Site icon IMLebanon

بريطانيا .. جبل الديون الأسرية يستوجب الحذر من بنك إنجلترا

FinancialTimes
مارتن وولف

الاقتصاد البريطاني ينمو بقوة – ويسرني أن أعترف أنه ينمو بقوة تفوق كثيراً ما كنت أتوقع. فهل معنى ذلك أن كل شيء يسير على ما يرام؟ لا. فالاقتصاد غير متوازن واحتمالات النمو ضعيفة. يجب على المملكة المتحدة ألا تخلط بين الانتعاش والانتصار.

هذا لا ينفي الخبر السار. وفقاً للبيانات الصادرة عن كونسينساس إكونوميكس، الخبراء يتوقعون أن ينمو الاقتصاد بنسبة 3 في المائة هذا العام، مقابل 2.2 في المائة في الولايات المتحدة، و2 في المائة في ألمانيا، و1.5 في المائة في اليابان، والنسبة البائسة البالغة 1.1 في المائة في منطقة اليورو. لقد قام بنك إنجلترا بوظيفته على نحو أفضل من البنك المركزي الأوروبي في تحقيق هدف التضخم. ففي السنة المنتهية في نيسان (أبريل) بلغ معدل التضخم 1.8 في المائة في المملكة المتحدة، مقارنة بنحو 0.7 في المائة في منطقة اليورو. البطالة انخفضت هي الأخرى. في الأشهر الثلاثة حتى نيسان (أبريل) استقرت عند نسبة 6.6 في المائة ـ كانت 7.8 في المائة في العام الماضي.

نمو سريع، وانخفاض في معدل البطالة، وتضخم يصيب الهدف، فما الشيء الذي ينبغي للمرء ألا يحبه في كل هذا؟

تكمن الأجوبة في ثلاثة أمور. الأول، في الربع الأول من عام 2014 كان الاقتصاد لا يزال أصغر قليلاً مما كان عليه قبل ست سنوات ومجرد 6 في المائة أكبر مما كان عليه في الربع الأول، قبيل الانتخابات العامة، في عام 2010. وكان هذا الانتعاش ضعيفاً للغاية. الأمر الثاني، لا يزال الاقتصاد في حالة من الرفع المالي المفرط، كما أشار مارك كارني في كلمة ألقاها في مانشن هاوس. قال محافظ بنك إنجلترا: “إن سوق الإسكان تظهر إمكانية الاندفاع نحو حركة سريعة”، مشيراً إلى أن العجز في الحساب الجاري الآن في مستوى قياسي. أخيراً، الجمع بين النمو المتواضع وانخفاض البطالة يعني أن نمو الإنتاجية يتسم بالضعف.

كل هذا يبرز التحديات الكبيرة. بالنسبة للسؤال حول ما إذا كانت السياسة المالية العامة للحكومة أفضل وسيلة لاستعادة النمو أم لا، يمكننا أن نترك ذلك للمؤرخين. وأعتقد جازماً أنها لم تكن هي الأفضل، فلا يزال اثنان من التحديات حاضرين: واحد هو حجم الاختلالات، والآخر ضعف إمكانات العرض.

هناك مصدر واضح للقلق، هو أن أسعار المنازل لا تزال تواصل ارتفاعها مرة أخرى، في حين لا تزال الأسر مثقلة بديون حول متوسط يصل إلى 140 في المائة من الدخل القابل للتصرف. القروض العقارية التي تشكل مضاعِفاً عالياً من الدخل السنوي للمقترض تمثل الآن نسبة أعلى من القروض الجديدة مقارنة بأي وقت مضى. ورد بنك إنجلترا يعتبر حذراً، فهو يطلب من مؤسسات الإقراض ما إذا كان لا يزال بإمكان المقترضين تحمل القرض العقاري في حال كان سعر الفائدة الذي يتقاضاه البنك أعلى بنسبة 3 نقاط مئوية مما كان عليه عندما تم إنشاء القرض. وهو يطلب أيضاً ألا تزيد 15 في المائة من القروض العقارية الجديدة من بنك معين بنسبة 4.5 مرة من دخل المقترض.

