مايكل ماكينزي وكارا سكانيل ونيكلول بيلوك
داخل المقر الرئيس لبنك باركليز في الولايات المتحدة، الموجود في تايمز سكوير، كان البنك معروفاً باسم “الامتياز” The Franchise. وابتداءً من عام 2011، أصبح الهدف المتمثل في جعل الامتياز (البنك) أكبر الموضوع الرئيس في كل اجتماع للمبيعات والمنتجات في قسم التداول الإلكتروني. ولتأكيد هذه الرسالة، كانت رواتب جميع من شارك في تطوير البنك مرتبطة بمقدار مساهمتهم في ضمان نموه. لقد كان مشروعاً يحظى باحترام وتقدير كبيرين.
نجح التركيز المُكثّف. بعد عام كان الامتياز – رسمياً معروف باسم باركليز إل إكس، أو ما يسمى “أدوات غامضة” لتداول الأسهم – ينمو بسرعة. لكن لحشد المزيد من الأعمال – حيث تم تقدير فرصة النمو بما يراوح بين 37 مليونا و50 مليون دولار سنوياً – احتاج البنك إلى طمأنة المستثمرين المؤسسيين بأن أدواته الغامضة للتداول كانت آمنة من المتداولين الكواسر، خاصة المتداولين ذوي التردد العالي.
في وثيقة تسويق للمستثمرين بعنوان “حمايتك وأنت في الغموض”، قال باركليز إنه قام بتطوير “إطار مراقبة متطور، للمساعدة على حمايتك من المتداولين الكواسر”.
لكن ما لم يكشفه لزبائنه، وفقاً لدعوى قضائية رفعها الأسبوع الماضي النائب العام لولاية نيويورك تزعم قيام باركليز بالاحتيال، هو أن شركة للتداولات عالية التردد تُدعى تريدبوت سيستمز Systems Tradebot كانت المشارك الأكبر في أدواته الغامضة. ووُصِف تداول تريدبوت داخل باركليز بأنه “سام”، ما يعني وجود مشارك قادر على الوصول إلى أحدث المعلومات، أو إلى وسائل تداول أسرع.
بعد إزالة اسم تريدبوت من عرض توضيحي للمستثمرين في عام 2012، اعترض بعض الموجودين في باركليز على الصورة الخاطئة التي يتم إعطاؤها للمستثمرين. لكن تم تجاهلهم. فقد أجاب رئيس قسم المنتجات والتطوير في رسالة بالبريد إلكتروني: “أنا أعتقد أن دقة (الرسم البياني) أمر ثانوي بالنسبة إلى الهدف (الرئيس)”.
وفي مؤتمر صحافي يوم الأربعاء، أشار إريك شنايدرمان، المدعي العام لولاية نيويورك، إلى هذا البريد الإلكتروني لدعم ادعائه بأن باركليز شارك في “نمط فظيع من الاحتيال والخداع والتضليل”.
الدعوى التي رفعها شنايدرمان تسلط الضوء على العالم المبهم للأدوات الغامضة والتداولات عالية التردد، التي نمت بسرعة في الأعوام الأخيرة. ويُعتقد أن ما يصل إلى 40 في المائة من جميع أسهم الولايات المتحدة يتم تداولها الآن خارج البورصات التقليدية. ويدّعي النقّاد أن تداول الأسهم في الولايات المتحدة الآن عبارة عن لعبة مزورة، مصممة لتستفيد منها البنوك الكبيرة، والبورصات، ومروّجو أنظمة الكمبيوتر للتداولات المتطورة والسريعة. والادعاءات الموجهة ضد باركليز منحت هؤلاء النقّاد الكثير من الذخيرة الجديدة.
ربما يكون هناك المزيد في الطريق: باركليز هو مجرد واحد من عدة منظمات تداول تخضع لتحقيق منفصل من قِبل شنايدرمان ولجنة الأوراق المالية والبورصات.
وبالنسبة للجنة الأوراق المالية والبورصات، يمكن لهذه التحقيقات أن تسير في منطقة حساسة. كانت الهيئة التنظيمية هي المهندس وراء الإصلاحات التي تم تقديمها عام 2007، الهادفة إلى تخفيض تكاليف التداول ووضع “المتداولين الصغار” على قدم المساواة مع كبار المستثمرين. والمنافسة الكثيفة بين العديد من المنصات التي تربطها أنظمة كمبيوتر للتداول فائق السرعة ستعمل على تخفيض تكاليف التداول.
نجحت الخطة في تخفيض التكاليف، لكنها أدت أيضاً إلى تجزئة البورصة: يوجد 70 مكاناً للتداول في الولايات المتحدة، بينها 40 أداة تداول غامضة. ويخشى بعضهم أن يؤدي هذا إلى انخفاض ثقة الجمهور بتداول الأسهم.
