حلم تشغيل خطّ القطار في لبنان أصبح مشروع دراسة. أما التنفيذ ففي انتظار التمويل. صانعو القرار في لبنان، وهم ثلّة من السياسيين الخائبين، غافلون عن جدوى النقل العام اقتصادياً واجتماعياً. أولوياتهم تصبّ على انشغالات مختلفة. هذا الإهمال، أعاق انتاج أي أمر يتعلق بخدمات النقل العام، حتى أنه أخّر إنجاز أي دراسة متصلة بهذا المجال. غير أن مشروع دراسة تشغيل خطّ القطار بين بيروت وطبرجا خرج إلى الحرية أخيراً… لكن العبرة تبقى في التنفيذ.
فقبل فترة، أنجزت المديرية العامة للنقل دراسة هندسة وجدوى أولية لتشغيل خطّ القطار بين بيروت وطبرجا. وبحسب المطلعين على هذه الدراسة، فإن خطوط السكّة بين هاتين المنطقتين ليست فيهما تعديّات جسيمة مثل الإنشاءات الثابتة أو المباني السكنية أو ما شابه، ما يوفّر فرصة مناسبة لتشغيل هذا الخط من دون صعوبات فعلية. ويضاف إلى ذلك، أنه ليست هناك معوقات من النوع الجغرافي أيضاً، فمسار الوصل بين طبرجا وبيروت سهل إلى حدّ ما، وتأهيله بالجسور والأنفاق اللازمة لعبور القطار أمر متاح من دون كلفة كبيرة.
ويقول المطلعون إن الكلفة غير النهائية لهذا المشروع تبلغ 250 مليون دولار، وهي تتضمن تشغيل خطّ القطار لنقل الركاب والبضائع. ورغم أن مردود هذه الكلفة سيكون بمعدل 14% سنوياً، أي أن 7 سنوات كفيلة بإعادة كل قيمة الاستثمار. إلا أن تنفيذ المشروع يتطلب إرادة سياسية واقتصادية واجتماعية قد لا تكون متوافرة حالياً، أو على الأقل ليس النقل العام ضمن أولوياتها. فمثل هذا المشروع سيكون له أعداء كثيرون منهم احتكارات النقل الخاص ذات الحمايات السياسية. وأبرز مثال على هذا الأمر، أن مشروع النقل العام بواسطة الأوتوبيسات لم ينطلق سوى بشكل محدود بعد أكثر من 10 سنوات على إقراره في مجلس الوزراء في 19 آب 2004.
يومها أقرّ مجلس الوزراء شراء 250 باصاً تخصص لبيروت والمناطق، إلا أن تمويل المشروع لم يبصر النور منذ ذلك الوقت، ولم يتح للإدارة سوى شراء 30 باصاً على دفعتين وضعت في الخدمة إلى جانب بعض الباصات القديمة ليصبح عدد الباصات الإجمالية الموضوعة في الخدمة 45 باصاً، أي ما يوازي 18% مما هو ملحوظ في خطة النقل العام بواسطة الباصات التي أقرّها مجلس الوزراء في عام 2004. والأنكى من ذلك كلّه أن الباصات لا تستطيع منافسة شركات النقل الخاص و«قبضايات» المناطق.
إذا كان تشغيل الباصات أمراً صعباً ويتطلب كل هذه السنوات، فما هي المدّة المطلوبة لتشغيل خطّ القطار؟ الإجابة ليست متوافرة لدى أي جهة مسؤولة في لبنان، لكن العبور إلى التنفيذ يتطلب إنجاز الدراسات أولاً. فبحسب المطلعين، لاقت الدراسة الأولية التي أنجزتها المديرية العامة للنقل البري في لبنان اهتماماً من الاتحاد الأوروبي والبنك الأوروبي للتثمير ما دفعهما إلى اتخاذ قرار بتمويل تلزيم الدراسات النهائية التي تأخذ المشروع إلى مسار التنفيذ الفعلي والتلزيم. وقد تبيّن أن المعايير الأوروبية قاسية على الذين يشاركون في مناقصات التزام الدراسات، لأنه يطلب من الشركات القادرة المشاركة في هذا المشروع، وبعد تقدّم الشركات وفق مواصفاتها وقدراتها على تنفيذ الدراسة الاستشارية، سيختار الاتحاد الاوروبي 8 شركات للمشاركة في مناقصة الالتزام. والشركة التي سيرسو عليها التزام دراسة خطّ طبرجا ــ بيروت، ستحصل أيضاً، وبتمويل من الاتحاد الأوروبي، على التزام دراسة للمرحلة الثانية، أي كلفة وجدوى تشغيل القطار بين طرابلس وطبرجا. أما بالنسبة لدراسات الوصلة المفترضة لخطّ القطار بين طرابلس والحدود اللبنانية السورية فهي منجزة، ولكنها تنتظر التمويل، وهو أمر يقلق المعنيين في هذا المجال، خصوصاً أن الجهات المعنية بتوفير التمويل لم تتحرّك «إنشاً» في هذا الاتجاه، رغم أن هذا الأمر منصوص عنه في قرارات مجلس الوزراء.
وتشير المعطيات المتداولة إلى أن الشركة الاستشارية التي سيرسو عليها الالتزام يفترض أن تبدأ عملها مطلع تشرين الأول المقبل، بعدما أعلن الاتحاد الأوروبي إطلاق المناقصة، وبدأت الشركات المهتمة تسأل عن شروط الترشيح.
حالياً، الجهات المهتمة بتمويل مشاريع التنفيذ في قطاع النقل العام هي نفسها الجهات التي تهتم بتمويل الدراسات، أي الاتحاد الأوروبي والبنك الأوروبي للتثمير الذي يعربون عن نيتهم في إقراض الدولة اللبنانية من أجل تنفيذ مشاريع النقل العام، وخصوصاً سكة القطار.