رنا سعرتي
تبدأ مصارف لبنان اليوم، تطبيق قانون الامتثال الضريبي الأميركي «فاتكا» وفقا للموعد المحدد عالميا في 1 تموز 2014. وامام المصارف مهلة عام لتسوية اوضاع المودعين الاميركيين الذين تتجاوز حساباتهم مليون دولار، وعامين بالنسبة للذين تقلّ حساباتهم عن مليون دولار، في حين سيخضع العملاء الجدد ابتداء من اليوم، لآلية تطبيق القانون الأميركي.
تطبق الولايات المتحدة اعتبارا من اليوم «ترسانة» من الوسائل القانونية غير المسبوقة للتصدي للتهرب الضريبي، ستسمح لها بتخطي السرية المصرفية في المراكز المالية الكبرى في العالم من بينها سويسرا ولوكسمبورغ.
ووصف رئيس وحدة مكافحة الجنات الضريبية في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية باسكال سانت امان، الوسائل بـ»الزلزال الذي يجعل السد ينهار»، قائلا «انه السلاح الذري».
هذا «الزلزال» كما يدعوه، يتمثل في «قانون الالتزام الضريبي للحسابات في الخارج» الذي يدخل حيز التنفيذ اليوم في الولايات المتحدة، بعد مفاوضات طويلة وسلسلة فضائح متعلقة بالتهرب الضريبي طاولت مصارف سويسرية وعملاءها الاميركيين الاثرياء ومنها «يو بي اس» و»كريدي سويس» وغيرهما.
محليّا، قامت جمعية المصارف في لبنان بإصدار نماذج باللغات الثلاث حول قانون الإمتثال الضريبي الأميركي موجّهة الى زبائن المصارف، وإعداد دليل حول هذا القانون بالتعاون مع شركة «ديلويت» ومع أعضاء لجنة التحقّق في الجمعية.
في هذا الاطار، اوضح المصرفي جو صرّوع لـ»الجمهورية» ان المصارف في لبنان تبدأ اليوم ايضا تطبيق قانون «فاتكا» الاميركي، وهي على أتمّ الجهوزية من الناحية التنظيمية والقانونية والتقنية، ووضعها افضل بكثير من مصارف المنطقة والعالم على هذا الصعيد.
وقال ان النظم والاجراءات والكتيبات جاهزة لدى المصارف اللبنانية وفقا للمعايير الدولية، وقد استثمرت المصارف ما فيه الكفاية لوضع الآليات والتكنولوجيا والمعرفة لتطبيق قانون fatca بحذافيره، كما انه تمّ استحداث قسم خاص لتطبيق القانون وتمّ تدريب طاقم العمل المختصّ.
واشار صرّوع الى انه بدءا من اليوم، سيضطر اي مودع جديد الى تقديم تصريح ضريبي الى المصرف المعنيّ، من خلال تعبئة استمارة KYC know your customer او «إعرف عميلك» اضافة الى متطلبات جديدة اخرى.
اما بالنسبة الى المودعين الموجودين اساسا على دفاتر المصارف اللبنانية، فأمام المصرف المعنيّ عاما كاملا لتسوية اوضاعهم وجعلها قانونية ونظامية، في حال تجاوزت حسابات هؤلاء الاميركيين المليون دولار. بينما المودع الذي لا تتجاوز مدخراته في المصارف اللبنانية المليون دولار، فأمام المصرف مهلة عامين لتسوية وضعه القانونية.
وردا على سؤال، اكد صرّوع ان تبادل المعلومات سيكون في اطار عملية مباشرة بين المصارف ومصلحة الضرائب الأميركية، ضمن اتفاقات فردية موقعة بين الطرفين، لكن مصرف لبنان سيكون مشرفا على آلية التطبيق ونظم الامتثال.
كلفة القانون
وعمّا اذا كانت كلفة تطبيق قانون «فاتكا» وتعقيداته اكبر من حسناته، قال صرّوع ان كلفته اكبر من مردوده للخزينة الاميركية، واكبر من حجم المودعين الاميركيين في المصارف اللبنانية والعالمية، حيث «يُقال ان كلفة تطبيق القانون، عالميا، تبلغ بين 3,5 و4 مليارات دولار».
