عدنان الحاج
تواجه الحكومة والمجلس النيابي خلال الفترة المقبلة، معضلة تمويل رواتب موظفي القطاع العام، لما تبقى من العام 2014. هذا من دون التطرق إلى موضوع كلفة «سلسلة الرتب والرواتب» ونفقاتها والإيرادات التي يمكن تحقيقها في ظل الجدل السياسي العقيم.
تكفي الإشارة هنا إلى أن صيف الكهرباء سيكون قاسياً، نتيجة تردي إنتاج المعامل وتوقف غالبية مشاريع التطوير في المعامل، من الجية إلى الذوق مروراً بإنتاج المعامل المائية، التي تعاني الشح الشديد نتيجة قلة الأمطار.
على الصعيد ذاته تقوم «كهرباء لبنان» بتقليص نفقاتها، على حساب توقيف بعض المعامل، وتقليص مشتريات الطاقة، لتتوافق مع المبالغ المخصصة في الموازنة وقدرها حوالي 3052 مليار ليرة. وهذا ما يبشر بخفض تغذية الكهرباء إلى أكثر من 14 ساعة في المناطق، واحياناً أكثر. وقد يطال التقنين القاسي منطقة بيروت الادارية، لتصبح التغذية في كل المناطق ما بين 14.5 و15 ساعة. وتقوم «مؤسسة كهرباء لبنان» حالياً بدراسة كمية الكهرباء التي يمكن تأمينها، لتتوافق ومبالغ الدعم المخصصة من الموازنة العامة، وهو أمر ابلغته إلى وزارتي الطاقة والمالية.
هذا مع استمرار الهدر الكبير على الشبكات، يصل إلى أكثر من 50 في المئة، ونمو عجز الكهرباء، على الرغم من تحسن الجباية حوالي 7 في المئة، مع استمرار الهدر التقني والتعليق لأكثر من 450 مليون دولار، تذهب نتيجة السرقات والتعليق.
هذا الواقع يترجم من خلال ارتفاع الطلب في جميع المناطق، لا سيما في المناطق الأكثر حرماناً، من نشاط مؤسسات المياه، التي تجهل الحد الأدنى من أسس المحافظة على مصالح الناس، على الأقل باتخاذ الاحتياطات لمنع الاستغلال الحاصل لدى شركات أو فعاليات بيع المياه، التي تستغل النقص برفع الأسعار على الصهاريج. وللمرة الأولى تجد ازدحاماً لدى شركات المياه ومراكز بيع مياه الخدمة للحصول على كمية تؤمن الحاجات الضروروية. مسؤولية وزارة الطاقة ومصالح المياه قديمة، تتجدد مع الأزمات، من حيث تأمين المخزون، ومن خلال تحسين الشبكات، وتحديد أماكن الهدر، ومخالفات انتشار الآبار التي تزيد الشح عند الأكثرية، لتستفيد أقلية نفعية بين السياسية والمناطقية. فترة النقص كشفت حجم التواطؤ بين مصالح الفاعليات وتجار المياه، تماماً كما كشفت أزمة الكهرباء على الدوام مصالح الفعاليات المناطقية مع تجار المولدات، الذين يستغلون تقنين الكهرباء لتحديد اسعارهم، من دون التقيد بطلبات وزارة الطاقة، بتحديد التعرفة التي تزيد عن تعرفة الدولة 10 أضعاف.
فحسب احصاءات «مؤسسة كهرباء لبنان» الأخيرة للأسبوع الحالي، أصبح الوضع الراهن لمعامل الإنتاج يؤمن حوالي 1500 ميغاوات، بينما الحاجة اليوم إلى حوالي 2900 ميغاوات، أي أن الإنتاج يبقى أقل من نصف حاجة الاستهلاك، ويصل في بعض الأوقات إلى أكثر من 55 في المئة، نتيجة الأعطال المتنقلة على ابواب الصيف، ومع قدوم شهر رمضان، حيث الحاجة أكثر للكهرباء لحفظ المأكولات والطعام عند الفقراء الذين يدفعون نصف الحد الأدنى للأجور بدل اشتراكات المولدات الخاصة (200 الف ليرة) كمعدل وسطي وأكثر من نصف قيمتها لكهرباء الدولة شبه المتوافرة.
وضعية الكهرباء خلال هذه المرحلة
يمكن تلخيص وضعية إنتاج الكهرباء في هذه المرحلة، وفي ظل توقف بعض المعامل، وحاجات توفير الفيول أويل والمازوت، ونتيجة الصيانة التي تصادف مع تراجع القدرات على الشكل الآتي:
ـ معمل دير عمار: 440 ميغاوات بعد وضع المجموعة البخارية في الخدمة صباح الاثنين المقبل.
ـ الزهراني: ينتج حوالي 439 ميغاوات.
ـ الذوق: ينتج حالياً 177 ميغاوات (وكان ينتج قبل أشهر حوالي 240 ميغاوات).
ـ معمل الجية: ينتج حوالي 100 ميغاوات.
ـ الإنتاج المائي: 14 ميغاوات (وهو كان أكثر من 130 ميغاوات قبل أزمة المياه).
ـ الباخرتان التركيتان: تنتجان حوالي 268 ميغاوات.