مع ذلك، يرى المستثمرون أن الفكرة وراءها سليمة. وقال جيم ماكوهان، الرئيس التنفيذي لشركة برنسيبال جلوبال إنفسترز: “إن مصطلح (أدوات تداول غامضة) يبدو شريراً للغاية، لكن ليس بالضرورة أن يكون كذلك. لقد كان دافع الأدوات الغامضة هو محاولة حماية المعلومات، وليس إساءة استخدامها. في بيئة تنافسية، الحفاظ على سرية مناسبة حول نوايا التداول لأحد ما هو هدف مشروع”.
وأدوات التداول الغامضة يستخدمها مستثمرو المؤسسات الكبار عندما يريدون بيع أو شراء كميات كبيرة من الأسهم بدون تنبيه السوق العامة الأوسع لنواياهم. ولا يتم نشر الأسعار والنشاط علناً إلا بعد أن تتم عملية التداول.
وجميع المتداولين الكبار في وول ستريت يقومون بتشغيل أدوات التداول الغامضة، ومنهم بنك يو بي إس، وبانك أوف أمريكا، وجولدمان ساكس، ومورجان ستانلي. وتم تصنيف باركليز في المرتبة الثانية من خلال الاستبيانات.
وفي الأعوام الأخيرة توسع التداول من خلال الأدوات الغامضة إلى أبعد من نشاطه التقليدي لتداول كميات كبيرة من الأسهم. وجاء المصطلح للإشارة إلى عمليات تداول الأسهم كافة التي تتم خارج البورصة العامة، مثل بورصة نيويورك أو ناسداك. ويقول كرومويل كولسون، المدير والرئيس التنفيذي لمجموعة أسواق OTC: “إن الأدوات الغامضة هي بالفعل أنظمة تداول منخفضة التكاليف للوسيط المالي. فهي تتعلق بمحاولة إنجاز تداولات أكثر بتكاليف منخفضة، وهذا يعتبر استخداماً مفيداً للتكنولوجيا”.
ولإيجاد التوازن بين البائعين والمشترين، تطلب أدوات التداول الغامضة من متداولي التردد العالي الانضمام إليها. ويقول المتداولون إن قوانين العضوية تختلف في كل أداة تداول غامضة وتكون مصممة جزئياً للمساعدة على تخفيف المخاوف بين كبار المستثمرين، الذين يخشون سلوك التسعير الجشع لبعض شركات التداول عالي التردد. وأصبح بعض كبار المستثمرين متقبّلين لوجود تلك الشركات، واعتبارها الثمن الذي ينبغي دفعه عندما يرغبون في شراء وبيع الأسهم في أماكن مُغْفلة.
لقد أصبح التداول عالي التردد في دائرة الضوء منذ “الانهيار الخاطف” عام 2010. لكن التدقيق اشتد منذ إصدار كتاب مايكل لويس “فلاش بويز”، الذي زعم أنه تم “تزوير” تداول الأسهم لمصلحة المتداولين المدعومين بأجهزة كمبيوتر ذات قدرة عالية.
وبدا أن المتداولين من ذوي السرعة العالية كانوا في خط النار عندما تم استدعاء الشركات الرائدة من قِبل المدعي العام لولاية نيويورك في آذار (مارس). لكن بدلاً من ذلك تحول التركيز على أماكن التداول التي تستضيف شركات وبورصات التداول عالي التردد. ويُنظر إلى إصلاح طريقة عمل الأدوات الغامضة على أنه أفضل وسيلة لتهدئة مخاوف كبار المستثمرين بشأن سلوك التسعير الجشع.
ويقول لاري تاب، الرئيس التنفيذي لمجموعة تاب، وهي شركة أبحاث مالية: “من الصعب إلقاء اللوم على شركات التداول عالي التردد في اتباع القوانين التي وضعتها أماكن التداول. التداول عالي التردد لا يملك زبائن وبالتالي لا يوجد واجب ائتماني من جانبهم. ومن المنطقي أن تجار التداول عالي التردد ليسوا في ورطة، لكنها البورصات وشركات الوساطة المالية والأماكن التي ربما قامت بالتلاعب بالقوانين والسماح لبعض المتداولين بكسب ميزة”.
الدعوى القضائية التي تم رفعها الأسبوع الماضي جاءت في الوقت الذي يحاول فيه أنتوني جينكنز، الرئيس التنفيذي لبنك باركليز، تغيير ثقافة البنك. فقد بدأت الحملة للحصول على حصة في سوق الأدوات الغامضة في عهد سلفه، بوب دياموند، الذي استقال في أعقاب فضيحة التلاعب في أسعار الليبور. وأصبح جينكنز الرئيس التنفيذي في آب (أغسطس) عام 2012، لذلك المخالفات المزعومة يبدو أنها استمرت حتى بعد توليه المنصب.
