رنا سعرتي
«جميع السياسيين الذين تسبّبوا بإفلاس لبنان وبكلّ الحروب التي تمرّ بها البلاد»، هو التصريح الذي ادلى به رئيس جمعية المصارف فرانسوا باسيل والذي دفع بالنائب هاني قبيسي الى رفع دعوى قضائية ضدّه في جرم القدح والذم. ما أغفله قبيسي هو أنّ هناك مئاتٍ من التصريحات التي تشهّر فعلاً وعلناً بنواب الامّة وسياسيّيها ومسؤوليها يومياً، ولا تجد مَن يقاضيها. فهل تنطوي هذه الدعوى على كبتِ حريّة التعبير أو استهداف القطاع المصرفي؟
بعد يوم من تسلّمه درعاً تقديرية من وزير الداخلية، أدلى رئيس جمعية المصارف فرانسوا باسيل بإفادته للمحامي العام التمييزي القاضي شربل ابو سمرا أمس، في دعوى النائب هاني قبيسي ضدّه في جرم القدح والذم. وأرجأ الجلسة إلى 9 تموز الجاري للتعليق على إفادته.
وأكد رئيس جمعية المصارف فرانسوا باسيل أنه «تحت سقف القانون»، موجّهاً التحية إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، آملاً منه «معالجةَ شؤون البلاد بحكمته»، وأعلن أنه لو أخطأ في حق النواب لكان اعتذر «لأنّ الرجوع عن الخطأ فضيلة».
وقال باسيل إنه «تحت سقف القانون وننتظر حكم القضاء، ودافعتُ عن نفسي وما صرحتُه للاعلام صرحتُه هنا امام القاضي، وننتظر أن يعطي القضاء حكمه في الموضوع».
أضاف: «أنا لم أتناول أيّ نائب في كلامي. وأدعو جميع النواب إلى تكريس وقتهم للإستحقاق الرئاسي وأن يتوجّهوا إلى البرلمان لانتخاب رئيس للجمهورية».
في المقابل، قال محامي النائب هاني قبيسي، علي رحال من أمام قصر العدل، انه «تمّ استجواب رئيس جمعية المصارف فرنسوا باسيل»، معتبراً أنّ «كلام باسيل يتضمن تحقيراً وقدحاً وذماً والرئيس نبيه بري حريص على كرامة النواب جميعاً، وفي مرةٍ سابقة لم يستقبل باسيل عندما طلب موعداً منه».
واوضح أنّ «لا لزوم او ضرورة لحضور هاني قبيسي إذ إنّ الجلسة هي لاستجواب فرنسوا باسيل». كما أكد أنّ «هذا يومٌ أبيض في تاريخ القضاء اللبناني والقضية قانونية وليست سياسية».
مواقف تضامنية وداعمة
عضو جميعة المصارف الوزير السابق مروان خيرالدين اكد أنّ «جمعية المصارف هي من أكثر المؤسسات العاملة في البلد، والتي تسعى للمحافظة على الدولة، وتلعب دورَ السند الأساسي المالي لها».
وقال خيرالدين لـ»الجمهورية» إنّ «رئيس الجمعية اكد امس، انه لم يكن يقصد ايّ نائب ولا مجلسَ النواب، وقد أثنى أيضاً على جهود الرئيس بري في تدوير الزوايا». كذلك، أكدت جمعية المصارف على دعمها للمؤسسات الشرعية في لبنان وعلى رأسها مجلس النواب، «وأيّ كلام مخالف لذلك يكون سوءَ فهمٍ بين الاشخاص، لأنّ ليس هناك مِن طرف مستهدف».
وحول اذا ما كان شعر بالإهانة من تصريح باسيل، نفى خيرالدين هذا الامر، قائلاً إنّ «ما أدلى به رئيس جمعية المصارف هو رأي كثيرين من اللبنانيين».
وأضاف: «أعتبر أنّ تصريح باسيل كان يستوجب توضيحاً، لأنّ عدداً من النواب اعتبر أنّ كلامه موجّهٌ اليه». وقال خير الدين إنّ «الدعوى ليست بمثابة استهداف للقطاع المصرفي بل هي فقط مرتبطة باعتبار أحد النواب كلام رئيس جمعية المصارف موّجهاً للنواب مباشرة، في حين أنّ باسيل لم يكن يتوجّه اليهم من خلال تصريحه».
أبي نصر
من جهته، إعتبر النائب نعمة الله أبي نصر أنّ «لبنان لا يزال صامداً في وجه الأزمات بفضل قطاعه المصرفي الذي يستمرّ بمدّ الدولة بالسيولة المالية، في حين أنّ مالية الدولة تقوم على الاستدانة الداخلية».