وعزا الكلفة الى تأسيس بنية تحتية مكلفة للغاية، في حين ان المعلومات وفيرة جدا وآلية الامتثال شاقة جدا، «وعلى المصارف الامتثال بأعلى درجات الامتثال والالتزام بأعلى درجات الالتزام». اضاف: لذلك، يجب ان يكون النظام دقيقا ويتضمن معلومات جامعة وشاملة.
وفيما بلغت كلفة آلية تطبيق القانون في مصارف سويسرا 250 مليون يورو، قال صرّوع ان الكلفة في لبنان لا تصل الى هذا الحدّ، إلا انه لا يستهان بها «لأن هناك كلفة مباشرة تتضمن البنية التحتية اي الانظمة والتكنولوجيا، وكلفة مستمرّة تشمل اليد العاملة على مستوى فروع المصرف، واليد العاملة على مستوى الادارة المركزية، واليد العاملة المختصة بمراقبة الامتثال. فهذا القانون يتطلب تجييش اقسام عدّة هي: قسم مكافحة تبييض الأموال، قسم الامتثال بقانون فاتكا، وقسم تدقيق الحسابات وادارة المخاطر.
وعمّا اذا كان القطاع المصرفي في لبنان شهد خروجا لودائع أميركية قبل بدء تطبيق «فاتكا»، اكد صرّوع «ان ليس هناك من شيء ذات اهميّة كبرى، لأن عدد المودعين الاميركيين في مصارف لبنان ليس كبيرا، ولا يبلغ سوى بضعة آلاف مقابل ملايين من المودعين من الجنسيات الاخرى.
منتقدو القانون
واجهت واشنطن عداء القطاع المصرفي المتخوّف من كلفة هذه الآلية ومن تعقيداتها. وقال بايسون بيبادي من منظمة سيفما التي تمثل كبرى شركات وول ستريت ان «هذا القانون معقد الى حدّ لا يصدق ويمكن ان نتساءل ان لم تكن كلفته ستتخطى حسناته».
وفي هذا السياق، اعلنت المصارف السويسرية وهي في طليعة المؤسسات المعنية بالقانون «استعدادها» للاستجابة له، ولو ان النظام قد يكلفها حوالي 250 مليون يورو ويرغمها على تبديل نهجها مع المواطنين الاميركيين. ومن الجانب الفرنسي اقر اتحاد المصارف بأن تطبيق القانون كان «ورشة هائلة باهظة الكلفة».
منتقدو القانون يقولون انه بدأ منذ الان بتعقيد حياة الاميركيين المقيمين في الخارج والذين سيجدون صعوبة من الان وصاعدا في فتح حسابات مصرفية، فيما يقول اخرون انه تسبب بالزيادة غير المسبوقة في عدد الاميركيين الذين يتخلون عن جنسيتهم. حتى ان بعض مؤيدي القانون ينتقدون فرضه بشكل احادي حيث انه لا يلزم المصارف الاميركية باعطاء معلومات حول عملائها الاجانب.
عقوبات صارمة
يُلزم قانون «فاتكا» عشرات آلاف المصارف الاجنبية بتقديم معلومات مفصلة بشكل منهجي للولايات المتحدة حول عملائها الاميركيين او الخاضعين للضرائب في الولايات المتحدة عن اي حسابات تتخطى 50 الف دولار.
وفي حال عدم امتثالها فان المصارف تتعرض لعقوبة صارمة تنص على احتجاز 30 بالمئة من اجمالي عائداتها عن انشطتها في الولايات المتحدة.
ولتعزيز هذه الوسائل القانونية حصلت واشنطن على تعهد من اكثر من سبعين بلدا بفرض الالتزام بالقانون الجديد.
وتضم قائمة هذه الدول القوى الغربية الكبرى مثل بريطانيا والمانيا وفرنسا الى جانب المراكز المالية المعروفة بسريتها المطبقة مثل سويسرا ولوكسمبورغ وجزر كايمان وسنغافورة وغيرها.