وكأنه لا يكفي المواطن غلاء الأسعار والضرائب التي تلوح في الأفق، لتعمدَ مؤسسة كهرباء لبنان إلى الطلب من الوزارات المعنية الموافقة على زيادة تعرفة الكهرباء، وإلّا فإنها ستزيد عددَ ساعات التقنين ثلاثَ ساعات إضافية في النهار. هذه الخطوة «الفاشلة» ستؤدّي إلى زيادة قوة «كارتيل» المولدات وتغذي الفساد والسرقة المستشريَين في شركة كهرباء لبنان.
مأساة وطن، هكذا يُمكن وصف مشكلة الكهرباء في لبنان! أكثر من أربعة عقود والدولة لا تستطيع حلّ هذه المُشكلة، التي تتمثل بعجز يتحوّل إلى دين عام وخدمة تستحق جائزة «أسوء خدمة في العالم».
إنّ مشكلة كهرباء لبنان هي قبل كل شيء مشكلة فساد، ولا يظنّ أحدٌ أنّ هناك سبباً آخر. فبالنظر إلى أرقام الشركة نرى أنّ سوء إدارة الشركة الذي تتحمله الوزارة والطبقة السياسية هو مزمن ويعود إلى منافع بعض أصحاب النفود التي بدورها تمنع أيّ تغيير بهدف المحافظة على مصالحها.
فضيحة شركة كهرباء لبنان….
أول فضيحة ناتجة من الفساد هي كلفة الإنتاج. فكلفة إنتاج كل 1 ميغاوات بالساعة في لبنان هي 255 ألف ليرة لبنانية بحسب الخطة الإستراتيجية لقطاع الكهرباء الصادرة عن وزير الطاقة والمياه السابق. هذه الكلفة تتراوح عالمياً بين 1 (2000 ل.ل) و30 يورو (62000 ل.ل.) لكل 1 ميغاوات بالساعة. هذه الفضيحة لا تفسير لها في قواميس العالم إلّا في قاموس الفساد!
ففي فرنسا مثلاً تبلغ كلفة الإنتاج بحسب نوع الطاقة كالآتي: الفيول (62 ألف ليرة)، الفحم والغاز (204 ألف ليرة)، الشمسية (469 ألف ليرة)، النووية (102 ألف ليرة)، الهيدرومائية (41 ألف ليرة)، الهوائيات البرية (168 ألف ليرة)، والهوائيات المائية (450 ألف ليرة).
أسباب إرتفاع كلفة الإنتاج…
إنّ إرتفاع كلفة الإنتاج يعود إلى أسباب عديدة، نذكر منها:
– كلفة الفيول والذي يُقارب الـ 75% من كلفة الإنتاج بحسب وزير الطاقة والمياه السابق والذي تعمل كارتيلات النفط على إبقائه على حاله لضمان إستمرارية الإستفادة غير القانونية؛
– قلة كفاءة المنشآت النفطية وشبكات التوزيع التي تستهلك أكثر من المنشآت المماثلة الموجودة في العالم؛
– ضعف إدارة الشركة والتي تفتقد إلى إستراتيجيات تأهيل للمنشآت والشبكة والى خطط لمحاربة الفساد المستشري في جسم الشركة؛
– ضغط كارتيل مولادات الكهرباء الذي يسعى إلى إبقاء الوضع على ما هو عليه مدعوماً على صعيد البلديات وعلى صعيد أصحاب النفوذ. وقطاع المولدات يحرم خزينة الدولة من 128 مليون دولار من ضرائب وغيرها لا يدفعها أصحاب المولدات.
كذلك، فإنّ الخسارة على كل كيلوات بالساعة تُقدّر بحسب مؤسسة كهرباء لبنان بـ 40% مقسومة إلى:
– الخسائر الناتجة عن عدم قدرة الشركة على جباية مستحقاتها من الجباية والمُقدّرة بـ 5% وذلك نتيجة تدخل أصحاب النفوذ لحماية الموظفين الفاسدين والمواطنين الذين يتعدّون على الشبكة، وإتخاذ هذا الدفاع منحى مذهبيّاً في معظم الأحيان؛
– الخسائر التقنية العائدة إلى المنشآت والشبكة والتي تُقدّر بـ 15%؛
– الخسائر غير التقنية والتي تضمّ الفساد وغيرها والتي تُقدر بـ 20%.
تعلّق مخيف بالنفط…
إنّ قطاعات الكهرباء وقطاع النقل والصناعة في لبنان تتعلق بشكل كبير بالنفط. وإذا كان جزءٌ من إنتاج مؤسسة كهرباء لبنان يأتي من معامل كهرومائية، إلّا أنّ نسبة الإنتاج لا تتعدّى الـ 5%. وهذا الأمر سيُبرز إلى الواجهة مشاكل تتعلق بإستيراد النفط وبالسعر نفسه، والذي سيُترجم بكلفة هائلة على الإقتصاد وذلك إبتداءاً من هذا الصيف.