وقال أبي نصر لـ»الجمهورية» إنّ «رئيس جمعية المصارف لم يتوّجه بكلامه الى شخص معيّن، وفي هكذا حالات يكون الإعتذار مقبولاً»، ورأى أنّ «القضيةَ لا تستلزم هذا القدر من الردّ». أبي نصر وإذ أكد انه «لم يشعر بأيّ إهانة او بإهانةٍ مقصودة»، أمل من النائب هاني قبيسي «سحبَ الشكوى وتفهّم انفعال باسيل»، قائلاً: «مثلما تسرّع باسيل في تصريحه، كذلك فعل النائب قبيسي».
شقير
من جهة الهيئات الاقتصادية، رأى رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس، «أنّ يوم استجواب أحد أبرز وجوه الهيئات الاقتصادية هو يوم أسود في تاريخ لبنان»، وأيّده في ذلك رئيس اتحاد الغرف محمد شقير الذي سأل «هل يُعقل أن يُؤخذ اليوم فرانسوا باسيل إلى التحقيق، بعدما تبرّع القطاع المصرفي أمس بـ6 ملايين دولار لتأهيل السجون في لبنان؟»
وإذ أعلن شقير وشماس وقوف الهيئات الإقتصادية بكلّ أركانها إلى جانب باسيل، عقدت الهيئات مساءَ أمس الاول برئاسة رئيسها الوزير السابق عدنان القصار اجتماعاً بحثت خلاله في الدعوى المقدّمة ضدّ باسيل، وتمّ الإتفاق خلال الاجتماع على تكليف السادة: محمد شقير، نقولا شماس، رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل، رئيس الجمعية اللبنانية لتراخيص الامتياز «فرانشايز» شارل عربيد، عضو مجلس إدارة جمعية المصارف نديم القصار ممثلاً فرنسبنك، مواكبةَ باسيل في الدعوى ودعمه ووقوف كل الهيئات الاقتصادية الى جانبه، «خصوصاً أنه لم يقم بأيّ عمل أو يطلق أيّ كلام مهين للمجلس النيابي».
واعتبر شقير أنّ «الدعوى ليست موجّهة ضدّ باسيل بل ضدّ القطاع الخاص ولا سيما المصارف»، مستغرباً «الدعوى ضدّ القطاع المصرفي الذي نفتخر به وهو يمسك بشؤون القطاع العام والدولة».
وأوضح شقير أنّ «مَن يراجع ما قاله باسيل يتأكد أنه لم يقدم على تسمية أحد، في حين أنّ طرفاً آخر توجّه مباشرة وبوضوح وصراحة ضدّ النواب، ولم يواجهه أحد. وهذا أمر خطير جداً». وتمنّى على الرئيس نبيه بري «حامي الفقير والغني والقطاع الخاص» على حدّ تعبيره، «إقفال هذا الملف بحكمته المعهودة والمشهود لها».
شماس
بدوره، رأى شماس أنّ «الدستور اللبناني يكفل حرية التعبير عن الرأي بشكل قاطع وصريح، من هنا ينبغي عدم القبول بإسكات الأصوات الراجحة ضمن الهيئات الإقتصادية التي تلعب دوراً وازناً في الحياة المالية والإقتصادية».
وقال: «نخشى أن تكون هناك محاولة لإسكات أصوات المنطق ليبقى الشارع وحده يتكلم بلغة الغوغائية والعشوائية. فالدكتور باسيل يجب أن يُكافَأ، ومكانه ليس في قصر العدل إنما في قصور الجمهورية».
واكد شماس أنّ «كلام باسيل لا يرقى إلى التهم المنسوبة إليه».، مضيفاً «لدينا ملء الثقة بالقضاء اللبناني، وسيقوم القضاء المختص بالصواب ويمضي في اتجاه الضمير الوطني وروح المسؤولية اللذين تتمتع بهما السلطة القضائية، ولنترك «التكتكة» للسياسيين».
سعيد
الى ذلك، أكد منسق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» الدكتور فارس سعيد لـ»الجمهورية» أنها «إهانة للأوادم في لبنان أن يمثل فرنسوا باسيل أمام القضاء بتهمة قدح وذّم الطبقة السياسية، في يوم يقف فيه الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي أمام القضاء الفرنسي، على أمل أن يأتي يوم ويقف فيه رئيس أو مسؤول لبناني أمام القضاء ليُحاسَب».