيذها وتنفيذ مشاريع قطاع الكهرباء».
نظريان
بعده، تحدث وزير الطاقة أرتور نظريان، فأكد ان «الاستثمارات في قطاع الانتاج ستزيد ساعات التغذية. ولم يتأخر طابوريان، في التذكير بأن الورشة تعقد اليوم بعد مرور أربع سنوات على إقرار ورقة سياسة قطاع الكهرباء، التي تضمنت حلاً متكاملاً لإنقاذ القطاع وتحويله قطاعاً منتجاً يدرّ الاموال على الخزينة بدلاً من كونه مصدر عجز مزمن»، معتبراً إياها حلاً أمثل، وبالتالي فإن الأمر لا يتطلب إلا صدق النيات والارادة، لافتاً الى أن مولدات الكهرباء الخاصة تفوق تكلفتها ثلاثة أضعاف القيمة المفوترة من كهرباء لبنان.
وكرر طابوريان ما لفت إليه الآخرون حول مضاعفة أزمة النازحين السوريين على موضوع الكهرباء، معدداً ما تقوم به الوزارة «انجاز مناقصات خطة طوارئ للكهرباء، بحيث شارف معملا الزوق والجية الجديدان على الإنتهاء، وقد تم البدء بتنفيذ معمل دير عمار الجديد، الانتهاء من دراسة الجدوى لمشاريع إنتاج الطاقة من القطاع الخاص ونحن بصدد إستكمال الدراسات اللازمة لإطلاق المناقصات اللازمة لزيادة 1500 ميغاواط تنفيذاً لورقة سياسة القطاع. انجاز مناقصات خطوط ومحطات النقل، وبدأنا بتنفيذ معظمها وهي مشاريع ضرورية لتصريف الإنتاج الذي يكون متصاعداً بفعل وضع المعامل الجديدة على الشبكة. ان مباشرة شركات مقدمي الخدمات الفائزة في المناقصة الدولية، بتنفيذ شبكة ذكية من شأنها أن تمكننا من تأمين الكهرباء 24/24 حتى قبل إكتمال معامل الإنتاج ووضعها كلياً على الشبكة، كما حصر الهدر التقني وغير التقني، وذلك بفعل الإدارة الذكية للشبكة». لكنه ختم بأن «الواقع التكنولوجي المتقدم، الحلم الذي وصلت إليه شبكتنا ينغصه بالمقابل تدني الجباية في بعض المناطق وتقاعس القوى الرسمية والتسليم للأمر الواقع ما يزيد العجز سوءاً».
وزير المالية
اما وزير المالية علي حسن خليل، فلفت الى «اعادة النظر جديا بتعرفة الكهرباء بما لا يطال ذوي الدخل المحدود يعني ان تتم مراعاة الطبقات التي لا يمكن ان تتحمل زيادة عالية بالتكلفة على الاقل للمستهلكين بين 1 ك/ط و 500 ك/ط، وان تبقى التعرفة كما هي وان تعدل لما يزيد عن 500 ك/ط»، معتبرا أن «هذه الخطوة تشكل بداية الطريق لمعالجة الخلل بالانفاق وهي تؤمن الوفرة»، متمنيا على «مؤسسة كهرباء لبنان ان تجيب لاحقا على هذا الرقم»، لافتاً الى أن من أبرز المعضلات التي تواجهها الدولة هي العجز في كهرباء لبنان، ومعالجة نزفها المالي، والسؤال هو كيف يمكن التعاطي مع هذا الملف على المستوى المالي وغير المالي»، موضحاً أن دور وزارة المالية ليس صندوقاً لدفع الفواتير بل دور رقابي لطريقة انفاق المال. وقال إنه في الاجتماع للحكومة وقبل مغادرة رئيس الجمهورية لموقع الرئاسة تم التوافق على سقف للانفاق على الكهرباء وهو 3096 مليار ليرة كما كان السقف عام 2013. واوضح ان من اسباب ارتفاع فاتورة الكهرباء، «عدم اقرار موازنات منذ 2005، كما أن الدولة باتت ملزمة بتقديم الخدمات وسريعاً، خصوصاً في ظل الظروف الاستثنائية، وهو ما يجعلها تتراجع عن قرارات تنفيذية كثيرة، ولكن السؤال هو متى سيتأمن التوازن في الموازنة». وحدد خطوتين لمعالجة الملف والبدء بهما سريعاً، هما «مراجعة عقود استجرار الطاقة من الكويت والجزائر بحيث تكلفت الدولة 87 مليون دولار غرامات تأخير وفوائد دين بقيمة 150 مليون دولار. أما الخطوة الأخرى فهي تعديل التعرفة».
