لم يشفع قدوم شهر رمضان الكريم، للبنانيين، التخفيف من معاناتهم مع الكهرباء، بل اتسعت رقعة هذه المعاناة مع رفع معدلات التقنين الى مستويات غير مسبوقة، ووصلت ساعات القطع في بعض المناطق الى نحو 20 ساعة، وهو ما يعني أن لبنان يمرُّ بأزمة حادة، ووزارة الطاقة وكل المعنيين عن هذا الملف يتحملون مسؤولية ما آلت اليه الأمور، والسؤال هو الى متى تستمر هذه المعاناة، خصوصاً وأن أعباء فاتورتي الكهرباء (واحدة لمؤسسة الكهرباء والأخرى لأصحاب المولدات) باتت لا تطاق، والى أين في هذا الملف الذي سيدخل موسوعة «غينيس» إن لجهة الخطط والدراسات والندوات للمعالجة أو لجهة الفشل والأزمات المتكررة….
في معلومات خاصة بالـ»المستقبل»، ان سبب التقنين القاسي في التيار الكهربائي يعود الى وقف بعض معامل الانتاج عن العمل وتخفيض انتاج اخرى، من دون ان يعرف الهدف من هذه التدابير..
مصادر فنية في احد معامل الجنوب الرئيسية ابلغت «المستقبل»، ان هناك مخزوناً كافياً وفائضاً من الفيول والمازوت في مختلف معامل الانتاج وحتى في البواخر المنتجة للطاقة، واضافت ان معملي بعلبك وصور متوقفان كلياً عن العمل، رغم انهما غير خاضعين للصيانة حالياً رغم ان خزاناتهما ممتلئة بالمحروقات اللازمة للتشغيل.
وتابعت المصادر نفسها ان معامل الانتاج الموضوعة في الخدمة حالياً هي معامل «الزهراني، دير عمار، الجية، والذوق»، بالاضافة الى البواخر المنتجة للطاقة. وجميعها تحتفظ بمخزون كاف من المازوت والفيول، لكن بحسب هذه المصادر- لم يعرف حتى الآن ما هو مبرر عدم تشغيل المعامل المتوقفة، وعدم رفع انتاجية المعامل العامل، وتعطي هذه المصادر مثلا على ذلك خفض انتاج معمل الزهراني من 450 ميغا الى 100 ميغا..!..
على أي حال، فإن المناطق شهدت منذ يومين هذا التقنين الحاد، ولا سيما الصائمين الذي يرافقهم التقنين الى موائد الطعام، بل يرافقهم في ظل موجة الحر التي تشهدها البلاد منذ أسبوع، وإذ تكررت المطالبات بالمعالجة، فإن وزارة الطاقة لم يكن لديها سوى علاج واحد، «داوِها بالتي كانت هيَ الداءُ»….التقنين
كيف كانت صورة المناطق خلال هذين اليومين؟:
رمضان الجنوبيين بلا كهرباء ..
يمضي اهالي معظم بلدات الجنوب اكثر ساعات يومهم الرمضاني من دون كهرباء، ما يضيف الى همومهم واعبائهم الحياتية والمعيشية عبئاً اضافياً وينغص عليهم صيامهم وافطارهم خلاله ويعطل اشغالهم، فكيف هو واقع التغذية وكيف يواجه المواطنون هذا التقنين؟.
وتعاني مدينة صيدا تقنيناً قاسياً في التيار الكهربائي زادت وتيرته ووطأته على المواطنين بشكل لافت منذ مطلع شهر رمضان المبارك في وقت لا يعطي المعنيون بهذا القطاع سبباً واضحاً ومقنعاً لأزمة الكهرباء التي باتت تنغص على الصيداويين حياتهم وصيامهم لا سيما في ظل ارتفاع درجات الحرارة.
وتراوح ساعات التغذية بالكهرباء في صيدا بين ساعتين الى اربع ساعات كل ثماني الى عشر ساعات قطع، وكثيرا ما يقطع التيار عند وقت الافطار او السحور.. فضلاً عما يتسبب به التقنين نهاراً من اعباء اضافية على المؤسسات التجارية والصناعية وباقي القطاعات..وما يترتب عليه من زيادة رسوم اشتراكات المولدات الخاصة على المشتركين مواطنين واصحاب مؤسسات.
