Site icon IMLebanon

جفاف الينابيع يهدّد غربيّ بعلبك بالعطش

Akhbar
رامح حمية
على مدى عقود طويلة، لم تتمكن أزمات الشح وندرة الأمطار من تجفيف مياه قبو حوش باي، وينابيع أخرى، في منطقة غربيّ بعلبك. وحدها يد الإنسان فعلت ذلك، وسلبت فقراء المنطقة «شربة الماء» ومكان راحتهم المجاني
فقد أبناء بلدة طاريا وعدد من قرى غربي بعلبك مورد مياه كان دائم العطاء والتدفق في المنطقة. جفّت مياه الينابيع الخمسة في قبو «حوش باي» الأثري، ومعه الينابيع المجاورة لمجراه. لم يسبق لهذا المكان الذي بناه الرومان عام 60 قبل الميلاد، أن جفّت مياهه سابقاً، وهو كان يعتبر مورد المياه البديل لمياه نبع الأربعين في اليمونة، ويوفر مياه الشفة والري خلال فترات الصيف وشح المياه.
كذلك كان القبو الأثري، بما فيه من مياه عذبة وبركة كبيرة، بمثابة الملاذ المجاني الوحيد لفقراء قرى البقاع، يقصدونه من كل حدب وصوب للاستجمام والراحة والسباحة، وتستعمل مياهه في ري آلاف الدونمات الزراعية قبل أن يصل إلى مجرى الليطاني.
وقد ارتفعت صرخة أبناء بلدة طاريا منذ أسابيع بعدما فقدوا هذا المورد الأساسي، في وقت تعاني فيه البلدة أزمة مياه حادة نتيجة ندرة وصول مياه اليمونة إليهم، واستغلال بعض أصحاب الآبار الأرتوازية الأزمة وتحديد سعر تعبئة صهريج المياه بعشرة آلاف ليرة، بدلاً من 3000 ليرة، ليشكل سعر صهريج المياه فاتورة شهرية لا تقل عن 300 ألف ليرة على كل منزل.
يدرك أبناء بلدة طاريا مشكلة ندرة أمطار هذا العام التي خلّفت جفافاً، إلا أنهم، في المقابل، يعزون السبب الرئيسي في جفاف مياه «حوش باي» إلى الاعتداءات على هذا المورد العام من خلال الآبار الأرتوازية التي حفرت في الفترة الماضية عند أطراف بلدة شمسطار الشرقية المحاذية والمطلة على القبو. علي حمية، أحد أبناء البلدة، أوضح أن مياه «حوش باي» كانت تتضاءل خلال فترة الشح، لكنها كانت «تبقى مصدر خير لكافة أبناء القرى المحيطة، ومنها شمسطار»، ويؤكّد باستياء عارم: «بحسب أهلنا وأجدادنا لم تجف مياه حوش باي قط. وما أوصلنا الى هذا الأمر إلا إقدام أكثر من 14 منزلاً على حفر آبار أرتوازية تفوق قدرة أحدها 4 إنشات مياه، علماً أنه قانونياً ممنوع حفر الآبار. ولكن هناك ناس بسمنة وناس بزيت».
رئيس بلدية طاريا مهدي فارس حمية، أكد لـ«الأخبار» أن البلدية سلكت الطرق القانونية في معالجة هذه المشكلة العامة، وذلك «تداركاً لحصول مشاكل وحتى لا تتفاقم الأمور». وأوضح أنه وُجِّهت كتب خطية إلى وزارة الطاقة والمياه ومحافظ بعلبك ـــ الهرمل نطالب فيها، بالسرعة اللازمة، بإزالة ورفع التعديات بحق 15 شخصاً، أقدموا ضمن نطاق بلدية شمسطار وفي الأراضي المحاذية لنبع حوش باي، الواقعة على خط النبع، على حفر آبار إرتوازية، ما أدى إلى جفاف مياه النبع الوحيد في بلدة طاريا، وفي الوقت الذي يحتاج فيه أبناء البلدة إلى نقطة المياه في ظل مرحلة قلة أمطار وشح مياه. وأكد حمية أن أبناء البلدة «لا يمارسون أي نوع من التجنّي في طلبهم وشكواهم»، كاشفاً أن «وزارة الطاقة أبلغت البلدية أنها سترسل مهندساً خبيراً للكشف على مدى تأثير الآبار التي حفرت على مياه حوش باي، وإذا أكد الخبير أنها السبب في جفاف مياهه، فسنطالب بردم تلك الآبار الخاصة، لأن المصلحة العامة أسمى من الخاصة»، كما يقول حمية.
إلا أن ما يثير القلق لدى أهالي بلدة طاريا، «التدخلات السياسية والأمنية التي تعوق تطبيق القوانين»، بحسب شكيب حمية. فالرجل، وهو من سكان محلة روضة الليطاني (خراج بلدة كفردبش)، استحصل منذ أيار عام 2012 على قرار من وزارة الطاقة بناءً على تقرير وكشف لجنة فنية، يطلب فيه من محافظ البقاع أنطوان سليمان تأمين المؤازرة الأمنية لإزالة التعديات وإقفال آبار حفرتها شركة «البقاع لأشغال التطوير» وأشخاص من آل ج. في عقارات في منطقة كفردبش العقارية، «لكونها سببت شحاً في مياه نبع عين الدم الذي كان وما زال يروي، بحكم الحقوق المكتسبة والعرف، الأهالي في العقارات الواقعة أسفله لناحية الشرق، (منذ أكثر من خمسين عاماً حصرت مياه النبع المذكور وجرى تمديدها بشبكة قساطل لمياه الشفة تصل إلى المنازل في محلّة روضة الليطاني ولمسافة تتجاوز الكيلومتر الواحد مع شبكة بخزانين كبيرين عليها لتجميع المياه وتأمين الضغط الكافي). ورغم إحالة المحافظ القرار على قيادة منطقة البقاع، وصولاً إلى فصيلة شمسطار، إلا أن أمر الإقفال وتأمين المؤازرة بحسب حمية «بقي دون تنفيذ حتى اليوم بفعل المماطلة والتسويف في فصيلة درك شمسطار طوال عامي 2012 و 2013، الأمر الذي دفعنا إلى إعادة تفعيل الشكوى قضائياً وفي وزارة الطاقة، والاستحصال على قرار جديد، حيث تبلغنا بالتنفيذ في الأول من تموز المقبل بإقفال أربع آبار لكل من شركة البقاع لأشغال التطوير وثلاث لأشخاص من آل ج.، لكننا ننتظر الأيام القليلة المقبلة لنرى مدى تقيّد القوى الأمنية بالأمر».
وعلمت «الأخبار» من مسؤول أمني أن القرار بات في عهدة قيادة سرية بعلبك، ومن المرجح الشروع في مراقبة إقفال تلك الآبار وإزالة التعديات خلال اليومين المقبلين.