Site icon IMLebanon

هكذا تنوى مجموعة “سواتش” Swatch السويسرية التنكيل بمنافسيها

SwatchHayek

منذ عدة سنوات صدم إرنست تومكه، وهو أحد الآباء المؤسسين لمجموعة سواتش (رقم واحد في صناعة الساعات في العالم)، أبناء مهنته. وصرح خلال لقاء صحفي مع صحيفة “لو تان” السويسرية أن صانعي الساعات السويسريين يصبون جم عملهم في “الفئات الفاخرة بأسعار مبالغ فيها وبعيدة جدا عن حقائق التصنيع” وأن الصناعة “تريد أن تركز على ساعات مرتفعة الأسعار لا يمكن للشخص العادي حيازتها، [ساعات] يريدها الجميع ولا يحتاج إليها أحد في واقع الأمر”. وإمعانا في التنكيل أضاف أنه يجد أن تلك الساعات التي تساوي ثروة “تنخفض دقتها كلما زاد سعرها في المتاجر”.

ويبدو أن نيقولا حايك الإبن، وريث مجموعة سواتش ومديرها التنفيذي، أنصت جيدا إلى تلك الرؤية التي تطابق فلسفة أبيه حين أسس المجموعة قبل أكثر من 30 عاما. وكما بدأت سواتش عملية إدخال الديموقراطية إلى عالم الساعات السويسرية آنذاك بطرح ساعة يد تعمل بالبطارية مكونة من 51 قطعة فقط، قرر أن يعيد الكرة بإطلاق “سيستم 51” التي تتمتع بحركة أوتوماتيكية كاملة ذاتية الملء بسعر 540 درهم فقط. السر؟ آلية الحركة مكونة من 51 قطعة أيضا، لكن الإنجاز الهندسي فيها أكبر بكثير من سابقتها. فعلى أقل تقدير، يحتوي قلب الساعة الأوتوماتيكية العادي على ضعف هذا العدد من القطع، وقد يصل إلى 600 قطعة في آليات الحركة المعقدة. وتعتبر هذه أول آلية أوتوماتيكية تصنع أوتوماتيكيا! أي أنها عملية تصنيعها مميكنة بالكامل دون تدخل بشري. فعادتا ما تحتاج الحركات الأوتوماتيكية إلى منظم يضبط ميزان الساعة، لكن في سيستم 51 يتم تحديد دقة الميزان بالليزر مباشرةً. هذا الابتكار ضمن 17 براءة اختراع طلبتها الشركة على آلية الحركة الجديدة.

وقد تكون تلك الطرق الجديدة في التصنيع السبب وراء تأخر وصول الساعة الجديدة إلى الأسواق بعد الإعلان عنها في معرض بازل، فبعد أن كان من المقرر أن تطلق عالميا في شهر أكتوبر 2013، هـا هي تصل إلى دبي الآن. ويبدو أن عدد المنتجات لا يتوافق مع الطلب الواسع لتلك الساعة التي يتهافت عليها الهواة، حيث يشتكي رواد المنتديات المتخصصة من وجوب الانتظار للحصول عليها في المتاجر الأوروبية. لكن يبدو أن منافذ البيع في دبي لا تعاني من ذات المشكلة.

وعلى أية حال، تنال الساعة إعجاب المتخصصين من الناحية الفنية. وتسوق لها الشركة بشعار: “الجهة الأمامية تشير إلى الوقت، الجهة الخلفية تروي القصة” في إشارة إلى قصة تطوير هذه الحركة الأوتوماتيكية السابقة. لكن القصة الحقيقية التي يجب رؤيتها خلف الساعة هي ملحمة تجارية ما بين الحرب الشعواء في عالم الساعات وتحول الاقتصاد العالمي.

