“الحلم المكسور” ليس عنواناً لفيلم مصري او مسلسل تركي او لعمل درامي مكسيكي او هندي، انه الفيلم المأسوي الطويل لحال اللبنانيين الذين كانوا يستعدون لموسم صيف واعد وبارد وساهر وهانئ وزاخر وكل ما اختزن القاموس من مفردات فرح وتفاؤل وأمل.
ها هو مشهد نزلاء الفنادق يخرجون افراداً وجماعات من وسط المداهمات يجرجرون خلفهم الحقائب والخوف والخيبة، وسرعان ما يطيرون الى بلادهم او الى اي امكنة آمنة في بلاد الدنيا الواسعة، تاركين خلفهم لبنان المكسور الخاطر.
صار الصيف الافتراضي في بلاد الارز مجرد خدعة تضج بالكوابيس بعدما جرى الترويج لبرامج سياحية لا تعد ولا تحصى… مهرجانات بخمس نجوم في بعلبك وبيت الدين وجونية وزوق مكايل وعلى الواجهة البحرية لبيروت وفي وسطها الجميل وفي غير مكان من ست الدنيا.
بين ليلة وضحاها انقلب المشهد اللبناني ومزاجه رأساً على عقب،مرة جديدة تجهز الحقائق على اوهام لبنانيين بان في امكانهم اللعب على الحبلين يتورطون في حروب الآخرين عن سابق تصور وتصميم ويريدون ابقاء ساحتهم بمنأى عن مجيء الاخرين، في زمن لم تعد تنفع فيه الشطارة وتتهاوى معه الحدود وتختلط في شوارعه ايديولوجيات بلا قلب ولا عقل بالدم الرخيص.
طار الموسم الافتراضي لسياحة جرى الطبل والزمر لها كأنها تعويض تاريخي عن مآزق تجتاح لبنان من رأسه حتى اخمص قدميه، تعويض عن الفراغ الرئاسي والشيكات المرتجعة، عن اعباء الجيش المليوني من النازحين والتوقعات المأسوية لسلسلة الرتب والرواتب عن التجارة الكاسدة وشح المياه والكهرباء ولقمة العيش، وعن كل شيء تقريباً.
وفي هذا السياق، يروي احد القادة الامنيين ان مديراً لاحد فنادق الخمس نجوم اصابه الهلع عندما علم ان احد النزلاء يهم بحزم حقائبه للمغادرة فاتصل بالاجهزة الامنية مرتاباً، فنصب كمينا للنزيل واقتيد للتحقيق معه قبل ان يتبين انه تاجر كبير كان يستعد للانتقال الى المطار، على نحو طبيعي للسفر بناء على حجز مسبق على متن احدى الرحلات. هذا التاجر، وسواه من العشرات وربما المئات ممن خضعوا لاختبارات امنية لا يحسدون عليها، ذهب ولن يعود… فبين المخاوف الفعلية والارتجالية ربما «المبررة» خسر لبنان ربيعا في عز الصيف كاد ان يزهر قبل ان يقود الى خريفه الطويل واماله المتساقطة كالاوراق الصفر.