من بين كل بلدان العالم، 34 بلدا فحسب هي التي توجد فيها بيانات ذات جودة عالية يسهل الوصول إليها عن أمور مهمة وجوهرية مثل أسباب وفاة مواطنيها. وفي أفريقيا، موريشيوس وحدها هي التي يوجد فيها نظام جيد للتسجيل المدني والإحصاءات الحيوية.
فكيف يحتمل أن تكون البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط قد حققت تقدما هائلا في مختلف مجالات التنمية، دون أن يتوفر لديها سجل للأحداث الحياتية لشعوبها مثل المواليد والزيجات والطلاق وحالات التبني والوفيات؟ السبب في ذلك هو أن البلدان تفتقر إلى أنظمة للتسجيل المدني والإحصاءات الحيوية تؤدي وظائفها بشكل جيد وتقدم بيانات آنية من أجل قياس مدى التقدم وتحسين الاستهداف لبرامج الرعاية الصحية وغيرها من برامج التنمية.
ويكمن جزء من المشكلة في تعريفات عفا عليها الزمن وغير دقيقة. فعلى سبيل المثال، التعريف الحالي للتسجيل “عند الولادة” هو تسجيل الأطفال قبل بلوغ سن الخامسة. و10 في المائة من المواليد فحسب يُسجَّلون في العام الأول، الأمر الذي يعني أن معظم المواليد الموتى ووفيات حديثي الولادة لا يتم تسجيلهم. وهذا معناه أن تلك المخلوقات لا يتم إحصاؤها.
وعن ذلك يقول صامويل ميلز، وهو خبير أول بالشؤون الصحية في مجموعة البنك الدولي “لا يستطيع واضعو السياسات التخطيط وتخصيص الموارد بفعالية إذا لم تتوفر لديهم بيانات دقيقة عن صحة مواطنيهم ورفاهتهم. وبسبب الأنظمة المعيبة للتسجيل المدني والإحصاءات الحيوية، يُحرم ملايين من الناس في البلدان النامية من الخدمات الأساسية للرعاية الصحية والتعليم والحماية الاجتماعيـة، ولا يشاركون في الاستجابات الإنسانية في مواجهة الطوارئ والصراعات، والتجارة ، والأمن.”
وقاد ميلز فريق عمل متعدد القطاعات لوضع • الخطة العالمية للاستثمار في توسيع نطاق التسجيل المدني والإحصاءات الحيوية 2015-2024 التي أطلقتها مجموعة البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية في الآونة الأخيرة في شراكة مع العديد من وكالات الصحة العالمية وحكومات البلدان المعنية، ومنها كندا.
إن وجود نظام للتسجيل المدني والإحصاءات الحيوية هو حجر الزاوية في البنية التحتية للتنمية في أي بلد، ويعود بالنفع على جميع القطاعات (انظر الإطار). فعلى سبيل المثال، يسهم تسجيل الزيجات وحالات الطلاق في تمكين النساء من الإرث، وتسجيل الفتيات عند الولادة، وتسجيل زواجهن يساعدان في منع الزواج المبكر أو القسري. ويستطيع الناس من خلال تزويدهم بمستندات رسمية لإثبات الهوية استخراج جوازات السفر وفتح حسابات مصرفية والحصول على رخصة القيادة والتصويت والحصول على خدمات التعليم والضمان الاجتماعي.
يقول ميلز “إننا نملك التكنولوجيا والموارد البشرية والخبرة اللازمة لتسجيل هذه الأحداث الحيوية. ويجب علينا الآن سد فجوة تمويل أنشطة التسجيل المدني والإحصاءات الحيوية التي تقدر بمبلغ 200 مليون دولار سنويا، والتي ستساعد إذا تم تغطيتها في تمويل خطط محددة التكلفة تتصدرها البلدان المعنية.”
وتهدف الخطة العالمية إلى تحديد ما هو مطلوب لوضع أنظمة مستدامة للتسجيل المدني والإحصاءات الحيوية تكون جزءا لا يتجزأ من أجهزة الح0كومة وتخدم احتياجات القطاعين العام والخاص، والأهم من ذلك كله، المواطنين. وتعكف مجموعة البنك الدولي على وضع إطار لمشاركة المانحين في وضع برنامج عالمي للتسجيل المدني والإحصاءات الحيوية.
وفي أواخر آيار شدد رئيس مجموعة البنك الدولي جيم يونغ كيم في قمة صحة الأمهات وحديثي الولادة والأطفال التي استضافها رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر على أهمية هذه الأنظمة. وتعهدت كندا في القمة بتقديم 3.5 مليار دولار كندي من أجل أنشطة الرعاية الصحية للأمهات وحديثي الولادة والأطفال ومنها أنظمة التسجيل المدني والإحصاءات الحيوية في الفترة من 2015 إلى 2019.
وقال كريستيان باراديس، وزير التنمية الدولية والبلدان الناطقة بالفرنسية في كندا “أنظمة التسجيل المدني والإحصاءات الحيوية ضرورية لتحقيق النتائج المنشودة للأمهات والأطفال. وقد تفاءلنا بالزخم العالمي المتنامي لمساندة البلدان في سعيها لتحسين أنظمة التسجيل المدني والإحصاءات الحيوية، حتى يصبح للأطفال عند ولادتهم هوية قانونية، وحتى تتاح معلومات أفضل وأكثر دقة بشأن المكان الذي يعيشون فيه ووضعهم الصحي بما في ذلك أسباب الوفاة حتى يمكننا توجيه الموارد إلى حيث تشتد الحاجة إليها. وهذا من العوامل المهمة لإرساء حقوق الإنسان وحمايتها، ولزيادة المساءلة حتى يكون للمساندة التي نقدمها أعظم الأثر.”
الرئيس كيم يشرح رؤية تسجيل كل امرأة حامل وكل مولود بحلول عام 2030.
وفي هذا الصدد قال الرئيس كيم في القمة “يجب على كل بلد أن يقتني نظاما رقميا فعالا و’حيويا’ بحق ويليق بمعطيات القرن الحادي والعشرين. ولخفض وفيات الأمهات والأطفال يجب علينا أولا معرفة من الذي يموت وما هي الأسباب وأين.”
وتمتلك مجموعة البنك الدولي ما يلزم من الخبرات الواسعة – في مختلف المجالات مثل الرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات والاتصال، وأنظمة الهوية، الإحصاءات، والاقتصاد والتمويل- من أجل العمل في مختلف المناطق ومع البلدان لتحسين أنظمتها للتسجيل المدني والإحصاءات الحيوية.
وعن هذه المسألة يقول تيم إيفانز، مدير قطاع الصحة والتغذية والسكان في مجموعة البنك الدولي “بفضل المعارف والمبتكرات الجديدة نقوم بإعداد ونشر بعض الأدوات التي نحتاج إليها لمساعدة البلدان على بناء أنظمة للتسجيل المدني والإحصاءات الحيوية والتحديد الوطني للهوية، الأمر الذي سيكون له منافع كبيرة في مختلف مجالات التنمية.”