تهدف هذه التدابير إلى ضمان أن البنوك لا تظل تتمتع بالمتانة مهما حدث. بالتالي، مهمة تحقيق التوازن بين الطلب والعرض تقع على عاتق السياسة النقدية. وحول هذا أشار المحافظ إلى أن الالتزام بتحقيق هذا التوازن “يتطلب على الأرجح زيادات تدريجية ومحدودة في أسعار الفائدة في الوقت الذي يتقدم فيه التوسع”. وقال إن الارتفاعات الأولى كانت أقرب إلى ذلك. لكن لا ينبغي لذلك أن يعني أن البداية باتت وشيكة. فتضخم الأجور منخفض: في الأشهر الثلاثة حتى نيسان (أبريل) كان الراتب الإجمالي 0.7 في المائة فقط أعلى من الفترة نفسها العام الماضي. ومن الممكن أيضا أن توجد طاقة إنتاجية فائضة كبيرة، ربما أكبر مما تشير إليه الارتفاعات الأخيرة في التوظيف. ومع تعافي الاستثمار يجب أن ترتفع الطاقة بشكل أسرع. علاوة على ذلك، عندما ترتفع أسعار الفائدة، فمن المتوقع أن تضرب الاقتصاد بصورة أصعب من ذي قبل، نظراً للجبل المتراكم من الديون الأسرية. وهذا يستوحب أن يكون البنك المركزي البريطاني حذراً في عملية التشديد.

للأسف، حتى لو تمكن ذلك من تحقيق التوازن بين الطلب والعرض، فإنه لا يمكنه حل الاختلالات في هيكل الطلب أو الضعف في نمو المعروض.

بالنسبة للموضوع الأول، مزيج الطاقة الإنتاجية الفائضة والعجز الكبير في الحساب الجاري وفي المالية العامة تجعل عملية إعادة توازن الطلب صعبة. في عام 2013 أنفقت الحكومة أكثر مما استلمت في نطاق يقع في حدود 5.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وفي الوقت نفسه، اقترضت البلاد مجتمعة مبلغاً يعادل 4.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي من الأجانب لتمويل الإنفاق. افترض أنه تم القضاء على العجز في المالية العامة، بينما لم يتم القضاء على العجز في ميزان المدفوعات. حينها يتعين على القطاع الخاص تشغيل عجز قدره 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بدلاً من فائض صغير، كما هو الحال الآن. الطريق الوحيدة المثلى لحدوث هذا تتم من خلال زيادة الاستثمارات الضخمة (التي تعتبر غير مرجحة للغاية).

مثل هذه الطفرة الاستثمارية هي أيضاً شرط ضروري للتعامل مع التحدي الثاني: تحسين العرض. نعم، تحسنت الاستثمارات الثابتة لدى الشركات، لكن في الربع الأول لعام 2014 كانت تبلغ فقط 8.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. هذا لا يمكن أن يكون كافياً لتوليد النمو في الإنتاجية الذي يحتاجه الاقتصاد لإدارة الشيخوخة وعبء الديون. إضافة إلى ذلك، يجب أن تكون هناك زيادة كبيرة في الاستثمار في مجال الإسكان لأسباب اجتماعية واقتصادية.

الحاجة تدعو إلى قدر أقل بكثير من الرضا عن النفس. إنه لأمر جيد أن المملكة المتحدة تتعافى في نهاية المطاف. لكن المسألة التي ينبغي على المملكة المتحدة التركيز عليها ليست ما إذا كان البنك المركزي البريطاني سيتمكن من تحقيق التوازن بين الطلب والانكماش الحالي والعرض المحتمل، بل هي ما إذا كان نمط الطلب في المستقبل سوف يتبين أنه قابل للاستدامة، وكذلك المساهمة في نمو العرض على نحو أسرع بكثير من الوضع الحالي. لكن الآفاق ليست جيدة. فما هو رد فعل السياسيين؟ يبدو أنهم مصابون بالذهول.