تقول راشيل كايت، نائبة رئيس مجموعة البنك الدولي والمبعوث الخاص لشؤون تغير المناخ، أن الدراسة التي نشرها البنك وهذا ملخصها تثبت سلامة التدابير التي تصون أرواح البشر، وتخلق فرص عمل، وتنمي الاقتصاد، وفي الوقت نفسه تبطئ من معدلات تغير المناخ. ونحن نعرض أنفسنا وأطفالنا للخطر إذا أدرنا ظهورنا لهذه الفرص.
فتنظيف مدافن القمامة القديمة والمكبات المفتوحة له منافع واضحة للمجتمعات المحيطة بها، لكن الفائدة تصل إلى عمق الموازنة القومية، وهو ما قد يكون واضحا من اللمحة الأولى.
في بلد مثل البرازيل، حيث يجري تجربة تكنولوجيا تحويل النفايات إلى طاقة، فإن بناء مدافن قمامة حديثة تخزن انبعاثات غازات الدفيئة يمكن أن يحسن من صحة البشر، ويضيف فرص عمل، ويزيد من إمدادات الطاقة، ويحد من تغير المناخ، ويعزز من إجمالي الناتج المحلي.
وتتناول دراسة جديدة سلسلة من السيناريوهات المتعلقة بمشاريع التنمية الواعية باعتبارات المناخ، ومن بينها مدافن القمامة في البرازيل، ويجمل لأول مرة على نطاق واسع كيف يمكن أن تؤدي تحركات الحكومة إلى تعزيز الأداء الاقتصادي وزيادة الوظائف والمحاصيل والطاقة وإجمالي الناتج المحلي – فضلا عن تقليص الانبعاثات الغازية وصولا إلى مكافحة تغير المناخ.
الدراسة تستعرض بيانات ملموسة لمساعدة واضعي السياسات على فهم الإمكانيات الواسعة للاستثمارات في التنمية الواعية بالاعتبارات المناخية.
وفي هذا الصدد، يقول رئيس مجموعة البنك الدولي جيم يونغ كيم “يشكل تغير المناخ خطرا شديدا على الاستقرار الاقتصادي العالمي، لكن لا ينبغي أن يسمح بذلك. ونحن في مجموعة البنك الدولي نعتقد أن بالإمكان تخفيض الانبعاثات الغازية وتوفير الوظائف وإتاحة الفرص الاقتصادية، بالتزامن مع تقليص تكلفة الرعاية الصحية والطاقة. هذا التقرير يقدم أدلة قوية تدعم وجهة النظر هذه.”
تقرير التنمية الواعية باعتبارات المناخ: إجمال منافع التحرك التي تساعد على بناء الرخاء والقضاء على الفقر ومكافحة تغير المناخ، يركز على خمسة بلدان كبرى- البرازيل، الصين، الهند، المكسيك، الولايات المتحدة- بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي. كما يدرس المنافع الناتجة عن تطبيق هذه البلدان الستة ثلاث مجموعات من السياسات المتعلقة بالنقل النظيف، وكفاءة الطاقة في الصناعة، وكفاءة الطاقة في المباني.
في السيناريو المتعلق بسياسة النقل، على سبيل المثال، لو أن البلدان الخمس والاتحاد الأوروبي زادت من التنقل باستخدام وسائل النقل العام، ونقلت عمليات الشحن من الطرق البرية إلى السكك الحديدية والبحار، وحسنت من كفاءة الوقود، فسيكون بوسعها إنقاذ ما يقرب من 20 ألف شخص على مستوى العالم، وتجنب خسائر في المحاصيل تقدر بمئات الملايين من الدولارات، وتوفير نحو 300 مليار دولار من استهلاك الطاقة، وتقليص الانبعاثات المسؤولة عن تغير المناخ بأكثر من 4 مليارات طن.
كما يتناول التأثير المحتمل لأربعة مشاريع على بلدان معينة، بما في ذلك مدافن القمامة في البرازيل، إذا تم تطبيقها على المستوى الوطني.
ملوثات المناخ قصيرة الأجل
تأتي بعض المنافع من تقليص الانبعاثات الغازية لما يعرف بملوثات المناخ قصيرة الأجل SLCPs.
فالكربون الأسود المنبعث من السيارات التي تعمل بالديزل، ومواقد الطهي، وغاز الميثان المنبعث من عمليات التعدين ومدافن القمامة، والأوزون المتولد عن تفاعل أشعة الشمس مع الانبعاثات الناجمة عن محطات الطاقة والمركبات، وبعض عناصر الهيدروفلوروكربونات، كلها من ملوثات المناخ قصيرة الأجل. وكلها يمكن أن تدمر المحاصيل وتسبب الأمراض التي تقتل الملايين. ويمكن أن يجنبنا تخفيض هذه الانبعاثات ما يقرب من 2.4 مليون وفاة قبل الأوان، وخسارة نحو 32 مليون طن من المحاصيل سنويا.
وعلى النقيض من ثاني أكسيد الكربون، فإن ملوثات المناخ قصيرة الأجل لا تظل عالقة في الغلاف الجوي لقرون، بل تتلاشى خلال أسابيع أو سنوات. ويمكن أن يساعد منع هذه الانبعاثات الملوثة للهواء من دخول الغلاف الجوي في حد ذاته أن يساعد على تخفيض حرارة الأرض وتوفير الوقت لتدبير ونشر التدخلات الفعالة ضد ثاني أكسيد الكربون.
إجمال المنافع
حتى الآن، كثيرا ما تستبعد الفوائد الاجتماعية والاقتصادية والعوامل البيئية الخارجية، وهي العواقب المترتبة على الأنشطة الصناعية والتجارية والتي لا تنعكس على تكاليفها، من التحليل الاقتصادي نظرا لصعوبة قياسها.