وزارة الاقتصاد
وتطرقت كلمة وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم، التي القتها المديرة العامة للوزارة عليا عباس الى مسألة النزوح السوري وما يشكله من عبء على الاقتصاد الوطني، لافتة الى أن تحويلات الخزينة الى مؤسسة كهرباء لبنان، تأخذ منحىً تصاعدياً خطراً. وقالت إن العجز يشكل نحو 40 في المئة من الدين العام، لكن من المتوقع أن يصل الى 50 في المئة، وهذا رقم اقتصادي مقلق لقطاع يفترض أن يكون مصدراً للواردات في الخزينة. وقالت إن حصيلة خسائر القطاع بلغت نحو 25 مليار دولار منذ 1992، فيما الاستثمارات لا تتجاوز ملياري دولار، محذرةً من أن وضع المالية العامة لا يسمح بالاستمرار في الوضع الحالي، والمطلوب قرار سياسي يؤسس للتنفيذ للخروج من هذه الأزمة المستفحلة.
مصرف لبنان
من جهته، اعتبر نائب حاكم مصرف لبنان محمد البعاصيري، أن المطلوب التفكير بحل جذري وعلى المدى الطويل لمعضلة الكهرباء في لبنان، وضرورة الاسراع بالشراكة ما بين القطاعين العام والخاص في هذا الاتجاه، واقرار المشاريع الخاصة بالمصارف والتمويل في مجلس النواب.
البنك الدولي
أما مدير إدارة الشرق الأوسط في البنك الدولي فريدي بلحاج، فأشار الى أن هناك علاقة مباشرة وواضحة ما بين تأمين خدمة الكهرباء، وبين مستوى نمو الناتج الاجمالي المحلي، لافتاً الى معاناة لبنان من هذه الأزمة، والتي تتطلب تحقيق تحسن كبير في الوضع المالي للادارة المركزية، بحيث تتقلص الأعباء المالية – والتي تقدر ب2 ملياري دولار – تفعيل دور القطاع الخاص لتحقيق النمو.
وأكد امكان تصويب الوضع في قطاع الكهرباء، وقال إن هناك عدداً من الإجراءات المدروسة والتي تم إدخالها ضمن السياسات الإصلاحية التابعة لحكومات عدة. إلا ان المطلوب تعزيز المؤسسات وتطويرها، وبالأخص مؤسسة كهرباء لبنان، لمعالجة نقاط الضعف في القدرة على تخطيط وتنظيم وإدارة هذا القطاع. واشاد بالوثيقة التي أعدتها الحكومة في 2010 لمعالجة أوضاع الكهرباء، لكن رغم تباطؤ الاستثمارات المطروحة في الوثيقة إلا أنه يجب الاستمرار، والتوافق على تنفيذ السياسة الإصلاحية في قطاع الكهرباء. وأكد بلحاج مساندة البنك الدولي للبنان ومساعدته في تنفيذ الاصلاحات المطلوبة لقطاع الكهرباء.
وعقب الجلسة الافتتتاحية، افتتح المحور الثاني من الندوة والخاص بالاقتراحات المالية والاقتصادية، ورأس الجلسة النائب جان أوغاسبيان، فدعا الى قراءة علمية لواقع النزوح السوري وتأثيراته على الاقتصاد وقطاع الكهرباء، داعياً الى اصلاحات جدية على مستوى قطاعي الكهرباء والنفط.