يأتي إطلاق الساعة الجديدة كصفعة على وجه منافسي مجموعة سواتش وعلى رأسهم مجموعتي “لويس فويتون- مويت هينيسي” و”ريشمونت”. فهو يتوج أكثر من عقد من الزمن حارب خلاله جيلان من أسرة حايك داخل اتحاد صانعي الساعات السويسرية لرفع إلزامه بتزويد منافسيه بآليات الحركة. ففي حين استثمرت المجموعة بشدة في أكثر من 160 مصنع، كان المنافسون مثل “تاج هيوير” يشترون آليات الحركة جاهزة ويبيعوها تحت علامتهم التجارية محققين أرباحا طائلة. ولطالما أثار الأمر غضب آل حايك، ويلخص هذا الحنق تصريح حايك الإبن بأن: “بعض المنافسين لم يستثمروا قط في إمكانيات للتصنيع ويجرؤون بيع منتجهم بـ4 أو 5 أضعاف سعر التكلفة”. من شابه أباه فما ظلم: حايك الإبن ورث كراهية “المضاربين” عن أبيه الذي لا طالما أصر على استقلالية مجموعته، حتى أنها تجري تعاملتها المالية من خلال بنك مملوك لها وتحوي وكالة شراء مساحات إعلانية خاصة بها. ومنذ عام 2009 كان المنافسين أن يسرعوا ببناء مصانع ويبدعوا تصاميم ويدربوا أيدي عاملة قبل أن تنتهي مهلة قطع التوريد. تاج هيوير مثلا افتتحت مصنع في مدينة شوفينيز السويسرية وقامت بتصميم آليتين حركة لكنها لا زالت تعتمد على عدد من الموردين الآخرين لبعض القطع فيهما، كما أنها تعتمد على شركة سويسرية أخرى لآليات الحركة الأوتوماتيكية الأكثر تعقيدا. ورسالة سواتش واضحة وبها شيء من روح الانتقام: يمكننا صنع آليات جديدة كلما شئنا وطرحها بأبخس الأسعار بينما تعانون لملء ساعاتكم الباهظة الثمن دوننا.

الجزء الثاني من القصة خلف هذه الساعة هو أيضا من أسرار نجاح مجموعة سواتش، ويتمثل في تمكنها من اللعب على أكثر من فئة في سوق الساعات العالمي بحسب الظروف الاقتصادية. وتمتلك لهذا الغرض الكثير من العلامات التجارية تتراوح بين الأكثر فخامة (مثل بريجيه وبلانبان وهاري وينستن)، إلى أكثرها تواضعا مثل سواتش، وما بينهما (أوميجا ولونجين وتيسو وغيرها). وبمجرد النظر إلى العقد الماضي يمكن فهم أهمية تلك الرشاقة المؤسسية. فحين بدأ الانتعاش الاقتصادي في الأسواق الناشئة وارتفع عدد فاحشي الثراء كانت سواتش أول المستفيدين بعلاماتها الفاخرة. ومنذ سنوات قليلة تلقى سوق الساعات الفاخرة ضربتين متتاليتين: جاءت الأزمة المالية العالمية بصدمة أولى، وجاءت الصدمة التالية حين قرر الحزب الشيوعي الصيني التضييق على الفساد مما أثر على مبيعات الساعات الفاخرة التي كانت تقدم “كهدية” للمسئولين بغرض “تسهيل الإجراءات”. حينها استفادت الفئة المتوسطة لدى سواتش من الاتجاه إلى مزيد من التواضع في الساعات. أما هذا العام فسيكون على صناعة الساعات السويسرية احتمال انخفاض حاد في النمو بسبب انخفاض أسعار صرف عملات الأسواق الناشئة التي ستكبد مجموعة سواتش وحدها حوالي نصف مليار دولار فرق سعر صرف. وفي ظل الاضطرابات التي تواجه الاقتصاد العالمي سيظل الفرنك السويسري الموثوق في سعره المصرح الأعلى أي 1.2 يورو للفرنك. وتأتي سيستم 51 في ظل تباطؤ السوق العالمي للساعات السويسرية كحركة استباقية ماهرة تمكن المجموعة من اصطياد قطاع من السوق أهمله المنافسون وإدخال جيل جديد إلى عالم صناعة الساعات السويسرية العريقة قبل أن ينتقل إلى الساعات الذكية التي بدأت في البزوغ.