Site icon IMLebanon

السياسة المالية في ميزان الإقتصاد والأولويات الحكومية

Liwa2

ماجد منيمنة

ليس أمام واضعي السياسة المالية والإقتصادية إلا أحد أمرين إما التركيز على إنضباط الموازنة العامة مع إتخاذ إجراءات تقشفية لخفض مؤشرات العجز والدين العام، وإما التركيز على تنشيط الإقتصاد من خلال سياسات توسعية تؤدي إلى زيادة فرص العمل. ولا يمكن الكلام عن الإقتصاد بمعزل عن الإطار السياسي، لأن ذلك يشمل إستقلال القضاء وضمان الحريات العامة وإحترام القانون والمساواة والعدالة والفصل بين السلطات والتمثيل السياسي لقطاعات المجتمع ودعم الشفافية والمشاركة في وضع الموازنة العامة وترشيد الإنفاق الحكومي وإتاحة المعلومات بشكل عادل، وتوفير العملة الأجنبية والتوسع في الإستثمار وتفعيل الخدمات الصحية والخدمات الأساسية الأخرى بالمناطق المحرومة، ووضع خطة للحد الأدنى للأجور وتقديم إعانات للبطالة، وإشراك المواطنين في القرارات على مختلف المستويات وتحقيق الحرية النقابية والتمثيل بتجمعات رجال الأعمال، وفض التشابكات المالية بين مؤسسات الدولة وضبط التحويلات المالية بين بعضها البعض، وتطوير وتحديث الجهاز الإدارى للدولة , والعمل على تحقيق نتائج سريعة ملموسة للمواطنين وفرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية.
إن نجاح الحكومة الحالية سيؤثر على الخريطة السياسية المقبلة، لذلك لابد من مساندتها بكل قوة ونقدها وتقديم الأفكار لها في نفس الوقت. لذلك إن الحلول الضرورية لمواجهة أزمة الإقتصاد في هذه الفترة تنطلق من ثلاث جبهات رئيسية تتمثل الأولى في دعم الإستثمارات ومساعدتها على النمو, ثانيا خفض الإنفاق الحكومي لاسيما الإنفاق الإستهلاكي عبر برنامج وطني واضح للتقشف وسد ثغرات إهدار الموارد العامة, بينما تتمثل الجبهة الثالثة في ضرورة محاربة الفساد الذي أضر كثيرا بجميع أوجه الحياة الإقتصادية في البلاد.
لابد من البحث عن كل المقومات الذاتية التي يمكنها النهوض بالإقتصاد الوطني من مدخرات العاملين بالخارج, وإعادة السياحة على الخارطة الوطن, والإستفادة من الإستثمار الأجنبي, وتوظيف عوائد اللبنانيين بالخارج وكل ما تملكه الدولة من موارد التوظيف الصحيح لأنها لم تعد تملك ترف التأخير في القيام بذلك, والإصرار الشديد على تنفيذ السياسات التي يمكنها الحفاظ على الوطن وإستقراره ودفعه للأمام.
والمطلوب اليوم وضع الملف الإقتصادي في مقدمة الأولويات, ربما يرى آخرون أن الملف الأمني أو غيره أهم ولكن لابد من إعداد إستراتيجية للمشاريع الإقتصادية المطلوبة والبدء بها. ولبنان لديه الإمكانات والمواد التي تساعده على تجاوز هذه المرحلة, ولكن المهم الإرادة والإصرار على تنفيذ الخطط الموضوعة بحسم وشدة, واللبنانيون من وجهة نظري قادرون على ذلك ولن يتخلى أحد منا عن وطنه والعمل الجاد من أجل زيادة الإنتاج وعودة المصانع للعمل لتوفير عمل وضخ إستثمارات جديدة مرتبط بالإستقرار السياسي والأمني والإجتماعي سواء من العرب أو الأجانب أو من اللبنانيين.
إن لبنان اليوم في مرحلة غاية في الصعوبة والخروج مما هو فيه لا يأتي إلا بالإستقرار السياسي أولا حتى تتمكن الإستثمارات من العودة إليه سواء من دول عربية أو أجنبية , كما يمكن تحفيز الضريبة التصاعدية وهذا سوف يحدث نوعا من الإستقرار, لأن الحكومة اللبنانية تقترض بسبب عجز الموازنة وهذا سوف يبقي مالية الدولة على حافة الخطر, مع ضرورة أن تسير العدالة الإجتماعية بالتوازي مع النمو لأن النمو وحده دون عدالة إجتماعية لا يطال كل الشرائح الإجتماعية. كما أنه مطلوب تشجيع وجذب الإستثمارات الأجنبية لأن هذا الأمر أفضل من القروض التي سوف تزيد من نسب الدين العام وتثقل كاهل خزينة الدولة وهذا مرتبط طبعا بالإستقرار السياسي لأن الرأس المال جبان, كما أن هذه الإستثمارات توفر فرص عمل لحل مشكلة البطالة التي تفاقمت بشكل مطرد.
إن تحسين رفاه الإنسان، هو عنصر محوري في حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في التنمية. لقد أخفقت الحكومات المتعاقبة إلى حد بعيد في التصدي للأسباب الجذرية للأزمات الإقتصادية وتزايد عدم المساواة بين المواطنين. وإدراكاً لهذه التأثيرات وغيرها من تأثيرات الأزمة المالية, فإنه مطلوب إستخدام أقصى الموارد المتاحة لأعمال الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، حتى في أوقات الأزمة القائمة. وبدلاً من التقشف، يقتضي التصدي للأزمة الإقتصادية جملة أمور من بينها الإصلاح التنظيمي، وتحسين سياسات التدريب على الوظائف وإنشاء وظائف جديدة، والضمان الإجتماعي، والتعليم، وتوفير الصحة للجميع.
بإختصار لا يزال التقشف يحتفظ بموقعه كأداة لمواجهة الأزمة الإقتصادية، لكن أي نوع من التقشف؟ وبينما ينصح بعض الإقتصاديين بإجراء خفض في الإنفاق، يشير بحث آخر إلى أن زيادة الضرائب يمكن أن ينجح أيضاً. وللأسلوبين ثمنهما؛ لأن فرض ضرائب على الأجور يمكن أن يشوه أسواق العمل، ويمكن للضرائب الإستهلاكية أن تؤدي إلى تضخم يستدعي سياسة نقدية مضادة، غير أن خفض الإنفاق ليس من القرارات التي تحظى بقبول شعبي بقدر أكبر ويمكن أن يؤدي إلى زيادة التفاوت في المدخول. كما تركت تجربة السنوات القليلة الماضية هامشاً أقل للجدل إزاء هذا النشاط، ومعروف بشكل مثالي أن زمن التحول إلى التقشف هو عندما يستطيع الإقتصاد تحمل تلك الخطوة, وليس لدى كل الحكومات رفاهية ذلك الإجراء طبعاً: واليونان، على سبيل المثال، لم تكن قادرة على تأجيل التخفيضات القاسية لأنه لم يعد في إستطاعتها إقتراض أموال كافية لتغطية عجزها. والدول التي تتمتع بمساحة أكبر من الحرية يجب أن تسعى إلى إستقرار ديونها في الأجل الطويل, من خلال وضع خطط لخفض عجزها المالي، وكلما كانت الخطط موثوقة كان لدى الدول فرصة للخروج من المأزق، وكما يقول أنصار الفكر الكينزي فإن الوقت الملائم للتقشف يكون أثناء الطفرات وليس أثناء فترات الإخفاق والأزمات.