في مخيم عين الحلوة الذي يقيم فيه حالياً اكثر من مئة الف نسمة بين لاجئين ونازحين، يضاف التقنين وجهاً اخر من وجوه المعاناة التي يعيشها ابناء المخيم امنياً واجتماعياً وانسانياً وخدماتياً، ولا تصمد التغذية بالكهرباء في المخيم اكثر من ساعتين كل ثماني ساعات قطع.
وفي منطقة الزهراني لا يختلف المشهد كثيرا ، فتزيد ساعات القطع ليلاً في وقت الناس تكون بحاجة اليها اكثر، ولا ينتظم التيار وفقاً التقنين الأساسي اي 6/4 مداورة، بل يواجه المواطنون في تلك المنطقة تقنيناً فوق التقنين يخفض ساعات التغذية الى ساعتين من اصل اربع، واربع من اصل ست.. وشكا بعض المواطنين من انه حتى في ساعتي التغذية غالباً ما يتم قطع التيار مراراً.
وبالانتقال الى جزين وصور واقضية النبطية ، تتصاعد الشكوى من انقطاع الكهرباء في العديد من بلدات وقرى تلك المناطق ، بعدما تخطت ساعات التقنين فيها العشر ساعات قطع ووصلت في بعضها الى 12 ساعة قطع متواصلة مقابل كل 4 ساعات تغذية . وتمضي العائلات الفقيرة والمحدودة الدخل وقت الافطار ومعظم ليالي رمضان بلا كهرباء، وتضطر متوسطة الدخل منها لتحمل اعباء زيادة رسوم اشتراكات المولدات الخاصة، للتخفيف من وطأة الحر وتأمين متطلبات الحياة اليومية.
بالمقابل، تساؤلات كثيرة تطرح عن الهدف من خفض الانتاج وبالتالي التغذية وهل السبب هو خفض تكلفة التشغيل والصيانة خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة وفي اوقات الذروة، واذا كان الأمر كذلك، ماذا سيفعل المواطن الذي يضطر لتحمل دفع فاتورتي كهرباء واحدة للدولة وواحدة للمولدات الخاصة.
البقاع فوضى في التقنين
ضاعف برنامج تقنين التغذية بالتيار الكهربائي المفروض على البقاع، من معاناة البقاعيين والصائمين بشكل خاص، وأضاف التقنين الى الطقس الحار وارتفاع اسعار السلع الغذائية والخضر والاهتزاز الامني المتقطع، مشكلة غير عادية مرتبطة بنظام التوقيت الذي يتبعه الصائم يوميا.
واشتكى الكثير من اهالي مدن وقرى بعلبك، الهرمل، زحلة قب الياس برالياس مجدل عنجر جب جنين مشغرة سحمر راشيا وغيرها، من فوضى التقنين الذي تتبعه مؤسسة كهرباء لبنان، وهي فوضى تركت أثارها المباشرة على عمل المؤسسات التجارية والغذائية، وعلى الحياة اليومية للمواطنين.
وزاد هؤلاء عن ارتفاع ساعات التقنين في بعض المناطق البقاعية الى اثنتي عشرة ساعة يومياً الامر الذي يدخلهم في دائرة الاستغلال الموصوف لاصحاب مولدات الكهرباء الخاصة.
فاصحاب المولدات يستغلون ازدياد ساعات التقنين المفروضة من المؤسسة كهرباء لبنان، ويستفيدون من فوضى التقنين، اذ يمكن لزائر اي مدينة أو قرية في البقاع، ان يتعرف فوراً على مستوى الفوضى في هذه الخدمة الاساسية، حيث يتوفر التيار لدقائق ومن ثم يتوقف، وهكذا باللغة البقاعية (عم تلعب الكهربا).
في ظل هذه الفوضى، ازدهر ويزدهر موسم اصحاب المولدات الخاصة، وهو موسم لم ينقطع منذ عقود، حيث بدأ الكثير منهم رفع سعر الكيلو واط الواحد الى الف ليرة، يضاف اليها رسم اشتراك عشرة الاف ليرة، حيث يبلغ الحد الادنى لأي فاتورة لعائلة تستهلك الحد الادنى من الطاقة المطلوب يومياً، مبلغ مئة الف ليرة شهريا، هذا من دون التلاعب بالعدادات، والموبقة الاخيرة رائجة عند كل اصحاب المولدات الذين يتمتعون بحماية ورعاية الوزارات المعنية وبعض البلديات.