ويطرح التقرير، من إعداد مجموعة البنك الدولي ومؤسسة أنشطة المناخ ClimateWorks ، إطارا نموذجيا جديدا للاقتصاد الكلي يمكن أن يدمج هذه الاعتبارات، ويقدم تحليلا أكثر شمولا للمنافع المشتركة لاستثمارات التنمية. وتشمل الأدوات الجديدة لوضع النماذج:
· قياس المنافع المتعددة للحد من الانبعاثات الناجمة عن شتى الملوثات.
· يمكن استخدامها لتصميم وتحليل السياسات والمشاريع بشكل أفضل.
· تقديم المبررات المنطقية للجمع بين الأنشطة المناخية والتنمية المستدامة.
ويعرض التقرير الإطار الجديد في سبع دراسات حالة بطريق المحاكاة – ثلاث منها تتناول سياسات القطاع، وأربع تركز على التدخلات على مستوى المشروع- وذلك لحساب المنافع العديدة للحد من تلوث الهواء.
وتتضمن سياسات القطاع اللوائح والضرائب والحوافز لتحفيز التحول إلى النقل النظيف، الكفاءة المحسنة للطاقة الصناعية، والمباني والأجهزة الكهربائية الأكثر كفاءة في استخدام الطاقة.
بحلول عام 2030، ستكون المنافع التي أثمرتها هذه السياسات، التي تغطي ثلاث مجموعات من القطاعات، قد شملت تجنب حدوث 94 ألف وفاة مبكرة سنويا، وحققت نموا في إجمالي الناتج المحلي يبلغ 1.8-2.6 تريليون دولار سنويا وستحول السياسات دون انبعاث 8.5 مليار طن من معادل ثاني أكسيد الكربون ونحو 16 مليار كيلووات/ساعة من الطاقة التي تم توفيرها وما يعادل إبعاد نحو ملياري سيارة عن الطريق. ومعا، يمكن أن يشكل تنفيذ هذه السياسات نحو 30 في المائة من إجمالي التخفيضات المطلوبة بحلول عام 2030 لتقييد الاحترار العالمي عند درجتين مئويتين.
وحلل مشروع دراسات الحالة الافتراضية الأربع العديد من التدخلات المحلية في التنمية إذا تم توسيع نطاقها على المستوى الوطني في بلد واحد.
ففي سيناريو مدافن القمامة في البرازيل، على سبيل المثال، يستخدم التقرير نتائج من مشاريع قائمة يمولها البنك الدولي في البرازيل تنفذ طائفة من الخيارات للإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة بما في ذلك محولات النفايات الحيوانية إلى غاز، والاحتراق، وتكنولوجيا مدافن القمامة التي تخزن الميثان لإنتاج الكهرباء. وإذا تم التوسع في هذه التكنولوجيا ذاتها على المستوى القومي، فخلال 20 عاما، كما تقدر الدراسة، يمكن أن تخلق التغيرات أكثر من 44 ألف وظيفة وتزيد من إجمالي الناتج المحلي أكثر من 13 مليار دولار وتحد من انبعاث 158 مليون طن من معادل ثاني أكسيد الكربون. ويمكن لمدافن القمامة وحدها أن تفي بنسبة 1 في المائة من احتياجات البلاد من الطاقة.
ودراسات الحالة للمشاريع الثلاثة الأخرى تدرس التوسع في ممر النقل السريع بالحافلات في الهند، واستخدام مواقد الطهي النظيفة في أرياف الصين، واستخدام السخانات الشمسية ومحولات النفايات الحيوانية إلى غاز لإنتاج الكهرباء من نفايات الزراعة في المكسيك.
وتشمل مجمل الفوائد التي سيتم جنيها خلال 20 عاما هي عمر هذه المشاريع الأربعة بعد تنفيذها على المستوى القومي إنقاذ أكثر من مليون شخص، وتجنب خسائر في المحاصيل تتراوح بين مليون إلى مليون ونصف طن. وهذه المشاريع يمكن أن تحد من انبعاثات معادل ثاني أكسيد الكربون بما يعادل إغلاق من 100 إلى 150 محطة للكهرباء تعمل بالفحم. بالنسبة لثلاثة فقط من هذه المشاريع- في الهند والبرازيل والمكسيك- فإن المنافع تعادل ما يقرب من 100-134 مليار دولار في شكل قيمة إضافية.
التقاعس يزيد التكلفة
في الوقت الذي تبرز فيه دراسات الحالة المنافع المشتركة، فإنها تشير إلى ضرورة زيادة تطوير أطر إعداد النماذج. ومع هذا، يبين إطار العمل أن ضبط العوامل البيئية الخارجية يمكن أن يعزز المبرر المنطقي للمشاريع أو السياسات الرامية إلى مكافحة ملوثات الهواء.
وكما دعت اللجنة الحكومية المعنية بتقييم تغير المناخ، (e) فإن الاضطلاع بالأنشطة المناخية يمكن أن يكون أيسر حالا إذا تم رصد المنافع المشتركة وتقديرها من حيث الكم.
وعن ذلك تقول راشيل كايت، نائبة رئيس مجموعة البنك الدولي والمبعوث الخاص لشؤون تغير المناخ “التقاعس إزاء تغير المناخ يجلب خسائر تتفاقم يوما بعد يوم. وهذه الدراسة تثبت سلامة التدابير التي تصون أرواح البشر، وتخلق فرص عمل، وتنمي الاقتصاد، وفي الوقت نفسه تبطئ من معدلات تغير المناخ. ونحن نعرض أنفسنا وأطفالنا للخطر إذا أدرنا ظهورنا لهذه الفرص.”