Site icon IMLebanon

KPMG: الرقابة المصرفية أمام مزيدٍ من التحديات


جاء تقرير لمؤسسة كي بي أم جي لهذا العام عن الرقابة المصرفية، ليناقش جملة من تحديات يتزايد أثرها في المصارف في العالم، بما فيها العربية. وهي تحديات متجددة من حيث ما تحمله من مضامين أكثر عمقاً وتوسعاً اكتسبتها نتيجة التجارب والأزمات التي مر بها العالم.
ويشير التقرير الى أن الموجات الرقابية باتت تحاصر المصارف بسرعة أكبر من ان يتمكن كثير منها من إدارتها. وهذا يثير احتمال أن يكون هناك مزيد من الضحايا نراها تسقط قبل أن تضع الأزمة المالية أوزارها. أما المصارف الناجحة فهي تلك التي تتمكن من استباق العاصفة من خلال تلبية مطالب وحاجات الزبائن والمستثمرين والجهات الرقابية، وتنطوي حالة الاستقرار المالي العالمي على مجموعة من التحديات بالنسبة للبنوك، ويركز التقرير على مجموعة من هذه التحديات مثل تلبية المتطلبات الرقابية الحالية والمحتملة الخاصة برأس المال والسيولة والتعافي وتخطيط
القرار، بل قد نرى، نتيجة لبروز متطلبات أكثر تشدداً على نسبة المديونية والموجودات المرجحة للأخطار واختبار الإجهاد، بروز الحاجة لبازل 4 في القريب العاجل.
ويناقش التقرير بخاصة أربع قضايا هي مزيج من المسائل الرقابية وغيرها من الضغوط التي تجبر المصارف على إصلاح استراتيجياتها، ونماذج الأنشطة والعمليات، والحوكمة والثقافة، وسيكون لكل ذلك أثر كبير في زبائن المصارف.
ففي ما يخص القضية الأولى وهي الهيكلة، سوف تجبر المتطلبات الرقابية المصارف على أحداث تغيرات جذرية في هياكلها التنظيمية، بما في ذلك لجوؤها إلى تقسيم هذه الهياكل من كيان مصرفي عالمي ضخم إلى خليط من الكيانات الصغيرة المؤسسة محلياً، أو الوحدات المصرفية المنفصلة من ناحية الجهات التي تخضع لرقابتها. وقد بدأ كثير من المصارف بالفعل مراجعة قانونية لهياكلها القانونية وخفض موازناتها العمومية وإعادة هيكلتها. ويساهم ذلك بشدة في زيادة كلفة ممارسة الأعمال.
القضية الثانية هي السلوك والأسواق والثقافة، فمن الناحية التاريخية كانت الممارسات المصرفية مدفوعة دوماً بـ المنتج ، أي الرغبة في زيادة المبيعات بدلاً من التعمق أكثر في ما يتناسب بشكل أفضل مع حاجات الزبائن، وأدى ذلك بالخدمات المصرفية للأفراد للوقوع في كوارث مختلفة ناتجة من سوء البيع في السنوات الأخيرة، بينما شهدنا قضايا انحرافات وتجاوزات كبيرة في أسواق الجملة، ومن ناحية السمعة كانت لذلك آثار وخيمة في الصناعة المصرفية. وصحيح أن تلك القضايا تركزت مالياً في عدد من البلدان، ولكنها أحدثت انعكاسات سلبية عامة.
وعلى ضوء هذه الخلفية، تنظر الجهات الرقابية في أوروبا في إدخال تغييرات جذرية في سلوكات المصارف، وهي تسعى الى وضع قائمة من المحظورات ليس فقط من ناحية الأنشطة التي تمارسها المصارف، ولكن أيضاً من ناحية وجود صياغات واضحة لما تعني الأخطار بالنسبة للبنوك، وكيفية تحويلها لجزء أساسي في إستراتيجيتها وصوغ وتنفيذ قواعد الحوكمة والأنظمة الرقابية وغيرها بدءاً من مجلس الإدارة وصولاً الى مستوى أقسام التصميم الأمامية للمنتج وتصنيعها وتوزيعها.