وتصف الدعوى التي رفعها شنايدرمان، المكونة من 30 صفحة، الأحداث المتكررة التي تم فيها تضليل المستثمرين. فقد أخبر باركليز المستثمرين أنه قام بتحويل مسار الطلبات إلى أماكن مختلفة للعثور على السعر الأكثر تنافسية، لكن في الواقع مرر البنك 75 في المائة من الطلبات عبر أدوات التداول الغامضة الخاصة به. وبدلاً من إعلام أحد المستثمرين المؤسسيين في تشرين الأول (أكتوبر) 2013 بارتفاع سعر ما يسمى إدماج، طلبت القيادة العليا في قسم التداول الإلكتروني للأسهم في البنك من آخرين حذف الإحصائيات. وعندما رفض أحد المديرين القيام بذلك تم فصله من العمل في اليوم التالي، بحسب الدعوى القضائية.
كما تم الطلب من مدير آخر تغيير النتائج من 75 في المائة إلى 35 في المائة. لكنه اعترض وتم تغيير النتائج بعد فترة وجيزة من استقالته من البنك.
لزيادة كمية الأموال المتداولة لاثنين من عملاء التداول عالي التردد، قام باركليز باستيفاء رسوم بين 0.0002 دولار و0.0005 دولار للسهم الواحد على الطلبات، في حين أن المستثمرين العاديين دفعوا عمولات عادية.
ويقول ماكوهان: “إن كثيراً من أدوات التداول الغامضة تقوم بإصدار مجموعة من البيانات كما يفعل باركليز ومن المهم أن يكون المستثمرون قادرين على الوثوق بها. مع ذلك، إنها مسألة ثقة لكن عليك التحقق. يجب أن يقوم المتداولون المؤسسيون وكبار والوسطاء الأفراد بمراقبة تكاليف التداول في الوقت الحقيقي وتخفيض أي مكان يدل وضعه على أن هناك منافساً من المرجح أن يتقدّم”.
والمزاعم ضد منصات باركليز إل إكس من المرجح أن تؤدي إلى إجبار المستثمرين على المطالبة بشدة أكثر من قبل من أجل الحصول على قوانين أوضح للمشاركة في أدوات التداول الغامضة – وهي خطوة من المرجح أن تكسب دعم المنظمين.
وهذا يضع التركيز على متداولي وول ستريت لأنهم على انفتاح أكبر على طريقة عمل أدوات التداول الغامضة لديهم، أو التعرض لخطر القوانين الأكثر صرامة المفروضة من المنظمين.
لكن هناك دلائل تشير إلى أن لجنة الأوراق المالية والبورصات تأخذ في الحسبان تقييم النقّاد وقد تفرض معايير أكثر صرامة على أدوات التداول الغامضة، ولا سيما إذا كان الإجراء القانوني ضد باركليز مصحوبا بقضايا أخرى أنها تؤكد الشعور أن سوق الأسهم هي لعبة مزورة.
وكشفت ماري جو وايت، رئيسة لجنة الأوراق المالية والبورصات، هذا الشهر عن مقترحات لتعزيز الثقة بالسوق. وقالت إنها تشعر بالقلق إزاء عدم وجود شفافية في أدوات التداول الغامضة.
كذلك وافقت شركة ليكويدنيت، التي تقوم بتشغيل أداة تداول غامضة، على دفع مليوني دولار لتسوية تحقيق تقوم به لجنة الأوراق المالية والبورصات يزعم أن الموظفين قاموا بمشاركة معلومات العملاء عند البحث عن أعمال جديدة، خلافاً للتعهد بالسرية الممنوح لزبائنهم.
لكن لا يزال علينا رؤية ما إذا كانت إجراءات المنظمين ستعمل على تخفيف الشعور المتزايد بعدم الارتياح بين المستثمرين.
ويقول برنارد دونفر، الأستاذ المشارك في كلية شتيرن لإدارة الأعمال في جامعة نيويورك: “نحن نرى الناس يُتَّهمون بالتلاعب في أسعار الليبور، وأناساً يُتَّهمون بالتداول استناداً إلى معلومات سرية، وفي كل مكان تذهب إليه تشاهد هذه الأحداث، وهذا الموضوع يتراكم، كما أن اللغة السائدة بأن الأسواق يتم التلاعب بها تصب المزيد من الوقود على هذه النار”.
“أتوقع أن هذه الأدوات الغامضة ستخضع لقوانين تنظيمية أقوى بكثير على مدى الزمن، ولن أفاجأ إذا شاهدنا الشركات وهي تبتعد عن هذه الأنشطة، بسبب كل هذه التغطية الإعلامية السلبية”.
وكانت هذه بالتأكيد هي حالة باركليز. لم تُضِع البنوك والمستثمرون وقتاً يذكر في اعتبار أن أدوات إل إكس المعتمة هي أدوات ملوثة. خلال أقل من 24 ساعة، تم إغلاق “الامتياز” عملياً.