وهكذا يكون مجموع الطاقة الموضوعة على الشبكة حوالي 1438 ميغاوات، فيما الطلب لامس حدود الـ 2900 ميغاوات.
مع الإشارة إلى توقيف معملي صور وبعلبك والمجموعة الرقم 2 في معمل الذوق، إضافة إلى إيقاف استجرار الطاقة من سوريا (كانت تؤمن حوالي 120 ميغاوات)، وذلك توفيراً للمحروقات والنفقات، بما يتلاءم مع المبالغ المقرّة من قبل مجلس الوزراء، كدعم لمؤسسة كهرباء لبنان، والمقدرة بحوالي 3057 مليار ليرة للعام 2014. والتي ستجبر المؤسسة على خفض التغذية إلى 14.5 ساعة يومياً لكل المناطق بما فيها بيروت الإدارية.
الدولة وتغطية الشح المالي
أمام عدم توصل الحكومة لحسم آلية الصلاحيات، وعدم البدء بمناقشة مشروع الموازنة العامة للعام 2014، البالغ عجزها حوالي 7700 مليار ليرة، يؤكد وزير المالية انه في صدد البحث في خفض عجز الكهرباء، من خلال البحث في الاتفاقات النفطية من جهة، ومن خلال تحسين التعرفة عن طريق زيادتها على بعض الفئات، حيث يكلف انتاج الكيلوات ساعة حوالي 350 ليرة وهو يباع لغالبية المشتركين بحوالي 40 إلى 60 ليرة. كذلك طلب وزير المال علي حسن خليل بموجب اقتراح قانون، الموافقة على تخصيص مبلغ بقيمة 1650 مليار ليرة لتغطية الرواتب والأجور، لكون المخصصات الملحوظة في موازنة العام الماضي تكفي حتى نهاية شهر أيلول من العام الحالي. مع الإشارة إلى أن كلفة غلاء المعيشة التي دفعت لموظفي القطاع العام، والبالغة حوالي 890 مليار ليرة، غير مغطاة في الموازنة العامة حتى الآن، مما يوقع الوزارة في مخالفة ما لم تجد التغطية لهذه الاعتمادات المدفوعة التي تستحق تباعاً حتى نهاية السنة.
يوضح خليل لـ«السفير» أنه وضع مشروع القانون الخاص بطلب المبلغ بحوالي 1650 مليار ليرة لتغطية النفقات، تلافياً للوقوع في المخالفة القانونية وحتى الدستورية، على اعتبار أن النفقات تتم على أساس موازنة العام 2005، مضافاً إليها مخصصات القانون 238 (الذي زاد مبلغ نفقات الموازنة بقيمة 8900 مليار ليرة تقريباً). ويقول إنه لن يخالف القانون والدستور بتخطي النفقات بسلفات من دون إصدار قانون يغطي النفقات المستحقة والمستجدة. وهو أوقف كل السلفات للإدارات.
إصدار جديد لسندات الخزينة
ويكشف أنه يسعى إلى تكوين احتياطات في حساب الخزينة، من خلال اللجوء إلى المطالبة بأموال الخزينة الموجودة لدى وزارة الاتصالات، مع المحافظة على حصة البلديات. كذلك السعي من خلال اقتراح القانون الذي يطلب الإجازة للحكومة إصدار سندات خزينة جديدة، لتغطية المستحقات والاستدانة، ضمن السقف الذي يغطي الاحتياجات، وهو كان يرد عادة في مشروع الموازنة، ولكنه أحيل بشكل اقتراح قانون منفصل من قبل وزارة المال تلافياً للوقوع في المحظور.
يلفت خليل الانتباه إلى أنه سيحمّل الكتل النيابية مسؤولية عدم التوصل إلى إقرار القانون، لتأمين الاعتمادات الإضافية لتغطية الرواتب والأجور، تلافياً للوقوع في المخالفة، وتمويل الاحتياجات عن طريق سلفات خزينة، كما كان يحصل في السابق. يشار هنا إلى أن القسم الأكبر من الاكتتابات لتأمين حاجات الخزينة، يؤمنها حالياً مصرف لبنان نتيجة اكتفاء المصارف بتجديد الاكتتابات بحدود استحقاقاتها من دون زيادة تذكر في اكتتاباتها.
يضاف إلى ذلك معضلة أساسية، تقضي بعدم وجود تشريع لدى وزارة المال، لتمويل المستحقات الخارجية، لما تبقى من العام 2014 والبالغة حوالي 1300 مليون دولار، لعدم وجود موازنة عامة، ولعدم وجود تشريع يسمح للحكومة بتخطي سقف الاستدانة بموجب إصدارات جديدة لتمويل المستحقات.
في معلومات أخرى، لـ «السفير» أن وزارة المال سعت خلال الفترة الأخيرة إلى تكوين احتياطات في حساب الخزينة، لتغطية النفقات لما تبقى من العام 2014، حيث تقدر هذه الاحتياطات المطلوبة بحوالي 3000 مليار ليرة. فالمشكلة الملحة تكمن في تأمين الإعتمادات اللازمة، لتغطية الرواتب والأجور والتعويضات لموظفي القطاع العام، حتى نهاية السنة تلافياً لأزمة جديدة.