فوضى التقنين وازدياد ساعاتها والاستغلال المفرط للمواطنين من مافيا المولدات الخاصة دفعت بعض المجالس البلدية في البقاع الى ابتياع مولدات خاصة على نفقتها، وشرعت بمد شبكة داخلية الى المنازل مع رسم اشتراك لا يتجاوز الخمس وثلاثين الف ليرة للمنزل الواحد.
هذه التجربة بدأتها بلدية لالا في البقاع الغربي، وعنها يقول رئيسها حسين طربين لـ «المستقبل«، وجدنا كمجلس بلدي ان الشروع بمثل هذا الحل يخفف عن كاهل المواطنين في بلدتنا، واصبح لدينا الان ثلاثة مولدات تغطي حاجة البلدة بتكلفة لا تتعدى 35 الف ليرة، وهذا الرقم اقل من تكلفة التشغيل، لان ما يجبى من اشتراكات المولدات، يذهب الى خدمتها سواء شراء مادة المازوت او الصيانة واتعاب فريق العمل الذي يشرف على هذا المشروع. ورأى طربين ان تجربة لالا نجحت واعتقد انه يمكن تعميمها لمن يريد ان يعمل في ظل هذه الاوضاع ولمن يريد ان يتجاوز الازمة التي تعيشها مؤسسة كهرباء لبنان الى ان تستقيم الاوضاع.
الشمال تحت وطأة تقنين حاد
وفي الشمال، ولا سيما في العاصمة الثانية، لم تنفع النداءات المتكررة التي توجه بها نواب طرابلس، الى المسؤولين في وزارة الطاقة بضرورة عدم قطع التيار الكهربائي مع حلول شهر رمضان المبارك، وسرعان ما تحول النداء الى مجرد صدى لا اثر له في لحظات، اذ جاءت النتيجة كارثية في اليوم الاول من شهر رمضان «تقنين قاس» قطع التيار الكهربائي بشكل متواصل عن أحياء ومناطق طرابلس لاكثر من 12 ساعة متواصلة، وهو تسبب بمعاناة كبيرة لاهالي المدينة الذين تزودوا لشهر رمضان، من دون أن تصدر شركة قاديشا أو مؤسسة كهرباء لبنان بياناً يوضح الاسباب الكامنة حول توقف مد المدينة بالطاقة الكهربائية ليوم كامل.
وبلغ الحد بعدد كبير من أبناء الاحياء الداخلية على سبيل المثال لا الحصر في باب التبانة والقبة للنزول ليلاً الى الشوارع احتجاجاً على التردي الكبير في الكهرباء، حيث لم يعد باستطاعتهم تحمل الضغوط في ظل موجة الحر الشديدة التي تشهدها البلاد مع بداية تموز والذي انعكس سلباً على شح المياه، مهددين بالتصعيد وقطع الطرقات اذا لم تعد عملية توزيع التيار الكهربائي الى سابق عهدها 6 ساعات تغذية و6 قطع، مع الاشارة بان الوعود أعطيت من قبل المسؤولين بتحسين التغذية في شهر رمضان، الا ان شيئاً من ذلك لم يتحقق.
ويشير مصطفى بقا ان اليوم الاول من رمضان كان صعباً جدا بسبب الانقطاع الحاد الكهربائي أكثر من 12 ساعة متواصلة في فترة الليل، لم يتمكن أهل البيت من النوم ليلتها «ناموا على الشرفات» «الناس خربت بيوتها»، كانت حضرت لاستقبال رمضان فاذا بها ترمى الاطعمة لان البرادات توقفت، هناك تقصير كبير بحق المدينة ونطالب المسؤولين بفتح تحقيق حول ما جرى في اليوم الاول، وكأن هناك عقابا جماعيا لابناء طرابلس والميناء على السواء.
