جيليان تيت
في عطلة نهاية الأسبوع الماضي كنت أتجوّل في وسط مانهاتن مع بناتي عندما لمحن محل ستاربكس. قالت إحداهن بتوسّل “علينا الذهاب هناك – أرجوك يا ماما. علي إخبار جميع أصدقائي في المدرسة”.
لقد شعرت بصدمة. عندما كان أطفالي صغاراً، قضيت كثيرا من الوقت في ستاربكس مع أمهات أخريات. قمنا بإطعام أطفالنا الصغار “بيبيشينو” – كوب من الحليب مكسو برغوة صممه ستاربكس خصيصاً لمجموعة الأم والطفل الصغير. لكن، بما أن القهوة ليست مشروباً للأطفال في الثقافة الغربية، ابتعدت عن المكان.
لكن بناتي لسن متحمسات بشأن القهوة. وكان ستاربكس قد بدأ في الأشهر الأخيرة بيع “قائمة سرية” لمشروبات ليست مُدرجة علناً. وانتشرت الروايات عن هذا بين المراهقين والأطفال بين عمر ثمانية و14 عاماً على وسائل الإعلام الاجتماعية في الولايات المتحدة.
لا عليك من أن خبراء التسويق الأذكياء في ستاربكس ربما قاموا بوضع تلك الروابط بأنفسهم. يعتقد المراهقون والأطفال بين ثمانية و14 عاماً أن من الرائج شُرب الحلويات مثل حلوى القطن، فرابوشينو جراسهوبر رولو، الذي لا يظهر على أي قائمة يعرف عنها آباؤهم (إلا إذا كانوا في النهاية سيدفعون ثمنه).
كاستراتيجية تسويقية، هذه تعتبر عبقرية، كما أنها أيضاً رمز لعصرنا لافت للنظر. حتى أوائل القرن العشرين كان مفهوم المراهق، ناهيك عن الأطفال بين ثمانية و14 عاما، غير معروف. في المجتمع الغربي كان يتم تصنيف الأشخاص إما بالغين أو أطفالا. وبرز مفهوم المراهق عندما اكتشفت الشركات الاستهلاكية سوقاً جديدة لبضائعها. فقد أدركت أن أساس البيع لهذه الفئة السكانية يكمن في جعل العلامات التجارية للمراهقين مختلفة عن العلامات التجارية للآباء، ومتمردة قليلاً أيضاً.
وحتى وقت قريب، لم يبدُ ستاربكس حريصاً – أو قادراً – على الاستفادة من الفئة السكانية المراهقة. فالمقاهي بشكل عام معروفة بكونها أماكن للكبار يتردد عليها المهنيون الشباب. فمن يحتسون القهوة، في المتوسط، هم أناس كبار نسبياً. لكن هاورد شولتز، الرئيس التنفيذي لمحال ستاربكس، يعرف أنه إذا أراد الاستمرار في التوسّع، فعليه أن يكون مُبدعاً. اليوم يستهلك الأمريكي 23 جالوناً “فقط” من القهوة سنوياً، وهذا نصف المستوى قبل 50 عاماً. لكن ستاربكس مقتنع أن بإمكانه استخدام محاله الموجودة في الولايات المتحدة وعددها 13 ألف محل لبيع شيء آخر. ومن هنا جاءت القائمة السرية، وهي مفهوم يظهر الآن في علامات تجارية أخرى مثل: شبوتل، عصير جامبا وحتى ماكدونالدز.
والأكثر إثارة للاهتمام بشأن هذه القصة هو أن الشعور بالهوية الفردية أمر أساسي. وانطلاقاً من تجربة بناتي، ومن النقاشات عبر الإنترنت، ما يحبه الأطفال بين ثمانية و14 عاماً بشأن القائمة السرية ليس فقط أنها تبدو متمردة قليلاً، بل أيضاً لأنها توفر “التخصيص”.
ربما يعزو عالِم النفس هذا إلى رغبة الطفل في ممارسة السلطة لكن هناك شيء آخر، هو أن الأطفال ينشأون في عالم حيث “الخيار الشخصي” يعتبر أمراً أساسياً. عندما كنت في مرحلة ما قبل المراهقة في السبعينيات، أطفال الطبقة المتوسطة في بريطانيا لم يكونوا يتوقعون مشروبات “مخصصة”. كنا نعيش في عالم سوق شاملة، وعديد من آبائنا شهد التقنين مباشرة (أثناء الحرب العالمية الثانية).
اليوم يفترض البالغون أن كل شيء ينبغي أن يتلاءم مع الخيار الفردي، سواء كان نكهة مشروبك، أو وسيلة الإعلام التي تستهلكها، أو الطريقة التي تمضى بها عطلة. وقد تم تمرير تلك الفكرة إلى الجيل التالي عبر ملايين الإشارات الثقافية الصغيرة، مثل تلك المشروبات التي يقدمها ستاربكس (التي تدعي الشركة أنه يمكن إعادة تشكيلها إلى 87 ألف تركيبة شخصية). بعبارة أخرى، أطفال اليوم لا يهتمون كثيراً بميزات الجيل X، Y أو Z كما يهتم الجيل C بالتخصيص.
هل هذا يمنح سلطة، أم أنه مثير للرعب؟ كلا الأمرين، كما أظن. في كلتا الحالتين، بعد توسلات لا نهاية لها، استسلمت وأدخلت بناتي لطلب مشروب حلمهن (المخصص) – فرابوشينو حلوى القطن. لقد تبيّن أنه خليط سيئ الطعم بلون وردي صادم. لكن لم يكن يبدو أن الطعم هو الهدف ـ بعثت إحدى بناتي برسالة نصية بالصورة إلى أصدقائها.
في الشهر المقبل سيكون هناك مشروب مختلف يتم اعتباره رائجاً، أو ربما أن المراهقين والأطفال بين ثمانية و14 عاما سيثيرون ضجة حول شيء آخر غير ستاربكس. لكن هذه الظاهرة تُبيّن أن الرموز الثقافية المرنة يمكن أن تكون موجودة في عالم رقمي عندما يتم العمل بالأموال المخصصة للتسويق.