IMLebanon

لا علاج جذريّ لمستشفى الفقراء

Akhbar
محمد وهبة

منذ أكثر من 10 سنوات، ومستشفى بيروت الحكومي الجامعي يعاني. إيراداته لا تكفي لتغطية مصاريفه. معادلة لم تنتج سوى أزمات متتالية في المستشفى بين إدارته وموظفيه وبين سلطة الوصاية، أي وزارة الصحة. دخلت السياسة إلى أضلع هذا المثلث وأطاحت الرئيس السابق للمستشفى ليعيّن بدلاً منه فيصل شاتيلا المحسوب على تيار المستقبل، فأصبح المستشفى من لون سياسي واحد. ثم مُنح سلفة بقيمة 20 مليار ليرة، لكن الأزمة مستمرّة. السبب أن المستشفى يقدّم العناية الطبية بأقل من الكلفة لمرضى ترفضهم المستشفيات الخاصة التي تدفع لها وزارة الصحة بانتظام. هنا أصل المشكلة.
قيل الكثير عن تدهور أحوال المستشفى في ولاية وسيم الوزان. كيلت لهذا الطبيب شتّى أنواع تهم الفساد، وفي وجهه امتهن موظفو المستشفى الاعتصام والإضراب… وعلى مدى 10 سنوات، كان المستشفى يغرق كل بضعة أشهر في وحل هذا المسار، ثم «يُنقذ» بسلفة مالية بمثابة جرعة أوكسيجين تنعشه لأشهر معدودة ليعود إلى مسار الوحل من جديد. كبار المسؤولين في وزارة الصحة وصغار موظفي مستشفى بيروت الحكومي على اطلاع على حقيقة الوضع. وهي كونه مستشفى حكومياً أرخص وكاد أن يكون أفضل من المستشفيات الخاصة المماثلة لولا إغراقه في الديون. كان يستقبل كل المرضى الذين ترفضهم بقية المستشفيات في المنطقة لأنهم ليسوا من «المدعومين» وغير قادرين على الدفع، ولأن عدداً كبيراً منهم كانوا حالات تستدعي فترات علاج طويلة ومكلفة. بعض المرضى لم يكونوا قادرين على دفع فاتورته، وغالبيتهم كان يدفع فقط 5% منها على أساس أن الجهات الضامنة وعلى رأسها وزارة الصحة يفترض أن تتكفّل بدفع المبالغ الباقية.
كل ذلك يحصل، فيما تعرفات المستشفى متدنية وأقلّ من التعرفات التي تحصل عليها المستشفيات الخاصة، وهو ما كان يزيد الكلفة على المستشفى ويعمّق العجز المالي السنوي الذي ارتفع أخيراً إلى 8 مليارات ليرة سنوياً، ما اضطر الإدارة إلى تخفيف عدد الأسرّة من 400 إلى 270 سريراً. وقد تراكمت ديون الموردين إلى 53 مليار ليرة.
اللافت أن قضية المستشفى كانت تنفجر بوجه كل وزير جديد للصحة باعتصام أو إضراب ناجم عن مشكلة الرواتب، ثم يزداد الحديث عن سوء الإدارة والفساد المستشري. وفي كل مرّة، كانت المعالجة تأتي عن طريق سلفة مالية وخطّة جديدة، فضلاً عن وعود بإجراءات إصلاحية جذرية تتضمن تعيين رئيس مجلس الإدارة مديراً عاماً بدلاً من الوزان.
ومع تأليف الحكومة الحالية، حانت اللحظة السياسية المناسبة للانقضاض على المستشفى. الحكومة الجديدة «جامعة» ووضعت التعيينات على السكّة… فانفجرت مجدداً اعتصامات وإضرابات انتهت باستقالة استباقية من الوزان، تبعها تعيين شاتيلا. أما المعالجة فلم تختلف؛ 20 مليار ليرة سلفة مالية، منها 15% للموردين مقابل الاستمرار بتوريد المستلزمات والمعدات الطبية، و6 مليارات ليرة لتغطية رواتب الموظفين على مدى 3 أشهر، و6 مليارات للصيانة وبعض الأعمال الضرورية.
غير أن المشكلة الأساسية لا تزال قائمة؛ المستشفيات الخاصة في بيروت الكبرى تنفذ سياسة استقبال المرضى المقتدرين ضمن برنامج إقصاء مرضى وزارة الصحة، وإجبار مرضى الضمان وتعاونية موظفي الدولة على الدخول بالدرجة الأولى ودفع الفرق، فيما الفقراء ليس لهم سوى مستشفى بيروت الحكومي الجامعي.