بيدس
أما كبير خبراء الطاقة في منطقة الشرق الأوسط في البنك الدولي حسام بيدس، فأكد أن قطاع الكهرباء في لبنان فيعاني من أزمة شديدة خلال السنوات العشر الماضية، لغياب الاستثمارات المطلوبة، في ظل غياب اتفاق حكومي حول خطة محددة لانقاذ القطاع، متوقعاً أن يزيد الطلب على استهلاك في العام 2018، بحيث من المتوقع أن يصبح لديه عجز بحدود 2000 ميغاوات في حال عدم الاستثمار في التوليد والشبكات، خصوصاً وأن العجز اليوم هو بحدود 1100 ميغاوات وهو ما سيؤدي الى عمليات تقنين واسعة النطاق، وقال إن جزءاً من هذه المشكلة التي تؤثر بشكل واضح على خزينة الدولة تتعلق باستخدام الوقود المكلف في معامل انتاج الطاقة وبالتالي فالمطلوب هو التحول الى الغاز للحد من الفاتورة الباهظة، ولا بد من إشراك القطاع الخاص في عملية تطوير قطاع الكهرباء، ولكن على مجلس النواب إقرار اتفاق الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص.
اسكندر
من جهته، فصَّل الخبير الاقتصادي مروان اسكندر، مراحل النهوض بقطاع الكهرباء، بادئاً عرضه «اسمع تفرح…جرّب تحزن»، مع تتالي الخطط والمشاريع والمراوحة في الأزمة. وقال «لا شك أن خطة الطريق واضحة، وإن كانت متأخرة 3 سنوات عن الاستهدافات المحددة»، لافتاً الى التحديات غير المذكورة، ومنها: كيف ستحل قضية التوتر العالي في منطقة بيت مري، وهل يمكن تحقيق نقل الكهرباء دون انجاز هذه الوصلة؟، في حال تحقيق وفر تكاليف الانتاج باستعمال الغاز المستورد ومستقبلاً بعد 7-10 سنوات الغاز المنتج في مياهنا الاقليمية، كيف نعالج قضية المولدات الخاصة، التي أصبحت طاقتها الآن توازي طاقة الانتاج العاملة؟، كيف نوقف الهدر والتحكم الأمثل ما بين مناطق الانتاج والتوزيع على الحاجات؟، ما بعد 2016 وفي حال تحقيق اكتفاء ذاتي على مستوى الانتاج والنقل، كيف لننا أن نجهز أنفسنا للمستقبل، وما هي أسس العلاقة التي ستحكم التعاون ما بين القطاعين العام والخاص؟.
وظهراً عُقِدَتْ جلستان، الأولى عن الاقتراحات الاصلاحية الفنية والادارية والبيئية، تحدث فيها كل من وزير البيئة محمد المشنوق، والنائب غازي يوسف، والمدير العام لكهرباء لبنان كمال الحايك، ونقيب المهندسين في بيروت خالد شهاب.
ودعا المشنوق الى اقرار بعض مشاريع القوانين الاساسية، لا سيما مشروع قانون حماية نوعية الهواء الذي تناقشه اللجان المشتركة، واعتماد مبدأ التقييم البيئي الاستراتيجي، واعتماد مبدأ تقييم الاثر البيئي، والالتزام بمضمون خطط الادارة البيئة، واخضاع المشاريع القائمة، لا سيما معامل انتاج الكهرباء، لدراسات تدقيق بيئي وخطط التزام بيئي.
وأما الجلسة الثانية، فتحدثت عن الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص، وتحدث فيها النائب ياسين جابر، ورئيس مجلس الانماء والاعمار نبيل الجسر، والأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة زياد الحايك، والممثل المقيم لمؤسسة التمويل الدولية في لبنان طوماس جاكوب، ورئيس هيئة إدارة قطاع البترول ناصر حطيط. ودعا حايك الى «اعتماد الآلية التي نص عليها مشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتلزيم معامل انتاج الكهرباء». وأكد ضرورة «إقرار مشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص بأسرع وقت ممكن لما في ذلك من فوائد لجهة خلق فرص العمل والاستثمار في البنى التحتية».
في المحور الثالث، تحدث رئيس مجلس الادارة مدير عام مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك، فأسف على استخدام الكهرباء في بعض الأحيان، ساحة للصراعات والتجاذبات السياسية بين بعض الافرقاء، ورأى ان اي حل للوضع المالي في المؤسسة لا بد ان يترافق مع اصلاحات جذرية.