وترمي هذه الإجراءات إلى أحداث تغيير في الثقافة والقيم بحيث تقوم المصارف بإعادة بناء دوائرها وأقسامها لتلبي حاجات المستثمرين والزبائن والجهات الرقابية. وينعكس هذا في تغيير برامج كثير من المصارف، ولكن هذا النوع من التغيير هو أصعب كثيراً من أعادة هيكلة العمليات الأساسية للبنك، فمن الأهمية بمكان أن هذه التغييرات يجب أن تقوم من خلال تحول جذري في الثقافة، من خلال تغيير في اللهجة من أعلى، وكذلك في السياسات وممارسات التوظيف، وهياكل الحوافز، والقيم والسلوكات التي تقوم عليها المؤسسة، وهذا يمثل تحدياً ضخماً لمجلس الإدارة، وبالنسبة
لكثير من المصارف ربما عليها أجراء جراحة جذرية لكي تتمكن من تحقيق هذه التغييرات وبالتالي تلبية مطالب جميع أصحاب المصلحة.
القضية الثالثة هي البيانات وأعداد التقارير، وهنا تواجه المصارف ثلاثة تحديات رئيسية. فهي بحاجة للاحتفاظ بالبيانات الصحيحة واستخدامها كي تبقى قريبة جداً من زبائنها، وعليها تلبية نطاق واسع وزيادات هائلة في المطالب من الجهات الرقابية وجهات أخرى للإبلاغ والإفصاح. كما أنها تحتاج الى الرد على مخاوف الجهات الرقابية من أن المصارف ليس لديها البيانات الصحيحة، أو نظم وتكنولوجيا المعلومات الملائمة التي تمكنهم من فهم الأخطار على نحو فعال وتجميعها وتصنيفها وإدارتها.
في الوقت ذاته، تحتاج المصارف أيضاً لمعالجة أخطار جديدة وغير متوقعة في خصوصية البيانات وجرائم الإنترنت، والقوانين الوطنية المتعارضة وغيرها من العوامل الرقابية والقانونية المتنامية نظراً الى تنامي الأخطار بشتى أنواعها السياسية والاقتصادية والبيئية وغيرها. والمفتاح للتعامل مع هذه التحديات يتمثل في تزايد نضج القدرات التحليلية للبيانات، والفهم الواضح لملكية إدارة البيانات وأدوارها ومسؤولياتها (بما في ذلك الاحتفاظ والمعالجة)، ووجود خطة واضحة للحصول على بيانات أساسية بجودة عالية، وتنفيذ مزيد من الحلول التقنية المرنة.
أما القضية الرابعة فهي قواعد الحوكمة المتعلقة بالأخطار، حيث أن الأزمة المالية ذاتها، والمشاكل والتحديات التي نوقشت أعلاه، تظهر بوضوح الحاجة إلى تعزيز واضح لقواعد الحكومة وإدارة الأخطار في المصارف. ولاشك في أن الكثير من العمل جار بالفعل على هذا الصعيد، ولكن يتوجب القيام بأكثر من ذلك كثيراً.
أخيراً، لا بد للقضايا الأربع التي عرضها تقرير مؤسسة كي بي أم جي ، وهي كما قلنا ليست جديدة، ولكنها باتت تأخذ أبعاداً جديدة في ظل الأزمة العالمية الراهنة وتفاقماتها، أن تطاول المصارف العربية التي باتت تتوسع إقليمياً وعالمياً، وقلما نجد مصرفاً عربياً كبيراً يحصر أعماله محلياً فقط. لذلك، فإنها دعوة للمصارف العربية لدرس هذه القضايا وبحثها باستفاضة للخروج ببرنامج عمل للتعامل معها، ولربما سيكون لاتحاد المصارف العربية، كما عودنا، دور مهم في تحقيق ذلك.