واعتبر بلال مبيض أن بداية رمضان كانت قاسية على أبناء المدينة، وليل المدينة كان مظلماً جدا، الناس أكتوت من شدة الحر الى حد فاق طاقتها، والانكى لم نسمع مسؤولاً واحداً تابع ما جرى في المدينة ليل الاحد، واجرى اتصالات مع المسؤولين في شركة الكهرباء للوقوف عند ما حصل؟ وتلافي ردات الفعل حيث كاد الناس «ينفجرون» من شدة الضغوط. ليل أمس عاد التيار الى ما كان عليه 6 ساعات قطع و6 تغذية، من دون أن نعرف ماذا حصل ومن المسؤول؟.
والحال في بلدات وقرى الاصطياف في الضنية لا يقل عن أحياء طرابلس، اذ شكا المصطافون من الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي عن القضاء بشكل دائم مع بداية فصل الصيف. ويصف رئيس جمعية الضنية للتنمية نظيم الحايك وضع الكهرباء بالسيئ للغاية، تعاني البلدات من تقنين قاس يتعدى 14 ساعة يومياً، وهذا الوضع انعكس سلباً على حياة المواطنين في شهر رمضان، خصوصاً وان بعض البلدات لا يوجد فيها مولدات خاصة، مشيراً الى ان أزمة مياه كبيرة يعاني منه القضاء مع بداية الصيف وهو ينذر بمخاطر كبيرة على مجمل الحياة.
انقطاع كهربائي غير مسبوق في عكار
وفي عكار بلغت ساعات انقطاع الكهرباء 20 ساعة من 24، وتحديداً في مناطق الشفت والدريب وتلك التي تتغذى من محطات التحويل في حلبا والقبيات وبيت ملات، فيما الوضع أحسن في المناطق التي تتغذى من محطة نهر البارد التي تعمل على طاقة المياه والتي تغذي بعض قرى وبلدات القيطع والجرد.
ومع الزيادة غير المسبوقة في التقنين وغير المقوننة أو مبرمجة أومجدولة مع حلول شهر رمضان، حيث عادت النغمات ترتفع بالعودة الى الشارع والى الدواليب المحروقة، الأمر الذي لا تزال فعاليات المنطقة السسياسية تحد منها تحت شعار انتظار المراجعات.
وتؤكد جميع الفعاليات في استفتاء سريع لموقفهم من قضية الانقطاع، أن هناك استهتاراً غير مسبوق بمصالح ما يقارب النصف مليون عكاري، الذين يعانون من مشكلة تقنين كهربائي قاسٍ المزمن، ويؤكد هؤلاء أنه لعل لذلك أسبابه:
أولاً: عدم اعتبار عكار منطقة سياحية وبعيدة ونائية ولا تحتاج الى كهرباء، رغم التأكيد أن حجج ادارة الكهرباء غير منطقية وما تنسبه الى الضغط الكثيف على الشبكات جراء النزوح السوري وسوى ذلك من الأعذار، وإلا لماذا يتم تغيير الكابلات وتدشن المحطات التي لا تعمل وتهترئ جراء قلة استعمالها، أم أن هناك صفقات لمصلحة أحد ما.
الأمر الثاني: تؤكد الفعاليات أن مجرد القول أن التحركات تبقى منضبطة وخجولة ليست لها أرضية، بل ستكون هذه المرة مؤثرة ومؤلمة في آن.
ويؤكد رئيس اتحاد بلديات نهر الأسطوان أحمد الشيخ «أن هذا الانقطاع انعكس سلباً على الاوضاع الاقتصادية، كما على الاوضاع المعيشية للاهالي الذين أرهقوا بتسديد فواتير الاشتراك لأصحاب المولدات الكهربائية والتي بلغت هذا الشهر ما يتجاوز مئة وعشرين دولاراً على الخمسة أمبير. ولفت إلى أن السؤال الذي يتردد على ألسنة المواطنين هو: أين هي الجدولة في الأسعار التي أعتمدت لأصحاب المولدات ولماذا لا تطبق، ولماذا هناك مافيا محمية محلياً وسياسياً ومن أصحاب النفوذ على هذا الصعيد..مع التأكيد أنه من غير الصحيح القول إن صاحب المولد يخسر.
وسأل رئيس بلدية مشحة زكريا الزعبي: ما سر هذا الانقطاع المفروض على عكار اكثر من اي منطقة لبنانية اخرى، هل لأن عكار ليست في الحسابات ومستهدفة؟!!.