ويُساعد على هذا الإستنتاج العوامل التالية:
– نضوب النفط في الدول العربية والعالم والذي ستبرز أثاره في أسعار النفط التي ستتأثر بشكل كبير إبتداءاً من عام 2036؛
– تدنّي كفاءة إستخدام الطاقة على صعيد الإقتصاد أي بمعنى أخر الناتج المحلي الإجمالي الناتج عن كل دولار مستهلك من النفط؛
– البنية التحتية الحالية من منشآت حرارية وشبكات توزيع والتي لا تكفي الطلب الداخلي؛
– إنعدام وجود مخزون نفطي يسمح بتخطي مشاكل التوريد والتي قد تزداد مع تفاقم المشكلة العراقية التي قد تطال بعض الدول النفطية المجاورة. والجدير بالذكر أنّ مخزون النفط الحالي في لبنان لا يُغطي أسبوعاً واحداً؛
– التلوّث الناتج عن المنشآت الحرارية خصوصاً معمل الذوق الحراري الذي حصل على لقب «المركز الوطني لبثّ مرض السرطان».
هذا التعلق بالنفط مع الكفاءة المتدنية سيشكل ضرراً على الإنتاجية الوطنية إن لناحية القدرة التنافسية او لناحية الكلفة التي من المتوقع أن تُشكل أكثر من نصف الدين العام في الأعوام المُقبلة.
خطوة فاشلة لمؤسسة كهرباء لبنان…
في تصريح لمؤسسة كهرباء لبنان (الجمهورية 26 حزيران 2014)، أعلنت المؤسسة أنها في إنتظار موافقة وزارة الطاقة والمياه ووزارة المالية على طلبها برفع تسعير الكيلوات بالساعة على الشطور الثلاثة الأولى بنسبة 2، 3، و4 أضعاف التعرفة الحقيقية. وتقول المؤسسة إنّ هذا الإجراء سيؤمّن لها مدخولاً يُوازي الـ 700 مليار ليرة لبنانية ويأتي كردٍّ على تصريح وزير المال بإعتبار السلفة الأخيرة للمؤسسة بمثابة دين عليها.
إنّ قرار المؤسسة هو خطوة يائسة ناتجة عن عجز الإدارة وعن عدم وجود أفكار لديها تسمح بلجم العجز. وإذا ما إعتبرنا أنّ هذا الإجراء تم إقراره من مجلس الوزراء، فإنه لن يجلب إلى المؤسسة إلّا نصف المبلغ المتوقع وذلك بسبب عدم قدرة المؤسسة على جباية الفواتير.
والسؤال الذي يجب طرحه على إدارة المؤسسة هو التالي: لماذا لا تعمد الإدارة إلى تخفيض كلفة الفيول الذي يُشكل 75% من كلفة الإنتاج؟ إنّ التوفير في سعر الفيول المستورد كفيل بتأمين أكثر من 700 مليار ليرة!
لماذا لا تعمد الشركة إلى جلب مستحقاتها من المشتركين في الشبكة ولجم السرقات؟ لماذا تُريد تحميل المشترك الذي يدفع فاتورته، إستهلاك المشترك الذي لا يدفع فاتورته؟ أين العدل في هذا القرار؟
من الواضح أنّ إدارة الشركة بقرارها هذا، تُثبت عجزها عن إدارة المؤسسة وتُعلن عن عدم قدرتها على طرح حلول علمية لهذه المشكلة.
لا حلّ من دون إستراتيجية حرارية…
في خطوة لافتة، قام وزير الإقتصاد والتجارة بطرح إستراتيجية حرارية على المدير التنفيذي للبنك الدولي ميرزا حسن. هذه الخطوة أدت إلى إعلان البنك الدولي على لسان رئيسه بإنه سيدعم مشاريع تتعلق بالقطاع الحراري في لبنان، وبدأت ترجمتها فعلياً على الأرض بإجتماعات حول الموضوع. والخطوط العريضة لهذه الإستراتيجية الحرارية تقوم على مبدأ ERW أي طاقة-متجددة-مياه، وتهدف إلى إعتماد الـ Mix-Energy في هيكلية العرض مع رفع نسبة الكفاءة الحرارية (Energy Efficiency).
والمُلفت في هذه الإستراتيجية هو دور الشراكة بين القطاع العام والخاص والذي قد يُخفضّ فاتورة لبنان الحرارية من 5 مليار دولار سنوياً إلى ما يُقارب الـ 3 مليارات على الأمد المتوسط، قبل أن تنزل إلى أقل من مليار دولار على الأمد البعيد. وبإعتقادنا، فإنّ هذه الإستراتيجية قد تُشكل حلاً جذرياً لمشكلة الكهرباء في لبنان التي لا يُمكن حلّها بمعزل عن الإستهلاك الحراري الإجمالي في لبنان.
وفي النهاية يجدر القول إنّ خطوة مؤسسة كهرباء لبنان ستكون على حساب المواطن وتحمي مداخيل الكارتيلات، إلّا إذا تَرجمت حكومة «المصلحة الوطنية» أهدافها بخطوات علمية بعيدة عن المحاصصة. وفي الإنتظار، «إدفع أيها المواطن».